الخرطوم – : غياب السينما في السودان أدى لابتكار طريقة لتعليم الأطفال فنون صناعة هذا الفن وخلال ثلاثة أعوام نشأ جيل جديد في الخرطوم، لم يكتف بتسليط الضوء فقط على غياب الفن السابع، بل ساهم في إنتاج أفلام فازت بجوائز عالمية. وبدأ الشهر الماضي اختيار الأطفال المشاركين في الموسم الثالث لمبادرة تدريب الأطفال لصناعة الفيلم بالسودان، في هذا الموسم سوف يتم تدريب الأطفال على (كتابة القصة، السيناريو، التمثيل، التصوير، فنيات الصوت، المونتاج، الماكياج والازياء، إدارة الإنتاج، بناء الفريق، العمل الجماعي ومهارات الإتصال). وعن هذه التجربة يقول مصعب حسونة (مؤسس المبادرة): «شهد مطلع العام 2015 انطلاق مبادرة سودانية تحت عنوان «تدريب الأطفال لصناعة الفيلم»، وذلك لسد ثغرة كبيرة في مجال تدريب الأطفال على العمل الإبداعي في مجال السينما، ولتوفيرمنبر للأطفال للتعبير عن همومهم وأحلامهم عبر الفن السابع، لتأخذ المبادرة بذلك على عاتقها تخريج جيل مبدع عارف بأدوات العمل السينمائي ومتطلبات صناعة الفيلم وقادر في الوقت نفسه على التعبير بلغة الصورة والصوت والحركة عن مشاكل جيله وتطلعاته المستقبلية». ويضيف أن الفكرة نبعت من خلال مراقبة عدد من الأطفال الذين لديهم شغف كبير في استخدام الهواتف النقالة لتصوير مقاطع فيديو مختلفة لمشاهد تمثيلية، أو توثيق أحداث يومية،عبر تعلقهم بالمونتاج والتصوير وتركيب الموسيقى مع المشاهد التي يقومون بتصويرها. ومثل غيره من المبدعين السودانيين لاحظ مؤسس المبادرة «قدرة الأطفال على الابتكار وتعلم المزيد، تم إيجاد طريقة لاستيعاب هذه المواهب الفطرية وصقلها بالمعرفة والتجربة العملية»، ومن هذه الزاوية أراد أن تكون المبادرة منفذا جديدا يضمن حقوق الطفل في التعبير والمشاركة برأيه وطرحه على مجتمعه بطرق جديدة وجاذبة. وحسب لائحة المبادرة فإنها تسعى لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها: «تحقيق مبدأ مشاركة الأطفال لضمان حقهم في التعبير عن رأيهم عبر الأفلام، وتطوير واكتشاف مهارات الأطفال في مجال كتابة القصة والسيناريو والتصوير والمونتاج والاخراج وفنيات الصوت والاضاءة وإدارة الانتاج وغيرها من عناصر صناعة الفيلم، ربط أبناء الجيل ومفاهيمهم مع بعضهم البعض، غرس قيم العمل الجماعي وبناء روح الفريق الواحد». ويقول مصعب ساردا تنفيذ الفكرة «في الأول من شهر كانون الثاني/ يناير 2015 بدأ تنفيذ الفكرة في الخرطوم عبر الإعلان عنها على مواقع التواصل الإجتماعي، وتقدم للتسجيل حوالي 500 طفل أبدوا استعدادهم للمشاركة في التدريب، ليتم اختيار 16 طفل وطفلة للمشاركة في التدريب، الذي بدأ في السابع من كانون الثاني /يناير واستمر حتى أيار/ مايو2015. وفي الموسم الثاني 2016 تم اختيار 24 طفلا تتراوح أعمارهم بين الثامنة والسادسة عشرة، وقد تلقوا تدريبا نظريا وعمليا على أيدي خبراء ومختصين في المجال هم من صناع الأفلام وأصدقاء المبادرة، مما زاد في توسع الفكرة. يحتوي التدريب على جانبين (نظري وعملي)، مع التركيز على الجانب العملي بنسبة تزيد عن 70 % نتيجة شغف الأطفال واهتمامهم بهذا الجانب، وتركز الجرعات التدريبة على التحضير الذهني قبل كتابة القصة، كتابة القصة القصيرة وكتابة السيناريو والحوار، التمثيل، الأفلام وأنواعها، المونتاج، الصوت وفنياته، الموسيقى والمؤثرات الصوتية، الأزياء والمكياج، بناء فريق العمل، الإخراج، إنشاء قنوات التواصل الاجتماعي، التصوير الفوتوغرافي. وتتضمن فترة التدريب زيارات لعدد من المؤسسات والمنشآت ذات الصلة بفنون الصورة والصوت وصناعة الفيلم، مثل «سودان فيلم فاكتوري»، التلفزيون القومي، إذاعة جامعة الخرطوم، «راديو هلا»، مجموعة «سودانيز فويزس»، الاذاعة الطبية، قناة النيل الأزرق، وغيرها من الأماكن، وصاحب كل ذلك التطبيق العملي. أنتجت المبادرة مجموعة كبيرة من الأفلام منها (الأصل، لست عارا، اختلاف، لماذا لم يسر) وحاز الفيلم القصير Give to Get على المركز الأول عالميا على مستوى مدارس التعليم البريطانية حول العالم في المسابقة السنوية التي تنظمها المدارس في العالم، وكانت مبادرة تدريب الأطفال لصناعة الفيلم مشرفة على تدريب أطفال مدرسة التعليم البريطانية، وتدرج الفيلم في الفوز محليا وأفريقيا وعالميا. وشاركت الطفلة السودانية آمنة عبدالغني كرم الله (عشر سنوات) لنيل جائزة الفيل الأسود في مهرجان السينما المستقلة في الخرطوم، وذلك من خلال الفيلم الوثائقي (لم لم يسر) الذي يحكي قصة القطار في السودان ويعكس إنهيار مؤسسة السكة الحديد. وآمنة هي إحدى الموهوبات، التي اكتشفتها مبادرة تدريب الأطفال لصناعة الفيلم، والفيلم يسترجع ذاكرة السكة الحديد والقطار في السودان، وسافرت المخرجة الصغيرة إلى مدينة عطبرة وتابعت القطار الوحيد، الذي يعمل في نقل البضائع والتقت بالعديد من الذين تعتمد حياتهم على حركة القطار، بما في ذلك بائعة الشاي. ويقول مصعب حسونة إن الغرض من المبادرة ليس احتراف هؤلاء الأطفال في مجال السينما حاليا، ولكن تدريبهم ودفعهم للتعرف على الحياة وفتح النوافذ لهم في المستقبل، ويضيف أن شح الإمكانيات هي أكبر عقبة تلازم هذه المبادرة، التي تعمل بجهاز كمبيوتر محمول وكاميرا واحدة فقط! «القدس العربي»