بسبب تواجدي خلال الأيام الماضية بمدينة (دبي)، فاتني شرف الإنضمام لمليونية 6 أبريل، ولكن ومع وقع أقدامي صالة الوصول بمطار الخرطوم اليوم، أدركت أن الخرطوم التي تركتها لم تعد هي الخرطوم الآن..! لم أعبر طريقاً أو أقف في إشارة ضوئية أو أسلك حياً إلا وجدت به تظاهرات أو آثار تظاهرات لم تنته بعد، الهتافات والإطارات المحترقة حاضرة وبقوة، وعبارة تسقط بس إن لم تجدها على الجدران أو في اللافتات تقرأها بوضوح أكثر في وجوه المواطنين..! الشوارع إلى القيادة العامة مُترّسة بتاتشرات الجيش.. اللوحة الرقمية على التاتشر وعبارة القوات المسلحة تشعرك بقدرٍ كافٍ من الطمأنينة.. المواطنون يستمعون برضاء لتعليمات الجيش.. وأصحاب العربات يفسحون الطريق لعربات القوات المسلحة..! جميع الصور التي كانت ترد إليّ وأنا في دولة الإمارات العربية لم تعكس ضخامة الحشود ولا هدير تلك الجموع، كل الرجال المحترمين هناك.. جميع الكندّاكات متواجدات.. الأطفال والشيوخ.. لم يتأخّر عن الحشد إلا صاحب عذر كبير أو أحد المُرجفين في الأرض..! الراجلون على أقدامهم للمشاركة في الاعتصام يسيرون وهم مطمئنون أن هناك من يحميهم.. شتّان بين وجوه قواتنا المسلحة الكاشفة في وجه الحق، وبين الملثمين، بين التاتشرات والبكاسي التي لا تحمل أرقاماً ولا هوية ولا تمثل الشعب السوداني، وبين حرفي (ق. ش) قوات الشعب المسلحة، بين أصحاب العصي المنقبين وبين أولئك الضباط وضباط الصف الذين تشعر بانتمائهم لك وبانتمائك لهم..! للمرة الأولى لا تستطيع أن تنطق عبارة الروائي العالمي الطيب صالح (من أين أتى هؤلاء)، للمرة الأولى لا مكان لهذه العبارة هنا بين قواتنا المسلحة وجيشنا الهمام، فهؤلاء إخواننا وأباؤنا منّنا وفينا..! هذه العبارة مكانها هنالك عند كتائب الظل، وداخل القصر الرئاسي، ووسط أجهزة القمع والبطش والتنكيل، بين الفاسدين، المفسدين، الفاشلين، الأغبياء التسعة الذين أذاقوا الشعب الأمرّين، والذين لا يفلحون في شيء سوى سفك الدماء وإحاكة المُؤامرات بليل.. قاتلهم الله أنّى يؤفكون..! في منتصف الاعتصام وبينما تردّد بعض أصحاب الساوند سيستم في إيجار ساوناتهم للاعتصام مخافة المصادرة، في دقائق معدودة تم جمع شير مبلغ ثمانية عشر مليوناً وتم شراء ساوند الثورة..! إن الدروس والعبر والمشاهد والحقائق والأشعار والأهازيج والأغاني والمواقف والبسالة ورباطة الجأش والإيثار والكرم والمروءة والإبداع والقوة والطرافة، التي أفرزتها الثورة تحتاج إلى مُؤرّخين لجمعها ولسنواتٍ طويلةً، للتدبُّر فيها والنهل من معينها..! خارج السور: يا الماشي للقيادة جيب لي معاك موية، أو كسرة بايتة أو علم يرفرف ويغطينا.. نتلاقى في القيادة موعدنا الساعة ثورة ونص.. [email protected] المقال الأسفيري رقم 34