أضحى تناول الوجبات السريعة (على الماشي) في الشارع العام، ظاهرة كثيفة الانتشار وآخذة في التمدد والتنامي بوتيرة متسارعة، وحينما تنظر إلى الشارع تجد الكبار والصغار في عجلة من أمرهم هذا يأكل (ساندوتش)، وتلك (تلعق) بلتذذ من شعلة آيس كريم، وآخرون يتسلون بالتسالي والفول المدمس والترمس والكبكبي، وأخريات يغرزن مصاصات العصائر في أفواههن يدلقن رحيقها في أجوافهن المحروقة برفق وتؤدة. (اليوم التالي) وعبر هذا الاستطلاع تحاول الاقتراب أكثر من الظاهرة والتعرف على أسباب تمددها، بطرحها للسؤال التالي: لماذا صار الأكل والشرب في الشارع العام ظاهرة منتشرة بهذا الصورة الواسعة، وأين وصل حال المائدة العائلية؟ هل أطيح بها عن المشهد اليومي أم لا تزال قائمة؟ وإنت ماشي في السياق قال عبد العظيم الريح أستاذ علم الاجتماع ل (اليوم التالي): تشهد المطاعم والمقاهي ازدحاماً شديداً أثناء ساعات الوجبات، فيبدو المشهد وكأنه أقرب ما يكون إلى حالة الاستنفار، إذ يحتشد الموظفون والطلاب جنباً إلى جنب العمال والسابلة والمتبطلين، خاصة في العاصمة الخرطوم، إذ يفضل كثيرون تناول وجباتهم خارج منازلهم في المطاعم والكافتريات وحتى هذه بدأت في التلاشي رويداً رويداً، بعد أن تسيَّدت ثقافة الوجبات السريعة الساحة في العاصمة، ما أطاح بعادة الجلوس حول مائدة الغداء التي كانت سائدة لعقود طويلة، حيث كانت الأسر تطرح مشاكلها وتناقشها ويوجه أفرادها بعضهم بعضاً ويتعرفون على مشاكلهم ويضعون حلولاً لها، لكن مع بروز الوجبات السريعة والأكل و(انت ماشي)، تغيرت الأوضاع نظرا لظروف الحياة الضاغطة. وتابع: "مع ضغوط العمل واتجاه الكثيرين إلى مساعدة الأسر والتحاق البعض بالجامعات أصبح من الضروري تناول تلك الوجبات مع صعوبة العودة إلى المنازل". في انتظارهم كان منهمكاً في تحضير بعض الوجبات، حتى تكون جاهزة للزبائن الذين يرتادون المطعم، ترتيب الطاولات والكراسي بإتقان شديد قبل نصف ساعة من ميعاد الوجبة، عندما اقتحمنا عليه انهماكه، قال أحمد حسن عامل بأحد المطاعم بالخرطوم ل (اليوم التالي): "إن ظروف الناس هي التي تدفعهم للأكل خارج المنزل". وأضاف: "وكمان في أسر تداوم على الحضور كل يوم، وهذا المطعم يشهد إقبالاً كبيراً من الزبائن"، لكن مهند العباس طالب جامعي، عدَّ تناول الأسر لوجباتها خارج المنزل ظاهرة جديدة مرتبطة بالعديد من العوامل التي طرأت على حياة الناس، فأثرت في عاداتهم وتقاليدهم، هذا إضافة إلى أن كثيرين يعتبرون الخروج إلى المطاعم يخلق أجواءً خاصة وفيه بعض التجديد وكسر للروتين الممل. واستطرد: "أنا أحبذ الأكل مع الأسرة، خاصة وجبة الغداء، لأن اللمة بتكون حلوة ". لمة الأهل من جهتها، قالت علوية محمد – موظفة – ل (اليوم التالي) إنها تفضل تناول الوجبات خاصة الغداء والعشاء مع والدتها، لأن لذلك طعماً خاصاً مع لمة الأسرة والونسة. وأضافت: بالطبع يكون الفطور في مكان العمل، وهذا ما أكدته مشاعر علي (ربة منزل)، لكنها عادت لتؤكد أنه من الضروري التغيير عن – ما أسمته – الروتين للخروج من الملل، حيث تظل الزوجة طوال اليوم في المطبخ، فلابد من تغيير وجبة في مطعم أو آيس كريم في شارع النيل، وهذا يشكل متعة بالنسبة لي، خاصة إذا كنت برفقة صديقاتي، "فستكون جلسة حلوة عشان لأنو الزول يفضفض عن نفسو شوية". اليوم التالي