تظهر برقيتان نشرتا مؤخراً بموقع التسريبات ويكيليكس أدلة دامغة تشير بقوة إلى توظيف النظام الحاكم بالسودان لسياسة فرق تسد ما بين الاثنيات المختلفة بدارفور تضمنت إقراراً لا لبس فيه من أحد أعلام النظام بتوظيف سياسات تهدف إلى منع القبائل العربية من التقرب من قبائل دارفور الأفريقية، كما تشير برقية أخرى إلى جهود النظام لتكسير همم بعض أعيان القبائل جنوب دارفور من تنظيم مؤتمرات صلح شعبية بعيداً عن سيطرة النظام. كتبت البرقيتين قبل أقل من ستة أشهر من إصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدوليه لطلب مذكرة قبض على رئيس الجمهورية بنيت فيها القضية على نفس فرضية خلق الفرقة بين الاثنيات! تتناول البرقية رقم 08KHARTOUM77 إجتماعاً بين القائم بالأعمال الأمريكي السابق ألبيرتو فيرنانديز مع المستشار الرئاسي و القيادي "المعتدل" بالمؤتمر الوطني غازي صلاح الدين في 20 يناير 2008 تطرق الإجتماع إلى مناقشة العوامل الرئيسية المؤثرة على الوضع بدارفور كقوات اليوناميد و خطوات أخرى، كما أشار غازي بذلك الإجتماع إلى "ضرورة أن يكون النظام واثقاً من عواقب أي خطوة يقدم عليها. هناك غموض و عدم يقين بما يريده الامريكان و هذا الغموض يتزايد مع زيادة فرص ظهور إدارة أمريكية جديده في المستقبل القريب". لكن أهم نقاط نقاش هذا الإجتماع (على الأقل من وجهه نظر كاتب البرقية السيد فيرنانديز) كانت تعيين موسى هلال - الزعيم العربي العشائري الأشهر بين قادة مليشيات الجنجويد بدارفور - كمستشار لوزير الحكم الاتحادي. تشير البرقية أن غازي صلاح الدين كان واضحاً و صريحاً في تعليقه على تعيين موسى هلال "قال صلاح الدين أن تعيين زعيم الميليشيات العربية موسى هلال كمستشار لوزير الحكم الاتحادي يهدف جزءياً إلى منع توحد العرب و القبائل الأفريقية في دارفور ضد الخرطوم. وأشار صلاح الدين أنه خلال فترات متعددة من تاريخها وقفت دارفور موحدة في رفضها للقيادة في الخرطوم تحت حكم المهدي ولاحقا تحت سلطان الفور علي دينار، وكذلك خلال الحكم الثنائي البريطاني المصري. و أشار إلى أن العرب (بدارفور) يمكنهم أن يتحولوا و بسرعة إلى "عامل خطير" قابل على الإنقلاب و تبديل مواقفه...". بغض النظر عن التعليق التي يصوبه مستشار الرئيس تجاه إحدى اثنيات بلده فإن اعترافه أمام ألقائم بالأعمال الأمريكي يعد فريداً وجريئاً من عدة جوانب إذ أنه يثبت بصورة لا لبس فيها لجوء النظام لتوظيف سياسة "فرق تسد" بين اثنيات و قبائل دارفور لخدمة مصالحه. لكن هذه لم تكن الحادثة الوحيدة اذ تظهر وثيقة أخرى (رقم 08KHATOUM78) تفاصيل إجتماع على مأدبة غذاء باليوم التالي ، 21 يناير 2008, حضرها الناشط و القيادي بقبيلة الرزيقات الوليد مادبو مع طاقم السفارة الأمريكية صرح فيها الوليد بأن مساعيه للقيام بمؤتمر صلح ضمن مبادرة الحوار الدارفوري الدارفوري بين الرزيقات و قادة الفور و المساليت منعت بواسطة والي جنوب دارفور. أشار فيرنانديز أن الوليد أخبره مسبقاً أنه كان يتوقع ذلك. في تعليقه بخاتمة البرقية يقول القائم "خبر حظر مؤتمر الصلح لم يكن مفاجئا إذ أن أي نوع من المصالحة السياسية أو العرقية في دارفور خارج رعاية النظام غالباً ما تثير قلقه. تخشى الخرطوم أن تكون وحدة جميع هذه الجماعات المتناحرة و المهمشة موجهة ضدها". الجدير بالذكر أنه إذا صح حديث القائم فإن هاتان البرقيتان (و بالأخص إعتراف غازي أعلاه) قد تحمل تبعات و عواقب يمكن أن تتجاوز مرحلة الإحراج الدبلوماسي إذ تمثل فكرة إستغلال الفرقة بين القبائل و استقطابهم على أسس عرقية لبنة أساسية من قضية مكتب المدعي العام بالمحكمه الجنائية الدولية ضد عمر البشير. تشير الفقرة الخامسة (الصفحة السابعة) من ملحق (أ) من طلب المدعي العام اوكامبو للمحكمة الجنائية (الصادر عقب ستة أشهر فقط من هاتان البرقيتان) أن السيد رئيس الجمهورية "على مدى السنين بدارفور ... وضع سياسة قائمة على استغلال المظالم و النزاعات الحقيقية أو المصطنعة بين قبائل تكافح من أجل الحياة في بيئة صعبة و عزز من فكرة الإستقطاب (أي خلق فرقة حادة سياسياً) بين قبائل (عربية و أفريقية)". يطرح إعتراف غازي اسئلة كثيرة عن طبيعة العلاقة الغريبة الذي جمعت البعض من منسوبي النظام بالسودان بنظرائهم على الجانب الأمريكي آنذاك إذ يبدو من نسق البرقية أن غازي لم يجد أي حرج من التفضل بمعلومة كهذه لممثل دولة عضو دائم بمجلس الأمن اقر برلمانها منذ العام 2004 أن ما يحدث بدارفور يمثل إبادة جماعية! و بطبيعة الحال لم تتضمن البرقية أي رد فعل أو تحذير أو تقريع من القائم بالأعمال فيرنانديز، لكنه حرص على توثيق اقرار غازي في رسالته إلى رؤسائه بواشنطن!