قادة عالميون يخططون لاتفاق جديد بشأن الذكاء الاصطناعي    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    لماذا يهاجم الإعلام المصري وجودهم؟ السودانيون يشترون عقارات في مصر بأكثر من 20 مليار دولار والحكومة تدعوهم للمزيد    رئيس لجنة المنتخبات الوطنية يشيد بزيارة الرئيس لمعسكر صقور الجديان    إجتماعٌ مُهمٌ لمجلس إدارة الاتّحاد السوداني اليوم بجدة برئاسة معتصم جعفر    معتصم جعفر:الاتحاد السعودي وافق على مشاركته الحكام السودانيين في إدارة منافساته ابتداءً من الموسم الجديد    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    رأفةً بجيشكم وقيادته    احاديث الحرب والخيانة.. محمد صديق وعقدة أولو!!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    كباشي يزور جوبا ويلتقي بالرئيس سلفاكير    شاهد بالفيديو.. لاعب سوداني يستعرض مهاراته العالية في كرة القدم أمام إحدى إشارات المرور بالقاهرة ويجذب أنظار المارة وأصحاب السيارات    عبر تسجيل صوتي.. شاهد عيان بالدعم السريع يكشف التفاصيل الكاملة للحظة مقتل الشهيد محمد صديق بمصفاة الجيلي ويؤكد: (هذا ما حدث للشهيد بعد ضربه بالكف على يد أحد الجنود)    بالفيديو.. شاهد الفرحة العارمة لسكان حي الحاج يوسف بمدينة بحري بعودة التيار الكهربائي بعد فترة طويلة من الانقطاع    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا يستقبل الأستاذ أبو عركي البخيت    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار في السودان اليوم الإثنين 20 مايو 2024 .. السوق الموازي    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    البرهان ينعي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    الحقيقة تُحزن    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    الجنرال في ورطة    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة إعتقال مظفر الفكي (حركة ناسنا الشبابية)
نشر في الراكوبة يوم 16 - 04 - 2017

أخيرا تحررت من براثن الغبن والكراهية السالبة التي كانت تتملكني، ونفسي اكثر توازنا وتفاؤلا وأمل بإن الفجر قادم وان طال السفر.
فكلي ايمان الان بضرورة نشر تجربة اعتقالي المريرة من قبل جهاز الامن السوداني.
ثمانية واربعون يوما قاتمة
اليوم الاول:
بعد تناولي وجبة الافطار بالمنزل هممت للمواعيد التي ابرمتها مع احدهم ، وفي اول مركبة مواصلات صادفتني متجه للسوق العربي بدأت بفتح تلفوني المغلق منذ ليلة الامس لخلاص بطارية شحنه ، واجراء بعض المكالمات الضرورية وعند وصولي مدخل شارع الجمهورية امام مبني العلوم جامعة النيلين ترجلت بحثا عن رصيد لشريحة زين كانت الساعة تمام الحادية عشر صباحا توقفت عند اول كشك لسؤاله اذ كان عنده؟ اجابني بالنفي :وعند التفاتي لناحية اليمين كان في مقابلي عدد من الشبان قادمين في اتجاهي ونظراتهم الحاده تتقصدني التفت شعوريا للناحية الاخري فرأيت مثلهم وبنفس النظرات، علمت وقتها بخطورة الموقف فكان ان ادخلت تلفوني الاندرويد بالجيب الخلفي للبنطلون واعددت بدني للمقاومة، وقتها كان قد امسك بعضهم بيداي ورباط بنطلوني وسمعت اخرون يرددون بأنهم يمثلون جهاز الامن والمخابرات الوطني ،اجبتهم بالمواقفة :خير !
-دايرين شنو مني؟!
لم اسمع رد منهم.
كان تركيزي وقتها ان اترك فرصة زمنية حتي تلفت انتباه عدد الطلاب الكبير المتواجدين لتوثيق لحظة الإعتقال ،فعلا قامو بدفعي لقطع الطريق الاسفلتي من خلال المركبات المتحركة، ناحية العربة البوكس تايوتا المتوقفة في الجانب الاخر، وعند وصولنا لخلفيته قامو بحملي وقذفوني بشدة علي ارضية البوكس الخلفية وانهالت علي لكماتهم ضربا وركلا مبرحا ،تحركت العربة مسرعة بطريقة مفزعة ورائحة اطاراتها تسبق اصوات احتكاكها مع الاسفلت،كان سيل لكماتهم القوية المستمرة والمتسارعة ومحاولتهم السيطرة علي اطرافي بعنف مفرط لم يتركو لي فيها مساحة حتي اسالهم ماذا يريدون لكي يتوقفو عن ضربهم، استمرت العربة تشق طريقها ، بدأت اسمع أثناء ضرباتهم صياحهم المبرر لغضبهم بأنني حركة شعبية وانني عميل وكافر ونجس وكثير من الشتائم غير اللائقة.
ازكر انني خلال الدقائق الاولي كنت امد رجولي بزاوية منفرجة مرتكزة علي اطراف خلفية البوكس وظهري من الناحية الاخري علمت بعدها ان ضربهم كان خوفا من ان تلك الوضعية تبدي لهم قدرتي علي القفز من العربة لذا كانو مصرين علي جمع ارجلي والقائي ممددا علي بطني بطول ارضية البوكس وسحب قميصي حتي يغطي وجهي ،سحبو بعدها رباط البنطلون الجلدي خاصتي وجلدوني به حتي تقطع من ثم ربطو بمعانة ماتبقي منه يداي للخلف بطريقة هشة.
احدهم كان يرتكز بجزمته علي راسي ويصيح للاخرين:
-اهشم ليه راسو؟
رد اخر : لا لا بوسخ لينا العربية اضربو طلقة بس.
والاخر كان يجرب مدي قوة ضرب كعب جزمته علي كتفي حتي خلته مكسورا.
سمعتهم يتحدثون بالتلفون علمت ان هنالك اكثر من عربة لهم تتبعنا وقال احدهم لمديرة : قبضنا العصفورة!
بعد حوالي ساعة من الضرب المستمر كانو قد وصلو الي مقرهم، فتحت بوابة خارجية وادخلت العربة التي انا فيها ،كانوا اربعة حملوني من اطرافي وانزلوني حتي ركن لبناية ارضيته من البلاط في مواجهه لهيب الشمس.
كنت حينها في غاية الاجهاد والعطش وحتي ان انفاسي كانت ترتفع بشخير، تركوني هناك لمايقارب النصف ساعة ،بدأ لهم انني احتضر ، اتي احدهم وفك يداي المقيدتان للخلف ورباط قميصي الذي اغمضو به عيناي، وساعده اخرون لجريي ناحية الظل.
ومن ثم سألني ان كنت بخير؟!
اجبته:
عطشان بالحيل.
امر احد الافراد بجلب ماء
شربت الكوب الاول طالبتهم بالتاني الثالث وافراد المبني متسمرين حولي حاملين اسلحتهم وانا اطلب المزيد من الماء.
قهقهه احدهم يازول انت بالع بشكير؟!
هنا جلب فرد منهم جردل ماء ورشقني بكمية وافرة لتبريد جسمي واتو الي بالكوب الرابع ثم الخامس.
ومن ثم قال لي مرشدا بأنني سوف اتضرر من شرب الكثير من الماء فأجبته بالنفي
اصلو حصل لي Dehydration لازم اشرب اكبر كمية.
رفعت راسي لرؤية تأثير تلك الكلمة الانجليزية علي جمعهم وتأكدت بإنهم خالوها مرضا عضال.
تركوني لدقائق حتي استجمعت انفاسي والبعض منهم يتساءل خارج اطار الجدية :لماذا انت هنا؟! وفي اي مكان تم القبض عليك؟! ولمن تتبع من الجهات؟!
قبل ان اجد الرد المناسب لهم طل علينا فيما يبدو انه الضابط المسئول في خطاوات متسارعة نحوي صارخا:
-قاعد!!!!
-المقعدك شنو يازول؟!
-قوم اقيف
وحينها بدأ بضربي بشدة لعدة مرات لاختيار الوقفة المناسبة لي ومكانها في مقابل حائط لكونتينر مشيد من الالمونيوم المعالج وطالبني بأن ارفع يداي عاليا..
وأمر افراده:
-الزول دا لو اتحرك اي حركة املوهو نار.
استمر هكذا حال وقوفاً حتي قبل صلاة المغرب بقليل وعدد ثلاثة افراد مسلحين كانو في حراستي ولتلافي الاجهاد كنت فيها ابدل ارجلي واستند تارة بوجهي واحدي يداي عل الحائط.
وقتها خرج علينا ذلك الضابط العنيف ووجدني غير مستقيم بنفس الوضعية التي يريدني أن انتصب فيها صارخا مرة اخري:
-منو القال ليك نزل ايدينك؟
وهنا ابتدر بالضربة المشهورة (السودان قفل) علي أذني التي لم اكن مستعدا لها تماما، للحظات بعدها لم احس بشكل الضرب او اسمع مارددوه...
يبدو انه كان في غاية الغضب لانزالي يداي واتكائي علي الحائط!
لازمتني الآم تلك الضربة لاسابيع عدة ربما اكون قد اصبت بتلف في طبلة الاذنين ودفعت الثمن غاليا لاستهتاري.
كنت قد احسست نهارا ان بداخل هذا الكونتينر الذي استند عليه عدد من المسجونين، وتأكدت بعد ان تردد افراد الحراسة بالنظر من خلف نافذته للتجسس علي مايدور بداخله.
انطلق صوت من داخل الكونتينر:
-ياجنابو ياجنابو
-ااي
-دايرين نصلي دايرين الحمام
-كويس
لدقائق
وبدأ احد افراد الحراسة بفتح بوابة الكونتينر طالبا من بالداخل بخروجهم خلف بعضهم في شكل صف.
وعند استراقي النظر اتضحت لي ملامح بعض اولائك المسجونين ذوي الملابس الرثة.
هنا قامو بتوجيههم نحو الحمامات علي بعد امتار خلف زنزانة الكونتينر وبعد عودتهم انتهزت الفرصة طالبا من الحرس حوجتي للحمام والصلاة مع المجموعة.
بعد موافقته بدأت في الحركة وكأنني خرجت للتو من حادث حركة ، الآم فظيعة بمختلف انحاء جسدي بالاخص كتفي اليمين المخلوع الذي خلته كان مكسورا وشعور فظيع بلفة الراس جعلني اترنح في خطواتي.
كنت اكثر لهفة بداخل الحمام لتحسس بدني وتقدير مدي الضرر الذي اصابني، وجدت ان اغلب الجروح بفعل الجلد كانت بالظهر وغطت الكدمات كل شبر لجسمي مع تورم في الوجهه علي شفاهي وعيناي ،غسلت بعدها عنهم الدم بمغسلة الوضوء بعد خروجي.
التحقت بركب المصلين عند مسجد المبني ،صعبت حينها علي تأدية حركات الصلاة من سجود وركوع ،وبنهاية الواجب رأيت ان من بقي في المسجد فقط هم المعتقلين، كانو قد اخذو كتبا للقرآن وباشرو في قرائتها بتركيز مهيب، ظننتهم لوهلة طلاب للنجاة ففعلت مثلهم وهدفي ان استجم ،وقبل ان افتح المصحف ولحظي التعيس ،كان أن نادي علي احدي الافراد بأن اخرج فورا دون تململ مرددا:
-انت يالجيت الليلة فاكر نفسك قديم شان ترتاح في المسجد، اطلع اقيف في مكانك.
استمرت وقفتي للدقائق طويلة حتي انقضت صلاة العشاء وتحلق حولي عدد كبير من المستفسرين بينهم ضباط.
كان يحدثهم الضابط المسئول عني زورا وانا
في مقابلهم للحظة ، فأمرني بألا اتزحزح كان ردي له بالايجاب:
-مرحب
عندها قفز من وسط زملاءه موجهها قدمه بضربة مباشرة لاسفل بطني في واجهه المحسن.
ياللهول من فظاعتها. تدحرجت للخلف فاقدا للتوازن ووقعت علي ركبتي ممسكا بمكان الاصابة وعيناي تومض برقا من شدة الالم ، لم يكتفي فأتي مهاجما موجها لي عدد من الضربات ولقرب لكماته كانت ردة فعلي ان اتسيطر علي من يهاجمني، وبمجرد احتوائي له بيداي حينها انهال علي الجميع ضربا حتي افلته وعملو بعدها في حجزه عني علي بعد امتار ، وتركوني اعاني ويلات ألمي وغضبي الشديدين.
حمدت كثيرا انهم ابعدوه ف تلك اللحظة والا كنت مزقته اربا قبل ان يتداركوه.
شاهد هذا الحادث عدد من المعتقلين الذين خرجو من المسجد وبعد ان استعدت القليل من تركيزي شاهدت نظرات احدهم القوية بقليل من القمز يدعوني فيها لمزيد من الصمود والا انجرف خلف الغضب و ردة الفعل.
سرعان مااتي الضابط المسئول ليباشر معي بعض التمارين المخدرة للألم:
-اقيف علي اصابع رجلينك واعمل أرنب نط
نفذت ماطلب لإستيعابي وحوجتي لتلك الحركة الرياضية، متحججا ذلك الضابط بأن ردي بكلمة مرحب مستفز والا اردده قدما.
وبقيت واقفا كما امرني حتي اصطفت مجموعة المعتقلين امام الكونتير للحظات اتو فيها بصحني فول وزيت واكياس رغيف جلسنا متجاورين علي الارض نعمت فيها اولا بالراحة ومن ثم العشاء.
كنا فرحين لالتقاءنا عل ذلك الصحن تجيش نظرات اعيننا فخرا بالصمود في عقر دار الثعابين.
تهامسنا خوفا من سماع الحراس،
-جابوكم متين؟
-امس بالليل
-وانت؟
-بعد الفطور
-قبضو معاك ناس؟
-لا قبضوني براي جمب النيلين
وانتو ناس فلان وفلان معاكم؟
.....
-لا نحنا قبضونا مع بعض امس وديل ماعارفين عنهم شي.
تعازمنا علي الفول رغم اعياء الاجهاد وعدم قدرتنا عل الاكل وحتي نظفر بأطول فترة زمنية لجمعنا.
-خلاص اكلتو؟
قومو انتو ادخلو وانت الجديد خليك ارجع مكانك واقف.
دخلت المجموعة زنزانتها وبقيت كما اُمرت.
عند الثانية عشر ليلا فتحو بوابة الزنزانة مجددا واخرجو المعتقلين حملوهم علي عربتين انطلقت لخارج المبني، وبقيت لساعة اخري حتي اقتادني احد الضباط مترهل البدن من السمنة بقصد التحري لغرفة اجتماعات محكمة الاغلاق بالطابق الثاني بها صفرة جلوس فخمة عليها مخلفات وجبة طعام يبدو انها كانت لعشاء الضباط وهنالك قط ضخم يقتات من تلك الفضلات، لم يراه المتحري عندما اوصد الباب خلفه مما اثار فزع شديد بالقط ، بدأ عندها ان الضابط مصاب بفوبيا القطط فإحتمي بجثته الضخمة خلفي خوفا من هجمات ذلك القط ،فماكان مني الا ان اتحرك نحو ذلك الباب لفتحة واخراج القط المذعور حتي يتسني لذلك الضابط مباشرته للتحري.
ومن المضحك انني تلقيت لكمة في البطن وبعض الضربات علي راسي عند التحري من ذلك الضابط الذي فعلت فيه خيرا بإخراجي للقط.
عند نهاية التحري انزلوني حتي الكونتينر واوصدو بابها التي سبق ان كان بها المعتقلين وكنت واقفا خلف جدارها.
من الاضاءة القليلة القادمة من نافذتها عرفت انها مخزن ومكب لنفايات المبني ، وجدت قطعة كرتونة وحجر عليه قطعة ملفوفة يبدو أن من سبقوني كانو يستغلونها ،فإفترشت الكرتونة وتوسدت الحجر نوما عميقا رغم الاعياء والاجهاد.
توالت الايام وقد استفردت بي الاجهزة الامنية بذلك المبني بعد خروج من صادفتهم من المعتقلين لاسبوع كامل ، كان التعذيب يتم بصورة متكررة بعد نهاية كل تحقيق ولمرتين علي الاقل خلال اليوم، ضربا ولكماً وايقافي علي قدمي لساعات طوال.
كنت منقطعا تماما عن العالم الخارجي ولم استطيع اعلام اسرتي عن مكاني رغم الحاحي المستمر بطلب مكالمة للتحدث مع اهلي للإطمئنان عليهم، كانو يقدمون الي فقط وجبتين من الفول خلال اليوم بالفطور والعشاء، وانام علي الارض ، ثلاثة ليالي منها بزنزانة الكونتينر واربع علي ارضية المسجد ، الماء هو غسولي الوحيد فيها وشرابي.
في زمن متأخر من الليلة الثامنة ايقظني الضابط المسئول وامرني بالركوب معه في عربة بوكس واصطحب معنا فرد مسلح بكلاشنكوف ، انطلقت العربة مسرعة لفترة من الزمن حتي وصلت بنا لمبني معتقلات الامن ببحري المشهور (بالفندق) عمل علي تسليمي اليهم ، نادو علي احدهم وهو المسئول من التعذيب، المح الي انه غاضبا لايقاظه بذلك الوقت المتأخر ويبدو انه كانت هنالك توصية خاصة له. كان يحمل خرطوش توصيلات ماء ارضية تلاتة ارباع بوصة اسود ، اخبرني ان استعد (للحفلة) أي استعد للجلد وهو مصطلح يقصد به ترحيبهم بي وهو سيكون فيها الجلاد (الفنان). بدأ بجلدي علي ظهري استمر لأكثر من نصف الساعة كان الدم يتطاير من جسدي لوقع الضرب ، ثم طلب مني الجلوس وتقديم أرجلي وادماهما ضربا حتي خلت انني مشلول ، لا اظن ان بهذة البسيطة هنالك مؤشرات يمكنها قياس شدة الألم ساعتها من هول فظاعتها.
اكملو بعدها افراد التحري الاخرين اخذ بياناتي الشخصية المطلوبة مصحوبة بصور فوتوغرافية بكل برود كانهم لم يروا اي من تلك الفظائع فماكان مني الا ان ابادلهم نفس الجمود المتغابي وشكرهم علي اكمال مهمتهم بجدارة.
ومن ثم قامو بترحيلي معصوب العينين الي كوبر العظيم ،عرضت علي طبيب السجن كإجراء اولي ، لم تلفته الجروح الغائرة ولم يكن سؤاله عن لماذا قميصي ملطخ بالدماء ؟! بل عن هل كنت اتعاطي اي نوع للمخدرات مسبقا بشكل راتب؟!!
انهيت تلك المقابلة الجبانة واخذني السجان لوحدة المعتقلات فتح بوابة لغرفة مستطيلة طولها ستة امتار وعرضها خمسة ،ذهلت تماما من العدد الكبير للمسجونين بذلك العنبر ،غطت اجسادهم كل شبر لارضية العنبر ،بل حتي ان سيقان البعض تعتلي رؤوس اخرين ، رغم انتظامهم في صفوف متوازية ، ايقظ صوت الباب الحديدي بعضهم ، اصابهم الهلع لرؤيتهم قميصي تغطيه الدماء، تبادلنا الاسئلة سريعا حتي الطمأنينة واعطوني قميصا لبسته استأذنتهم ونمت.
كان جمعنا قنوعا داخل تلك الزنزانة متشبسين بالحياة والامل نأكل الفول الردئ وطبيخ الرجلة البائس عالي القلوية الذي يقدمونه الينا لوجبتي الفطور والغداء بنهم ، ونلعب الضمنة والليدو التي صنعها بعضنا من بقايا الواح الصابون والخرق البالية، ونحكي اطول القصص لبعضنا ،ورغم شدة الزحام نفرد مساحة بوسط الزنزانة نتبادل فيها ممارسة الحركات الرياضية حتي تتعرق اجسادنا، نتحلق حول القادمين الجدد لنسمع منهم اخر الاخبار التي حدثت ، كان ان افردنا مساحة من النقاش بعد معرفتنا ان ترامب ربح الانتخابات الامريكية، كان لحظ المرتبة الواحدة ان ينام منا عليها ثلاث ننام وراسنا مجاورا لاقدام شركائنا ،حتي ان بعض المراتب البالية المصنوعة من القش تجدها ناقصة الطول او العرض وعليها نفس العدد.
كانت فترة ثرة بحق تعارفنا جمعا وازدادت ثقتنا في بعضنا البعض ايمانا بالمصير المشترك. ومابين كوبر ودبك الزمتنا التجربة القاسية بإحتمال الألم وقسوة المذلة في ليل الظلم الداجي الطول.
مظفر الفكي حركة ناسنا الشبابية
حملة صحافيين ضد الاعتقال للتضامن مع المعتقلين
#المعتقلات_مقبرة_النظام_لدفن_حريتنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.