دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا كان من أبوين للنضال السلمي فهما غاندي ومارتن لوثر كينغ
نشر في الراكوبة يوم 26 - 08 - 2011

كثيرون هم الرجال والنساء الذين حفروا أسماءهم كنشطاء إنسانيين سلميين وألهموا التحركات السلمية للشعوب باتجاه التحرر من الاستعمار الخارجي أو الاستبداد الداخلي، رائدهم كان المفكر الأميركي ذا الأصول الفرنسية هنري ديفيد تورو (1817-1862) صاحب فكرة العصيان المدني برفض دفع الضرائب لحكومة تنتهك حقوق الإنسان وهو ما ترك اثره الكبير على كل من المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ اللذين شكلا بدورهما رمزين تاريخيين للنضال السلمي رغم ان مصيرهما كان الاغتيال.
انطلاقا من اهمية الرجلين في إلهام الثورات السلمية نخصص لهما هذا الفصل في سلسلتنا.
غاندي
قبل اكتشاف النفط بوقت طويل كان الملح أحد اهم الثروات المهمة التي تدور حولها الصراعات والحروب وتحدد سياسات الامبراطوريات الكبرى وأحيانا ترسم سياسة العالم.
فالملح.. هذه المادة التي اكتشفت في الصين نحو سنة 2000 ق.م، مهم جدا في الصناعة والتخزين وانتاج الادوية والاغذية، اضافة لاكتسابه اهمية خاصة لدى بعض الحضارات في التحنيط ايام الفراعنة.
وازدادت اهمية الملح عندما زادت اهمية صيد الحيتان والأسماك الكبيرة لتقديدها واستخدامها سلاحا في وجه المجاعة وقلة موارد الغذاء خاصة في فترات الحروب.
ومن هنا اكتسب الملح اهمية استراتيجية اخرى فوجوده ليس مهما اقتصاديا فحسب، بل واستراتيجيا ومن هنا كان الاهتمام المتزايد به من قبل القوى المسيطرة عالميا ومنها الامبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عن ممتلكاتها الشمس فوجدت نفسها امام ثورة حقيقية اسمها ثورة الملح التي لعبت دورا بارزا في استقلال الهند لاحقا وانفصالها عن التاج البريطاني بعد قرون من الاستعمار، وكان وراء هذه الثورة التي وضعت البريطانيين امام مشاكل واجهوها سابقا ايام حرب الاستقلال الاميركية ابرز رموز الثورات السلمية ودعاة اللاعنف في التاريخ المهاتما غاندي او محرر المقهورين كما سمي في احد الكتب عن حياته وحركة اللاعنف التي كان يتبناها والتي سماها ب «الساتداراها».
قبل الخوض في الحديث عن مسيرة الملح في الهند لابد ان نشير الى ان بريطانيا كانت تحكم الهند من خلال شركة الهند الشرقية التي تأسست بمرسوم من التاج الملكي.
وقد ادارت هذه الشركة الهند كما لو انها دولة داخل الدولة فهي التي كانت تصدر العملة وكان لها جيشها من البريطانيين والهنود (مسلمين وسيخ وهندوس) وأسطولها.
كان من الطبيعي ان تقبض شركة الهند الشرقية على جميع موارد البلاد وأهمها الملح الذي حظرت على الهنود انتاجه او تصديره وحصرت هذا الامتياز بشركات انجليزية محددة فشكل الملح قضية محورية في حياة كل هندي، وهنا تجلى ذكاء غاندي في التركيز على هذه القضية خاصة ان الضرائب على الملح كانت تزيد بشكل متواصل فكان لابد من الثورة على هذا الواقع وهذا بالفعل ما اقدم عليه المهاتما غاندي الذي قرر ان يخوض مع 80 من انصاره دعوته الى العصيان المدني والمقاومة السلمية للاحتلال والسير على الاقدام لمسافة تزيد على 320 كيلومترا باتجاه بلدة داندي في مدينة احمد اباد والوصول الى البحر لاستخراج الملح وتحدي المنع البريطاني.
وعلى طول الطريق انضم للمسيرة آلاف الهنود من جميع الطبقات الذين بلغوا البحر وتحدوا الارادة الإنجليزية.
البريطانيون اختاروا العنف كحل لمواجهة المتظاهرين فحاولوا اعتقال اكبر عدد منهم ومحاولة تدارك آثار الازمة على تجارة الملح العالمية لكن ذلك زاد من عدد المتعاطفين مع الحركة ووسع قاعدة مؤيديها خاصة بعدما اعتبر غاندي المسيرة أنها اكبر مسيرة لأنها «حج وواجب ملزم».
انطلقت المسيرة في 12 مارس 1930، وبحلول 6 أبريل من السنة نفسها وصل غاندي الى سواحل بلدة داندي وأمسك كمية من الطين المالح الذي كان جمعه لاستخراج كمية من الملح وقال انه سيعرضها للبيع لدعم الكفاح القومي لبلاده.
لم تحقق المسيرة آثارا مباشرة بل ادت الى اعتقال 80 الف شخص بينهم غاندي لكن في النهاية اطلق سراحه وجرت مفاوضات بينه وبين البريطانيين ولكن النتائج الأبرز لتلك المسيرة تمثلت في النقاط التالية:
1 كانت دليلا آخر لغاندي يثبت صدق إيمانه بأهمية النضال السلمي الذي كان قد بدأه في جنوب افريقيا التي قضى فيها نحو عقدين ساهم خلالهما في تحسين اوضاع الهنود هناك.
2 دخلت المرأة بقوة وساهمت في العملية عبر دور وطني وسياسي مهم.
3 اصاب غاندي البريطانيين بحالة من الحنق لأنه أحرجهم بأسلوبه وتجلى ذلك من خلال قول أحد كبار الساسة البريطانيين: «إن المحامي الذي كان يبدو ذليلا ومظهره يغث النفس أصبح الآن الفقير المهيب الذي يدخل يجسد نصف عار من قصر الى آخر متساويا مع الملوك واباطرة زمانه».
5 كان التحرك مناسبة مهمة لحشد التأييد العالمي واستثارة تعاطف العالم مع القضية الهندية.
قال لويس فيشر احد الذين كتبوا مسيرة غاندي ان «عظمة غاندي تكمن في انه كان يقوم بما يمكن لأي شخص أن يقوم به ولكنه لا يفعل».
ولابد من الإشارة هنا إلى ابرز المراحل في حياة غاندي. فهو ولد عام 1869 في بور بندر في مقاطعة نموجارات في عائلة سياسية تقلد العديد من افرادها مناصب رفيعة في المقاطعة تزوج في الثالثة عشرة من عمره متأثرا بتقاليد منطقته، منذ صغره تأثر بالدين وكان نباتيا وشديد التعاطف مع طبقة «المنبوذين» وهي الطبقة الادنى في المجتمع الهندوسي. وكان يرى في تصنيفها على هذا النحو امرا شديد الاجحاف.
درس في بريطانيا القانون وعاد الى الهند عام 1891 بعد 9 سنوات في بريطانيا، لم يجد عملا لائقا له في بلاده فلبى عرضا تلقاه من شركة هندية في جنوب افريقيا فهاجر إلى هناك حيث صعق بحجم الظلم الاستعماري هناك والحدود الموضوعة بين المستعمرين البيض من جهة والسود والهنود من جهة أخرى.
وقد مر شخصيا بتجربة صعبة عندما طرد من المقصورة الرئيسية في قطار لأنه تجرأ على دخولها وهي مخصصة للبيض فقط.
أثر هذا الموقف الى حد بعيد في حياته. وزاد من عزيمته للدفاع عن ابناء جلدته فراح يحثهم على عدم الاستسلام والتضامن والاحتجاج بطرق سليمة. اعتقل اكثر من مرة وفي عام 1906 اصدرت حكومة اقليم الترانسفال قانونا تطلب بموجبه من كل الوافدين الآسيويين ان يعيدوا تسجيل انفسهم تحت طائلة الترحيل. واعطت الشرطة السلطة في تنفيذ القانون ودخول بيوت الآسيويين وتفتيشها ما تسبب في رد فعل من هؤلاء الذين خرجوا للتظاهر وبينهم غاندي الذي اعتقل. ثم اطلق سراحه بعد ان وصلت اصداء التظاهرات الى الهند ما اغضب نائب الملك هناك الذي ارسل مذكرة احتجاج شديدة اللهجة في جنوب افريقيا، النتيجة: تحسنت اوضاع الهنود وتم التراجع عن القانون بعد معاناة السجناء. ولكن التحسن لم يشمل فرقاء آخرين في المجتمع الجنوب افريقي خاصة السود.
بعد خروجه الاخير من السجن نظم غاندي أوضاع الهنود وأسس حزب «المؤتمر» واعاد الثقة لهم.
وفي 1915 عاد إلى بلاده ودخلها كنموذج للبطل الشرقي.
دافع خلال 30 سنة لاحقة عن حقوق المنبوذين وحقوق الشعب وعن استقلال بلاده عن بريطانيا ثم سعى إلى التقريب بين الهندوس والمسلمين أملا في الحفاظ على وحدة الهند، أو ان كان التقسيم امرا واقعا فكان يدعو لأن يتم دون حروب أو تعصب.
لم ترق دعواته للمسلمين الذين استقلوا في باكستان ولا للهندوس. وفي 30 يناير 1946 اطلق صحافي هندوسي متشدد الرصاص على غاندي وارداه قتيلا في المحاولة السادسة لاغتياله طوال حياته. وشكل رحيل غاندي حدثا لن تنساه البشرية التي تأثرت برسالته المهمة في عصر حافل بالاضطرابات.
مارتن لوثر كينغ
«لدي حلم بأن هذه الامة ستنهض ذات يوم وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها» كانت جملة ساحرة من خطاب «لدي حلم» لداعية الحقوق المدنية في الولايات المتحدة القس د.مارتن لوثر كينغ الذي غيرت كلماته وتوجيهاته الولايات المتحدة وشكلت اكبر تحول في تاريخ البلاد منذ الحرب الأهلية (1861 1865) التي نشبت بين الحكومة الفيدرالية بقيادة الرئيس ابراهام لينكولن و11 ولاية في الجنوب رفضت الغاء العبودية بقيادة الرئيس جيفرسون ديفيس.
لقد قاد د.مارتن لوثر كينغ ثورة سلمية من أهم ثورات التاريخ افضت الى اقرار قانون الحقوق المدنية الذي انهى سياسات الفصل العنصري في البلد الذي كان يعتبر نفسه النموذج الأفضل للدولة القيادية للعالم بعد الحربين الكونيتين.
حتى منتصف الخمسينيات كانت العديد من الولايات المتحدة الاميركية لاتزال تمارس سياسات عنصرية ضد المواطنين السود مكرسة في القوانين مدنيا وسياسيا ومنها الفصل بين البيض والسود في المرافق العامة والمستشفيات والمدارس ووسائل النقل العام، اضافة الى حرمان غالبية السود من حقوق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات.
وشهد يوم 1 ديسمبر 1955 حادثة مهمة عندما رفضت سيدة سوداء تدعى روزا باركس وتقيم في مدينة مونتغومري في ولاية الاباما ان تذعن للقوانين العنصرية المطبقة على النقل العام.
ففي ذلك اليوم وبعد ان جلست في الصف الأول المخصص للسود، امتلأت مقاعد البيض، وعندما صعد راكب اضافي ابيض طلب منها قائد الحافلة ومن 4 ركاب سود الى جانبها اخلاء الصف والعودة إلى الوراء لاضافة صف للبيض، فوافق الاربعة ورفضت روزا الامتثال للأمر، ولما هددها سائق الباص بأنه سيأخذها الى مخفر الشرطة أجابته بهدوء، بوسعك أن تفعل ذلك فورا.
وبالفعل، نقلت روزا الى المخفر ولم يطلق سراحها حتى دفع ذووها الكفالة بانتظار انعقاد المحكمة، وخلال استجوابها في المخفر رفضت ان تتذرع بأنها كانت مريضة أو مرهقة، وأصرت على ان سبب رفضها ترك مقعدها هو رفضها للقوانين العنصرية في اميركا.
وكررت باركس موقفها في المحكمة، وتلا المحاكمة ليلا اجتماع للمجلس السياسي للنساء السوداوات في المدينة بحضور مارتن لوثر كينغ، وتم خلال الاجتماع كتابة 35 الف بطاقة بخط اليد ليجري توزيعها في اليوم التالي على جميع مدارس السود، وكانت كل بطاقة تحمل كلمات بسيطة: نحن ممثلو الامهات السوداوات ندعو كل اسود الى الامتناع عن ركوب الحافلات الرسمية اعتبارا من صباح الغد وليوم واحد فقط، وباستطاعتكم ابقاء اولادكم في المنازل ليوم واحد، او ركوب سيارات أجرة الى مقار اعمالكم، وبالفعل، التزم الجميع في اليوم التالي.
حكم على روزا باركس بغرامة قدرها 14 ألف دولار، لكن الاحداث لم تتوقف بعد المحاكمة، فاستمر اضراب السود عن استخدام حافلات النقل العام نحو 381 يوما وترددت اصداء القضية والاضراب في جميع انحاء الولايات المتحدة واخذت القضية طريقها الى صدارة القضايا الرئيسية.
في 1957 وتحت تأثير المضايقات والتهديدات بالقتل، انتقلت روزا الى ديترويت في ولاية ميتشيغن لتعمل في مكتب عضو ديموقراطي بالكونغرس، لكنها ادت دورها في اشعال فتيل الثورة السلمية التي ستغير وجه الولايات المتحدة بالكامل.
فمع تسارع الاحداث، اعلن مارتن لوثر كينغ ان السود في الولايات المتحدة يجب الا يرضوا بأقل من الحرية والعدالة، ووعد بتحقيق اهداف بالطرق السلمية التي سبق للمهاتما غاندي ان اتبعها.
وفي وقت قصير لمع نجم مارتن لوثر كينغ كخطيب مفوه ونجم سياسي، ونجح السود بتشجيعه في انتزاع حكم قضائي فيدرالي بوقف العمل بالفصل بين البيض والسود بما يتعارض مع قوانين العديد من الولايات، وكان هذا الحكم بداية الطريق نحو اقرار الحقوق المدنية.
بعد حادثة باركس، شهدت ولايات أخرى أحداثا مشابهة منها تدخل القوات الفيدرالية لتطبيق قرار من المحكمة العليا ايضا يدعو إلى عدم الفصل بين الطلبة البيض والسود في المدارس وقد وقعت الحادثة في مدينة ليتل روك في اركنساس عندما امر حاكم الولاية برفض مبدأ الاختلاط وامر قواته بالحرص على ذلك.
وحاول بعض اهالي الطلبة البيض التصدي لدخول الطلبة السود، وكبرت المشكلة حتى امر الرئيس آيزنهاور شخصيا بإرسال قوات فيدرالية لمرافقة 6 فتيان وإدخالهم بالقوة الى المدرسة وتأمين حمايتهم.
وفي أوائل الستينيات، ومع تصاعد الحملة والاهتمام الشعبي والإعلامي بها اطلق مارتن لوثر كينغ مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية مع مسيرات احتجاجية ضخمة ضد المؤسسات التي تطبق الفصل العنصري وفي مايو عام 1963 استخدمت الشرطة الكلاب وخراطيم المياه لقمع تظاهرة سلمية لتلاميذ المدارس في بيرمنغهام بولاية الاباما ايضا، وألقي القبض على كينغ وزج به في السجن، حيث كتب رسالة مؤثرة قال فيها ان من «يخرق قانونا غير عادل بطريقة سلمية وعلنية مع استعداده لتحمل العقوبة بهدف ايقاظ ضمير مجتمعه، انما هو في الواقع يعرب عن اقصى الاحترام للقانون».
في اغسطس 1963 خرج كينغ من السجن ونظم مع شيوخ الاميركيين الافارقة مسيرة «واشنطن للحرية» وشارك فيها ربع مليون مطالب بإقرار الحقوق المدنية للسود في البلاد، واجتمعوا عند نصب الرئيس ابراهام لينكولن الذي قاد القوات الفيدرالية خلال الحرب الأهلية لأجل إلغاء العبودية، وفي تلك المناسبة ألقى كينغ خطابه الشهير «لدي حلم» الذي يدعو فيه الى يوم «لا يحاكم فيه الناس على اساس لون بشرتهم انما على اساس اخلاقهم وشخصيتهم».
ساعدت التظاهرات السلمية والمشاهد المسربة عن محاولات قمعها قيادات الدولة على تمرير «مرسوم الحقوق المدنية» للعام 1964 الذي وقعه الرئيس ليندون جونسون في 2 يوليو 1964، وفي العام التالي اقر حق المشاركة السياسية في «مرسوم حقوق الاقتراع» قانونا في 6 اغسطس 1965 لتتوج جهود كينغ بالنجاح، وقد حصل على جائزة نوبل للسلام تكريما لنضاله السلمي الذي استمر به لكن وبينما كان في مدينة ممفيس في 4 أبريل 1968 يلقي خطابا من على شرفة فندق لمساندة عمال جمع القمامة السود المضربين عن العمل، تعرض لرصاصة اردته قتيلا بعمر ال 39 عاما اطلقها القناص جيمس ايرل ري الذي فر ولم يلق القبض عليه إلا بعد شهرين في مطار لندن.
شكل مقتل كينغ خسارة كبيرة جدا، لكن موته كما حياته كان عاملا للتشجيع على مضي اميركا في طريق العدالة والكرامة والمساواة بين المواطنين.
ويكرم الاميركيون ذكرى القس مارتن لوثر كينغ بتخصيص يوم عطلة وطنية للاحتفال بذكراه في ثالث يوم اثنين من شهر يناير كما تحرص المدارس على تحفيظ طلابها اجزاء من خطبته «لدي حلم» التاريخية.
اما روزا باركس فقد توفيت في اكتوبر 2005 عن عمر 92 عاما وقد احزنت وفاتها الاميركيين، وقد حصلت عام 1996 على ارفع وسام مدني اميركي وعلى الميدالية الذهبية الفخرية للكونغرس عام 1999، وقد وصفها اعضاء الكونغرس ب «الرمز الحي للحرية في اميركا».
ثورات الربيع
من صراع القوميات الذي تصاعد إلى حربين عالميتين، إلى صراع الأيديولوجيا الذي أدخل العالم في حرب باردة بين «الجبارين»، وصولا الى ما يسمى بعصر القطب الواحد والعولمة، شهد العالم ثورات وانتفاضات شعبية لن تُنسى لاسيما تلك التي اتسمت بالطابع السلمي.
بعد انتصارها في الحرب الباردة واجهت الولايات المتحدة عمليات استهداف معادية من جماعات إسلامية سبق ان دعمتها أميركا في حربها الضروس ضد الاتحاد السوفييتي في افغانستان. وصلت حركة طالبان إلى السلطة في افغانستان عام 1994، ووفرت ملاذا آمنا لتنظيم «القاعدة» الذي أسسه أسامة بن لادن بين عامي 1988 و1989 أعلن حربه رسميا على الولايات المتحدة، وأولى عملياته البارزة كانت محاولة تفجير برج التجارة العالمي في 1993، ثم استهدف السفارتين الأميركيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998، قبل أن ينفذ هجمات 11 سبتمبر التي كرست عمليا نظرية كان قد أطلقها استاذ العلوم السياسية صامويل هنتنجتون عام 1993 عن «صراع الحضارات» اعتبر فيها أنه بعد الحرب الباردة ستكون المواجهة الأعنف على أساس الحضارة، مستعرضا عددا من المواجهات المحتملة للحضارة الغربية مع الاسلام والحضارتين الصينية والاندوكية (الهندية).
مسار الأحداث والصراع بين «القاعدة» والغرب أعطى النظرية زخما منقطع النظير ودارت نقاشات مطولة، غالبا ما كانت تنتهي إلى أن المجتمعات الإسلامية ممانعة بحضارتها وموروثاتها للديموقراطية، مستشهدين بالثورة الإيرانية التي لم تفض إلى ديموقراطية بمفهومها الغربي رغم سلميتها، واستبعد كثير من الخبراء وبينهم هنتنجتون أن يشهد العالم العربي ثورات شبيهة بتلك الثورات التي حررت دول أوروبا الشرقية قبل وبعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي.
رحل هنتنجتون عام 2008 قبل 3 سنوات من أحداث اجتاحت فجأة العالم العربي فيها الكثير من سمات الحركات التحررية والديموقراطية السلمية التي سبق ان شهدها الغرب بدءا من أحداث 1968 في فرنسا إلى ربيع براغ ثم سقوط الجدار، كما لم يشهد قبل وفاته أحداث النرويج في 22 يوليو 2011 والتي تؤكد أن اليمين المسيحي ليس بأقل تطرفاً من اليمين الإسلامي.
ارجاء كثيرة من العالم العربي المسلم بغالبيته شهدت خروج ملايين الشباب إلى الشوارع بحماس منقطع النظير، بدأ في تونس وامتد الى دول أخرى تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» مستفيدين من ثورة التكنولوجيا القادمة من الغرب والإعلام الجديد الذي قدمته شبكة الإنترنت.
قوبلت الثورات بترحيب غربي وبذلت الدول الغربية وسفاراتها جهودا كبيرة على غرار تلك التي بذلتها في نهاية الثمانينيات في أوروبا الشرقية.
وحاولت مساعدة الثوار في أكثر من حالة كان أوضحها ليبيا على تشكيل سلطة مؤقتة بديلة تتولى المرحلة الانتقالية خلال وبعد سقوط النظام.
بمناسبة ما أطلق عليه «الربيع العربي» نستعيد بالذاكرة بعض الثورات المشابهة في اوروبا والعالم خلال العقود الماضية منها الثورة المخملية في تشيكوسلوڤاكيا والثورة الوردية في جورجيا والبرتقالية في أوكرانيا وثورة التوليب في قيرغيزيا وثورة البلدوزر في صربيا وثورة الغناء في دول البلطيق، إضافة إلى بعض تجارب القرن الماضي في مجال النضال السلمي للحركات التحررية وصولا إلى الثورات العربية.
الانباء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.