ثورة ديسمبر المجيدة صفرت مشوار السودان وضمنت للشعب بداية جديدة، المشاركة فيها متاحة للجميع بلا استثناء، كنت أتمنى لو أن الحركات المسلحة عادت إلى السودان فورا بكفاءاتها وبدأت العمل مع قوى الحرية والتغيير، ولم تنتظر أن تفاوض أو تنتظر وتراقب حتى تتشكل الحكومة الانتقالية، ثم تأتي لتعمل من أجل وضع حد للحروب ومشاكل السودان حسب أولويات المرحلة التي أمَّن عليها الجميع مثلما فعل عبد العزيز الحلو، أعتقد أن الثورة اختصرت على الحركات مشوارا طويلا ومنحتها فرصة ذهبية للمشاركة بأفق جديد، ولكن للأسف لم تستفِد منها على الأقل حتى الآن. يبدو أن ما تبقى من حركات دارفور مهتمة بالحصول على مناصب ومكاسب شخصية أكثر من الحصول على حلول جذرية لمشكلة دارفور، خاصة بعد أن تفرقَّت بهم السبل، منهم من آثر العودة إلى حضن النظام المخلوع وسقط معه ومنهم من زهد فيها وانصرف لحاله، ولم نعد نسمع بغير خليل وجبريل وعبد الواحد يشكِّلون حضورا مكثَّفا في وسائل الإعلام ويغيبون عن الجماهير تماما. حركة تحرير السودان جناح مناوي واحدة من الحركات الكثيرة اللاتي تكاثرن من حركة تحرير السودان، في عام 2006 وقَّع مني مناوي اتفاقا مع حكومة البشير بعد مفاوضات أبوجا التي شهدت خلافات طاحنة بينهم الثلاثة حينها، حركتي تحرير السودان بقيادة مني وعبد الواحد وحركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، ورفضت الحركتان التوقيع ولكن مناوي وقَّع ومُنِح منصبا كبيرا مساعدًا لرئيس النظام المخلوع شغله لأربع سنوات، وحين تبقى للاتفاقية عام واحد أعلن عن وفاتها وتخلِّيه عنها ليبدأ رحلة حرب جديدة. الآن رغم أن المرحلة تتطلب من جميع الحركات التحلي بحسن النية والصبر وتنتظر قليلا حتى وإن كانت إجراءات الحكومة الانتقالية بين قوى الحرية والتغير والمجلس العسكري لم تعجبهم مثلما فعل عبد العزيز الحلو، إلا أن مني أعلن الاستعداد للحرب قبل أن يتأكد من أداء الحكومة مثلما فعل علي الحاج. نقلت صحف الأمس أن رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي قال إن ثورة ديسمبر تعرَّضت لقرصنة سياسية واصفًا الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بأنه بُنيَ على محاصصة بالكامل لتقاسم الحقائب الدستورية ووظائف الخدمة العامة بعيدًا عن الشعب السوداني والكفاءات التي يقولونها، وحددها ب1400 وظيفة، ولم يقدم دليلا يثبت به هذا الأمر، ولا أدري من أين أتى بالمعلومة فقوى الحرية والتغير عانت في اختيار خمسة للمجلس السيادي فكيف يمكنها أن تختار كل هذا العدد، أعتقد أنه كلام غير منطقي ولا يُصدَّق. مناوي لم يكتفِ بنقد قوى الحرية والتغيير واتهامها بل أعلن استعداده للحرب رسميا، فقد نقل ذاتُ الخبر أنه أقام يوم الجمعة عرضًا عسكريًّا في منطقة وادي هور بشمال دارفور، شمل استعراض آليات عسكرية ثقيلة بينها مدرعات وناقلات جند وأسلحة، وهي رسالة إلى الحكومة الجديدة تفيد بجاهزيته للحرب، وأعتقد أنه يخطئ التقدير للمرة الثالثة وسيخسر هذه المرة كل شيء، الناس مهيَّؤون للسلام فيجب أن يغير خطته تماما وإلا فإنه غير جدير بأن يكون شريكا في المرحلة باسم أهل دارفور. أعتقد أن أهل دارفور بحاجة إلى إعلان موقف واضح من أية حرب جديدة أو تواجد عسكري خارج نطاق الدولة بأية شكل، وعليهم العمل مع الحكومة الانتقالية من أجل الوصول إلى سلام دائم والذي ستخصص له أول ستة أشهر وكل الجماهير متشوِّقة بأن تكلل الجهود بالنجاح. هيئة محاميِّي دارفور قدمت مبادرة ممتازة بعقدِ ملتقًى لأبناء دارفور للاتفاق على رؤى مشتركة حول قضايا دارفور، وافق عليها مني وجبريل وتتشاور مع عبد الواحد، هذه هي رسائل المرحلة الحالية وهي فكرة مناسبة ليتفق أهل دارفور مع بعص قبل أن يتفقوا مع الآخرين حتى لا تتكرر المآسي التي حدثت في الفترة الماضية، ومن الأنسب لمناوي أن يشارك في مثل هذه المبادرات ويكُفَّ عن إرسال الرسائل الخطأ في الزمن الخطأ، فهو ليس بأحرص على السلام من أهل دارفور كلهم.