قطعاً، لم يكن الفريق طه عثمان مدير مكتب رئيس الجمهورية المُقال، أول سوداني يعمل في وظيفة ذات طابع سياسي، في دول الخليج. كما أنه لن يكون آخر من التحقوا بمثل هكذا وظائف. وعليه فلا غرابة في أن يظهر الرجل ضمن الوفد السعودي المُشارك في القمة الإفريقية بأديس أبابا، كمستشار لوزير خارجية المملكة عادل الجبير، خاصة أن طه سبق أن ظهر مع الجبير في رحلاته إلى عدد من الدول الإفريقية، حتى حينما كان فاعلاً في الحكومة السودانية وفي القصر الرئاسي..! ولا أفهم أن يستغرب بعض الناس – وخصوصًا الموصولين بالحكومة والحزب الحاكم – من ظهور الفريق طه ضمن الوفد السعودي. ولا أفهم تخوينهم للرجل وتضجرهم من ذلك الظهور. فهل كان هؤلاء يريدون من طه أن يظل مرابطاً في محيط القصر الجمهوري، أو المركز العام للمؤتمر الوطني، بعدما تم ركله خارج تلك الدور..! ولا أفهم النظرة التجريمية التي ينظر بها البعض إلى الوظيفة الجديدة للفريق طه، وإلى الطريق الذي اختار أن يسلكه، بعدما تم إعفاؤه من التكليف العام..! لا أفهم ذلك كله، لكنني أفهم أن الفارق الزماني بين مغادرة الفريق طه لمنصبه في القصر الجمهوري، وبين انضمامه إلى طاقم وزارة الخارجية السعودية، قد يبدو محيراً ومربكاً وغير مألوف..! وبناءً على ذلك، قد يبدو استغراب البعض من ظهور الفريق طه ضمن الوفد السعودي في أديس أبابا، معقولاً ومقبولاً إلى حدٍّ ما، خصوصاً إذا جاء من هذه الزاوية. ولكن يجب الانتباه إلى أن هذه الزاوية لن تصلح - وحدها - لإدانة الفريق طه، بقدر ما أنها تصلح – تمامًا – لإدانة وتجريم الحكومة..! نعم، فإن ظهور طه في أديس أبابا، يدين الحكومة لأنها سمحت له بأن يغادر البلاد، على الرغم منه أنه ظل يشغل أخطر المواقع لسنوات، وعلى الرغم من أنه يحمل رتبة رفيعة في جهاز الأمن والمخابرات..! ولذلك لا أجد نفسي ميالاً لإدانة ظهور طه في أديس أبابا، ذلك أنني مؤقن بأن المخطئ هنا، هي الحكومة وليس الفريق طه عثمان مدير مكتب رئيس الجمهورية المُقال. ببساطة لأن الحكومة سمحت للرجل بمغادرة البلاد، مع أن إقالته جاءت بغير ما يشتهي، ومع أنها جاءت في توقيت بالغ الحساسية والخطورة. ضف إلى ذلك كله، أن الإقالة صحبتها شائعات كثيرة جداً، طالت شخصيات مؤثِّرة كانت في عاصم من التهم..! أعود وأقول، إن التوقيت الذي ظهر فيه الفريق طه ضمن الوفد السعودي في أديس أبابا، جالب للاستغراب، ومحفِّز على الاندهاش. وظني أن هذا الاستغراب والاندهاش يفرض على الحكومة أن تجيب على سؤال ملحاح "لماذا سمحت للرجل بمغادرة السودان، مع أنه يعتبر خازن الأسرار والصندق الأسود للإنقاذ وللقصر الجمهوري، في السنوات الماضية"..! قناعتي، أنه لن يشفع للحكومة في خطئها بالسماح للفريق طه بمغادرة البلاد، سوى أمر واحد، وهو أن تكون إقالة طه من منصبه ناتجة عن شائعات و"قوالات" مصدرها أفراد ونافذون ساءهم وأقلق مضجعهم الصعود المبهر للرجل. أو أن تكون الإقالة ليس وراءها أي سبب حقيقي، يهدد الدولة في بقائها أو تماسكها أو أسرارها. وعندها لن يأخذ أحد على الحكومة أنها سمحت للفريق طه بمغادرة البلاد..! ويقيني أنه ما لم تخرج الحكومة لتقول للناس – كل الناس- إنها أقالت طه لكذا أو كذا.. وما لم تخرج للناس، تحدثهم عن الوضع الحالي للفريق طه داخل جهاز الأمن، وما إذا كان قد تم إعفاؤه من مهامه في الجهاز – صغرت أم كبرت – فإنه سيكون من حق الفريق طه أن يعمل مستشاراً لمن يريد، حتى لو كان مع خصوم الحكومة أنفسهم..! الصيحة