في تغطياتي من داخل الإعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة هناك كثير من المشاهد والقصص التي تستحق إلقاء الضوء عليها. هناك إنسجام كبير جداً بين المعتصمين السلميين وضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة وتعامل ونقاشات وحوارات مستمرة حول مآلات الأوضاع ، الواضح أن الثلاثين سنة الماضية وسياسيات الحكومة التي حلت بإنقلاب عسكري أمس كانت قد خلقت شرخا بين منسوبي المؤسسة العسكرية والشعب حتى الشرطة ومنسوبيها لاحظت في مواقع ومداخل مختلفة إلى محيط الإعتصام يفتحون نقاشات مع المواطنيين صار المكان أشبه لبرلمان يؤسس لخطاب شعبي موحد . كذلك في مداخل محيط الإعتصام يتولى عدد كبير من الشباب مهام تفتيش الداخلين إلى محيطه وهم شباب من أعمار مختلفة ويخضع الجميع للتفتيش برحابة صدر تسبقها كلمات ذات جرس فكاهي " ارفع يدك فوق ..والتفتيش بالذوق " ويتسجيب الجميع مع تأكيد المفتشين أن ذلك من أجل سلامة وسلمية الفعل السياسي. يتم توزيع المياه والأطعمة طيلة ساعات اليوم وبشكل دوري عبر مجموعات متبرعين أو من خلال جمع التبرعات العينية والنقدية وهي مظهر يعكس جزء من شكل علاقة المعتصمين السلميين الاجتماعية. في مواقع مختلفة تتوزع عيادات ميدانية تقدم خدماتها علاوة على تجول كوادر طبية وسط محيط المعتصمين السلميين لتقديم الخدمات الطبية والأدوية. تستمر ايضا حملات النظافة في محيط الإعتصام بصورة دورية. من المشاهد اللافتة كان توفير شاشات مساء الأربعاء الماضي لحضور مباريات دوري أبطال أوروبا ولا تزال موجودة حتى فجر الجمعة. المعتصمون يتحلقون في مجموعات تقدم فيها مخاطبات سياسية ونقاشات مفتوحة تعرض فيها المطالب بشكل مباشر وأعتقد أنها بداية لما يمكن وصفه بالرقابة الشعبية. من الملاحظ ايضا الاصرار الشعبي على المطالب التي رفعتها ثورة ديسمبر حيث كان رد الفعل على بيان اللجنة الأمنية هو الرفض مباشرةً وليس في محيط الإعتصام ولكن في جولة ميدانية حتى المقرن والسوق العربي كان رد الفعل الرفض. في محيط الإعتصام ستقابل كثيرين من معارفك ومن لم تقابلهم حتى منذ سنواتٍ طويلة ، الجو العام في محيط الإعتصام خلق ترابطا إجتماعيا بين المتواجدين حيث تلاحظ تغيير طريقة التعامل التي يتم تنميط السودانيين أنفسهم بها عن ضيقهم وتذمرهم الدائم على العكس تلاحظ تفاؤلا كبيرا وشعورا طيبا تجاه الآخر وقبول ولا اي مظاهر لتمييز. أعتقد أن كثير من المفاهيم قد تغيرت تغيرت بشكل كبير جداً. قابلت لاول مرة على الاستاذ محمد سوركتي اللطيف وكان لقاء عابراً.