حالة الاحتقان والاستقطاب الجارية الآن بين المجلس العسكري وقوى اعلان الحرية والتغيير يبدو واضحا أنها بلغت أعلى سقوفها ونأمل ونبتهل الى الله أن لا تصل نقطة اللا عودة لكل طرف، وأن لا يدفع التصعيد والتصعيد المضاد الذي تجرى وقائعه حتى اللحظة إلى مرحلة العناد و(ركوب الراس)، فيعمد أي طرف لأن يصم آذانه عن سماع أية دعوة أو مناصحة أو مشورة لا تدعمه وتقف إلى جانبه تنصره وتشد من أزره، ويصبح بالتالي من الاستحالة العودة الى طاولة التفاوض الجدي المفضي الى اتفاق وتوافق، وخطورة مثل هذه المرحلة من الصراع والتنازع لو قُدِّر لها أن تستمر وتتصاعد وتضطرد بأكثر مما بلغته، فإن البلاد هي التي ستضيع من بين أيدينا، ولكننا رغم هذه الأوضاع المأزومة لن نتخلى عن التفاؤل بأنها الى انفراج، ونظل نردد دائما بيت الشعر القائل (اشتدي أزمة تنفرجي) ونتأسى باصرار شاعر هذا البيت بأن هناك حلا قادما للأزمة مهما اشتدت وتفاقمت، بل ربما يكون ذلك التفاقم عنصرا مهما من عناصر التعجيل بالحل. على قول قال الإمام الشافعى: (ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج)،(ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت..وكنت أظنها لا تفرج).. ان ما يهمنا هو البحث عن الحكمة الغائبة حتى الآن،الحكمة المطلوبة لحل أيما مشكلة أو قضية عن طريق التفاوض والتراضي وليس أي أسلوب غيرها، فتلك هي خبرة البشرية ودرس التاريخ وسنته الماضية، فلا أقل من أن نعتبر بها، ولهذا سنظل دعاة وئام وتلاق وطني، ولن نسعى بالفتنة مثل (الفاتيات والحكامات) ندعو لشحن النفوس وشحذ الأسلحة لمزيد من الفرقة والاختلاف والتنازع على غرار المثل السالب (أكان غلبك سدها وسّع قدها) حتى يعم الخراب كل الأنحاء والأرجاء، فحاجة البلاد الآن إلى حكماء يطببون جراحها وليس (حكامات) يزدن حريقها. ولست شخصيا ممن تعجبهم أجواء الصراعات والاستقطابات العكرة فالذين يستمتعون بمثل هذه الأجواء إن لم يجدوها لسعوا لخلقها، هؤلاء الذين يقول فيهم أحد أمثال أهلنا المسيرية تعبيراً عن حبهم لمثل هذه الأجواء واجتهادهم لشعللتها بإلقاء المزيد من الحطب على نارها المشتعلة أصلاً (يدي النقارة عصا والحلة عيطة) ويشتغل على منهج (المديدة حرقتني)، فالمهم دائما في الأجواء التي تسودها حالة الانفعالات والتوترات على النحو الذي ما يزال سائدا بين قوى اعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، يفترض أن يتصدى لها العقلاء والحكماء وأن تسود العقلية العقلانية عند الطرفين على ما عداها من عقليات وجماعات أخرى وأخطرها جماعة (المديدة حرقتني) التي إن لم تجد أزمة صنعتها من العدم، إذ أنها تستمد وجودها من مثل هذه الأجواء المأزومة.. وغاية منانا هي عندما يرى هذا الذي كتبناه وأملناه النور أن يكون الطرفان قد تجاوزا ما اشتجر بينهما من خلاف تمهيدا للعبور بالثورة الى محطة أخرى.. حيدر المكاشفي