تحط الطائرة الرئاسية يوم الخميس القادم، رحالها بمطار كسلا في زيارة تعدّ هي الخامسة لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير، إلى الولايات منذ اندلاع موجة الاحتجاجات في التاسع عشر من شهر ديسمبر المنصرم، وتأتي محطته الخامسة بالولاية الشرقية التي لم تكن استثناءً من الاحتجاجات الشعبية التي خرجت تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية التي أقرت الحكومة أنها ليست في تمام عافيتها وتحتاج لجهود تؤكد أنها تبذل فيها من أجل أن يبارح المواطن محطة ثلاثية شحّ الخبز والوقود والنقود. وكان البشير قد ابتدر جولاته الولائية التي تزامنت مع الاحتجاجات بولاية الجزيرة التي افتتح خلالها عدداً من المشروعات وخاطب لقاءً جماهيرياً أعلن خلاله عزم حكومته على مواجهة التحديات الاقتصادية، ثم يممت الطائرة الرئاسية صوب نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور في زيارة كانت لاستعراض مناصريه حشودهم، وتأكيد وقوفهم بجانبه، ولم يشتمل برنامجه على افتتاح مشاريع تنموية، وقد أكد الرئيس أن الأزمة الاقتصادية إلى زوال، وبعد ذلك وفي مهام عسكرية توجه ناحية البحر الأحمر وكانت هذه الزيارة الأولى التي تزامنت مع بداية الأحداث ثم زار أخيراً نهر النيل مرتدياً بزته العسكرية وهو يخاطب جمعاً من منسوبي القوات المسلحة الذين كانوا يشاركون في مهرجان الرماية القومي، لتتوقف الرحلات الرئاسية الداخلية وتتحوَّل إلى وجهة خارجية وهي دولة قطر، حيث أجرى خلالها مباحثات رسمية بين البلدين، لتعود الطائرة الرئاسية للتحليق مجدداً في سماء السودان وتتجه الخميس القادم، صوب ولاية كسلا، تلبية لدعوة قدَّمها مجلس الأحزاب إلى رئيس الجمهورية الذي يتوقع أن يشتمل برنامجه على مخاطبة سياسية يوضح خلاله رؤيتهم حول الأحداث السياسية المتسارعة بالبلاد. وكسلا التي تعتبر الولاية الوحيدة التي بادرت عند اندلاع المظاهرات بتسيير مسيرة سلمية إلى أمانة الحكومة التي أظهرت دعمها وتأييدها لرئيس الجمهورية رغم الاتهامات التي طالت منظميها بأنها كانت مصنوعة ومدفوعة القيمة وليست عفوية، إلا أن والي الولاية آدم جماع، نفى هذا الاتهام حينما أكد على أن الذين شاركوا فيها ليسوا في حاجة للمال حتى يعلنوا دعمهم للحكومة وكشف عن أنها ضمت رجال أعمال وكبار المنتجين وأنها كانت تعبِّر عن مبدأ وموقف. وذات الولاية التي شن عليها ناشطون هجوماً حاداً بزعم تأخرها من اللحاق بركب موجة الاحتجاجات فإنها مثلما شهدت مسيرة مؤيدة لرئيس الجمهورية فإن مواطنين فيها خرجوا في تظاهرات سلمية تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية وذهاب النظام، والشاهد أن حكومة الولاية تعاملت مع اعتصام الأطباء والمظاهرات بحكمة مقرونة بإجراءات أمنية ولم تشهد كسلا جراء ذلك سقوط قتلى أو جرحى، لكن فقط طال التوقيف عدداً من الناشطين المعروفين بمعارضتهم للمؤتمر الوطني. وتأتي زيارة الرئيس الخميس القادم، وكسلا قد شهدت انفراجاً شبه كامل في الخبز الذي بات متوفراً ولايجد المواطنون معاناة في الحصول عليه وكذلك انفراجاً نسبياً في الوقود، إلا أن أزمة السيولة ماتزال تخيِّم على الأوضاع وتبدو في عجز منسوبي الخدمة المدنية وعملاء المصارف في الحصول على استحقاقاتهم ومدخراتهم بداعي تحديد سقوفات منخفضة للسحوبات اليومية لشح العملة بالولاية والتي سبق لها أن استدانت من بعض رجال الأعمال لإكمال أجور العاملين. وكسلا التي تمر بحالة أمنية جيِّدة عقب انحسار جرائم الاتجار في البشر وتهريب السلع عقب تمديد قانون الطوارئ فإنها تنتظر من رئيس الجمهورية القول الفصل في عدد من الملفات، ومنها إعادة الحياة لمشروع القاش الزراعي الذي يحتل المسكيت 90% من مساحته الصالحة للزراعة التي تبلغ 470 ألف فدان، وكذلك يأمل مواطن الولاية بأن يضع رئيس الجمهورية حداً للجدل حول نظارة الهدندوة بتأكيده أنها ستظل موحدة بوصفها من ممسكات الوحدة الوطنية، علاوة على التوصية بالإسراع في إكمال عدد من المشاريع التنموية والخدمية، ومنها كهرباء الشرق. وتأتي زيارة الرئيس في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد التي تشهد انقساماً حاداً بين تيار يطالب المؤتمر الوطني بالتنحي عن الحكم ووسيلته لإيصال صوته الاحتجاجات والمظاهرات، وتيار آخر يؤكد على أن الحزب الحاكم قادر على إخراج البلاد من أزماتها الراهنة ولا يستطيع أحد التكهن بمآلات الأوضاع وإلى أين تسير لأن كل الاحتمالات في السياسة تظل مشرعة الأبواب.