تستعد قوى المعارضة السودانية يتصدرها "تجمع المهنيين" لتنظيم مواكب مليونية غدا السبت تحت عنوان "السودان الوطن الموحد "، للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس عمر حسن البشير. واللافت أن المسيرة التي يحشد لها تجمع المهنيين (هيكل نقابي غير رسمي) ستتوجه صوب القيادة العامة للجيش السوداني في العاصمة وقياداتها المختلفة في كل أقاليم السودان بعد أن فشلت محاولات سابقة في الوصول إلى القصر الجمهوري. ويرى مراقبون أن اختيار "تجمع المهنيين" والقوى المتحالفة معه ضمن جبهة "الحرية والتغيير"، مقر القيادة العامة للجيش كنقطة وصول، هو بمثابة دعوة للاقتداء بالجيش الجزائري والانحياز لمطالب المحتجين الرافضين لاستمرار حكم البشير القابض على مفاصل السلطة منذ 30 سنة. ويشير المراقبون إلى أن اختيار السبت الموافق للسادس من أبريل يحمل دلالة سياسية مهمة لجهة أنه في مثل هذا التوقيت من عام 1985 نجح حراك شعبي مماثل في إسقاط نظام جعفر النميري الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة "16" عاما، وعاش السودان على أيامه الأخيرة ظروفا مشابهه للواقع الذي تعيشه البلاد الآن. ويرجح كثيرون أن تشهد المسيرة مشاركة جماهيرية لافتة، معتبرين أن الحراك الذي تعرفه الجزائر والذي بات يعطي مفعوله على أرض الواقع باستقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من شأنه أن يعطي دفعة معنوية للراغبين في التغيير في السودان، بعد أن تراجع زخم الحراك خلال الأيام الماضية بسبب حالة الطوارئ التي فرضها البشير. وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض وعضو تجمع المهنيين المنظم للاحتجاجات عمر الدقير إن "الحراك في السودان بدأ قبل الجزائر والمطالب متشابهة رغم أن المشكلات في السودان أكثر تعقيدا". وأضاف "ما حدث في الجزائر يثبت أن إرادة الشعوب لا تقهر وقطعا ستعطي السودان طاقة جديدة لموكب السادس من أبريل والذي دعا له تحالف الحرية والتغيير". وقطع مصدر في حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأن نجاح التجمع والمعارضة في حشد ثلث الرقم المعلن للتظاهر من شأنه أن يقود الرئيس السوداني عمر البشير لتنفيذ الخطة "ب "، التي رفض الإفصاح عنها. وتأتي دعوة "تجمع المهنيين" وحلفاؤه لموكب السبت، بعد تعهد الرئيس البشير، الاثنين الماضي، بإصدار قرارات وتدابير خلال أيام، سعيا منه لتجاوز الأزمة التي تعصف بالبلاد. وأفاد الرئيس السوداني بأن القرارات التي ستصدر تهدف إلى "تعزيز الحوار السوداني"، وتحقيق "مشاريع للشباب". ويرى مراقبون أن موكب السادس من أبريل يثير بالواضح قلق النظام، الذي بدا لوقت قريب مطمئنا لانحسار الاحتجاجات. ودفع الموكب المنتظر إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى في صفوف القوات النظامية وغير النظامية على غرار قوات الدفاع الشعبي التي تعد الذراع العسكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. وطالب النائب الأول للرئيس السوداني وزير الدفاع عوض بن عوف، الأربعاء، قوات الدفاع الشعبي بإكمال الجاهزية القتالية للتصدي لما أسماه ""بالعمل المعادي". وشدد بن عوف في خطاب له بالجلسة الختامية لملتقى التدريب والعمليات الأول الذي أقامته قوات الدفاع الشعبي بالخرطوم، على ضرورة الاستعداد لمواجهة تحديات المرحلة التي تمر بها البلاد، ودعا قوات الدفاع الشعبي إلى تجهيز "كتائب الإسناد المدني" لخدمة المجتمع وإتمام الجاهزية القتالية للتصدي لأي تهديد. ونشأت قوات الدفاع الشعبي -وهي عبارة عن تحالف لمجموعة من الميليشيات الإسلامية- عام 1989، وتعد هذه القوات في الوقت الحالي قوة احتياطية تابعة للقوات المسلحة السودانية. واتهمت قوى المعارضة البشير باستخدام هذه القوات -إضافة إلى عناصر جهاز الأمن والمخابرات- في قمع الحراك الحالي. ويشهد السودان منذ ما يزيد على الثلاثة أشهر موجة من الاحتجاجات كانت انطلاقتها لدوافع اقتصادية نتيجة أزمة السيولة وارتفاع التضخم لأرقام قياسية قبل أن تتحول إلى سياسة من خلال المطالبة بتنحي البشير. ويعتبر البعض أن التجربة الجزائرية ولئن تبدو ملهمة للكثير من السودانيين بيد أنه واقعيا لا يمكن الرهان كثيرا على موقف المؤسسة العسكرية حيث أن قيادتها لا تزال لحد الآن منحازة للبشير وتتبنى أطروحاته بشأن الحراك. وأعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة السودانية كمال عبدالمعروف الأربعاء أن القوات المسلحة ملتفة حول قيادتها وأنها لن تسمح بأي "فوضى". وبحسب وكالة الأنباء السودانية فقد أكد رئيس هيئة الأركان السودانية على أهمية التحلي باليقظة والحذر لتفويت الفرصة على من أسماهم بالمتربصين. ويعتبر المراقبون أن هناك أيضا عوامل أخرى لا تخدم الحراك في السودان من بينها أن النظام يملك أذرعا عسكرية وإن كانت محسوبة على الجيش النظامي كقوات الدفاع الشعبي وقوات الدعم السريع إلا أنها ستصطف في حال حدوث اي تطور تصعيدي إلى جانب البشير. ويشير المراقبون إلى أن هناك انقساما حتى في صفوف المعارضة حول الدور المفترض للجيش بين تولي زمام الأمور أو إعلان الانحياز للشعب والاقتصار على تأمين سلامة الحراك دون تدخل مباشر منه. وحث حزب الأمة المعارض بقيادة الصادق المهدي الثلاثاء، القوى المحركة للشارع السوداني وقوى المعارضة، على رفض أية محاولات لإعادة إنتاج النظام الحالي في الخرطوم، بما في ذلك الانقلاب العسكري ودعاهم إلى قصر مناشدتهم للجيش السوداني في حماية الشعب ومكتسباته وانحيازه للمطالب الشعبية كجزء من مهامه. وكان البشير قد وصل إلى سدة الحكم عبر انقلاب قاده تحالف بين الجيش وجبهة الإنقاذ الإسلامية على رئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي في العام 1989.