لم يعد البحر الأسود أسود بعد الآن، وهو ليس فيروزياً عادةً، لكن إزهاراً كبيراً للعوالق النباتية قد أضاءته -إلى جانب مضيق البوسفور ومنطقة القرن الذهبي المتصلتين به في تركيا- بدواماتٍ جميلةٍ من اللون الفيروزي. تظهر هذه اللوحة الفنية البحرية كل صيف، لكنَّ إزهار هذا العام يُعد من بين الأكبر منذ العام 2012، وطبقاً لنورمن كورينغ، العالم في وكالة ناسا، فإنَّه ساطعٌ لدرجة أنَّه يمكن ملاحظة الظاهرة من الفضاء، بحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الجمعة 16 يونيو/حزيران 2017. وفي 29 مارس/آذار الماضي أنشأت ناسا هذه الصورة المُركَّبة للظاهرة باستخدام البيانات وصور الأقمار الصناعية، وقد زاد سطوعه منذ ذلك الوقت، ويبدو أنَّه سيقترب من قمة سطوعه في فترة الانقلاب الصيفي، حتى غدت المياه ولونها حديث الناس على وسائل التواصل الاجتماعي. وذكر موقع "ترك برس" أن جهاز قياس الطيف التصويري المعتدل (MODIS) على القمر الصناعي "أكوا" التابع لوكالة ناسا التقط أولاً فترة إزهار العوالق النباتية فى البحر الأسود يوم 29 مايو/أيار. وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن العوالق النباتية المسماة ب"البلانكتونات" هي المسؤولة عن جمالية المشهد. وهذه العوالق النباتية هي كائنات حية صغيرة، تعيش على الطاقة المستخرجة من مزيجٍ من المغذيات الذائبة، وقدرتها على التمثيل الضوئي تماماً كالنباتات. وفي البحر الأسود، ونهري شرق أوروبا المغذيين له: الدانوب والدنيبر، تعيش مجموعةٌ من البلانكتونات تسمى كوكوليثوفوريس، وتزدهر في المياه الدافئة الطبقية، حيث تسيطر عادةً، وتتمكن من البقاء على قيد الحياة حتى باستخدام مقادير قليلة من الغذاء، وتتكاثر لا جنسياً، ثم تنتج هذه الصورة الجميلة. وعلى وجه العموم فإن العوالق النباتية يمكن أن تدعم الأسماك، والمحار والكائنات البحرية الأخرى. ويمكن أن تؤدي البراعم الكبيرة والمتكررة إلى الإغناء بالتغذية الطبيعية، وفقدان أوكسجين الماء، وإنهاء الحياة البحرية الخانقة، بحسب "ترك برس". وتبني الطحالب المجهرية دروعاً تحيط نفسها بها من طبقاتٍ من الكلس، أو كربونات الكالسيوم، لتبدو مجتمعةً كالرخام المغزول تحت المجهر، لكنَّها حين تجتمع بآلاف المليارات تشكل غيمةً فيروزيةً على امتداد المياه بينما تموت تاركةً أصدافها، وهي الغيمة التي تبعثر ضوء الشمس. ويشبه الأمر لوح ألوان الفنان، فقط ضع مقداراً ضئيلاً من اللون الأبيض على اللون الأزرق المائل للاخضرار، وستحصل على اللون الفيروزي، تشير "نيويورك تايمز". ويقول ويليام بالش الباحث في معمل بيغلو لعلوم المحيطات في ولاية ماين الأميركية: "التأثير الضوئي مدهش، وإذا كنت في قاربٍ فسترى المياه الفيروزية تمتد من الأفق إلى الأفق". وتعيش الطحالب لبضعة أيامٍ فقط، لكنَّ المياه الفيروزية قد تستمر لأسابيع، فيما تغرق الأصداف الطباشيرية العاكسة للضوء ببطء، بمعدل حوالي 10 سنتيمتراتٍ يومياً. ويقول الدكتور بالش: "إنَّها تشبه قشرة الشعر في البحر نوعاً ما". وهذا الازدهار للعوالق النباتية شائعٌ في البحر الأسود، لكنَّ العلماء لا يمكنهم الجزم بسبب شدة السطوع هذا العام. ربما تكون المياه الأكثر دفئاً وطبقيةً قد زادت من السطوع، أو نقص مغذياتٍ بعينها تتغذى عليها الكائنات المنافسة لها، أو نقص الكائنات التي تتغذى عليها أتاحت للعوالق النماء. ووفقاً لوكالة أسوشيتد برس، يقول الدكتور بالش إنَّ الأمطار الغزيرة ربما جلبت معها مغذياتٍ من الصحراء، كالحديد الذي يُعَد حيوياً جداً لها. والبحر الأسود ليس المكان الوحيد الذي توجد فيه تلك العوالق، فذلك يحدث في كل بحار العالم، بما فيها المياه المحيطة بآيسلندا ونيوزيلاندا، وتشيلي، وجنوب إفريقيا.