في إعتقادي أن مُجمل ما يدور في خُلد أعداء الثورة من فلول النظام السابق وشركائه وثٌلة المنتفعين من آلة فساده التي باتت آيلة للسقوط في دولة الحريات والقانون القادمة ، أن الأداة الأكثر فعالية والأقدر على هدم بنية الثورة وحكومتها الإنتقالية هي تأليب الشارع السوداني ودفعه من جديد إلى الخروج في مظاهرات أو إحتجاجات مبدئية أو مطلبية ، وذلك لا يمكن إحداثه إلا عبر زعزعة ثقة الشارع في حكومته الإنتقالية عبرعُدة إتجاهات أساسية أهمها التشكيك في نزاهة مُنتسبيها ، أو التشكيك في إنتماءاتهم السياسية والوطنية ، ثم إفتعال الشائعات بشتى أنواعها وأهمها الإشارات الدائمة إلى تورُّط منظومة الحكم الإنتقالي وتواطئها الخفي مع أجندة تتعارض مع مطالب وشعارات الثورة كالمضي قُدماً وبجدية في محاكمات عاجلة وناجزة وسريعة لرموز النظام أو التعجيل والجدية في تفعيل برنامج تفكيك الدولة العميقة وإزالة مظاهر ومضامين النظام البائد من هياكل الدولة والخدمة المدنية والمؤسسات والشركات الإستراتيجية ، وغير ذلك الكثير من المواضيع التي تصلُح أن تكون مادةَ للشائعات المُغرضة والتي تهدف إلى (تهيئة) الشارع والرأي العام للتجاوب مع أيَّما دعوة للخروج ومعارضة النظام الإنتقالي . ماسبق ذكرهُ هو بالضبط ما حدث وما عملت عليه الأجهزة الإعلامية والصحفية للجبهة الإسلامية القومية كبديل لوسائط النشر الإلكتروني التي سادت الآن وذلك ك (مُقدِّمات) سبقت تنفيذ إنقلاب يونيو 89 المشئوم والذي أُعلن بنجاحه وأد سلطة الشعب ونظامه الديموقراطي وتدشين عهد الشمولية المُضمَّخ بالجور والظلم والإفقار والتنكيل بالشرفاء من المُناهضين ، وها نحن وبعد سويعات من تعيين رئيس الوزراء الإنتقالي وشروعه في تولي مهامه وإضطلاعه على إختيار حكومته التي أُشترط في تكوينها بأن تكون حكومة كفاءات وليست مُحاصصات ، نستقبل الساعة تلو الأخرى حشداً لا يُحصى من الشائعات والأخبار الصحفية السوداوية الغرض ، كلها تسعى لذات الهدف الذي حققته صحف الإسلاميين ومنابرها قبيل إنقلاب 89 ، والذي تمثَّل بكل وضوح في (تهيئة) الشارع السوداني والرأي العام لتأييد ومناصرة أيي عمل مناهض للحكومة الإنتقالية الحالية. شائعات عن تعديلات (تحت الطاولة) في الوثيقة الدستورية ، ثم شائعات عن محاصصات في إقتسام المناصب بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية ، ثم ترشيح عمر الدقير أو مريم الصادق لمنصب رئيس الوزراء ، وتعيين حمدوك لإبنته مستشارة بمجلس الوزراء ، ثم خبر صحيفة السوداني المتعلِّق بسيارات الإنفنتي الخاصة بالمكوِّن المدني لمجلس السيادة ، وأخيراً التشكيك في أن مَنْ يُحاكم الآن ليس هو المخلوع البشير بل شبيهه الذي تم إعداده منذ زمن ليلعب هذا الدور ، وغير ذلك الكثير من الشائعات والأخبار المغلوطة أو المُصاغة بإسلوب يوحي بالتشكيك والتعريض بالأبرياء ليصبح من باب (كلمة حق أُريد بها باطل). وصيتي الأولى للشعب السوداني الأبَّي رجالاً ونساءاً ، شيباً وشباباً ، كونوا عَضداً لا يكِّلُ عن مُساندة وحماية ثورتكم التي بذلتُم دونها الدماء والغالي والنفيس ، كل العالم يُراهِن على إتساع رِقعة وعيكم ومقدرتكم اللَّماحة على إستنباط وتحليل الأخبار والوقائع والأحداث ، فهذه الثورة لن تؤخذ إلا من ناصيتكم وآمالنا فيكم كبيرة ، أما الوصية الثانية فهي للحكومة الإنتقالية وتتمثَّل في ضرورة تفعيل آلية حكومية للبث الإعلامي التقليدي والإلكتروني تتناول المواضيع عبر بابين أولهما رصد الشائعة وتحليلها وثانيهما أن يتم في مقابلها النفي أو نشر الخبر الصحيح بدلائلة وقرائنه التي تؤيد مصداقيتهُ ، كما أوصي الحكومة بضرورة فتح الباب مُشرعاً لفضيلة الوضوح والشفافية ، وتيسير أمر صناعة علاقة صلبة ووطيدة ومباشرة بينها والإعلام والصحافة