تفيد أنباء السبت الأول من أمس، أن موكبا حاشدا انطلق من مدينة كسلا باتجاه بورتسودان، ويسير الموكب راجلا مشيا على الأقدام من كسلا حتى مدينة أروما ومنها بالسيارات الى سواكن، ومن سواكن يعاود الموكب سيره على الأقدام حتى بلوغ مقصده مدينة بورتسودان، وذلك بهدف تبليغ رسالة للجميع وبالأخص للأهل في اثنيتي النوبة والبني عامر بأن كل السودانيين بمختلف اثنياتهم هم فى النهاية شعب واحد فى وطن واحد ويجمعهم مصير واحد وعليهم أن يعيشوا فى سلام ويتعايشوا ويتدامجوا اجتماعيا..وفى ذات نهار يوم السبت نفسه في الخرطوم وبينما كنت أتهيأ لعبور الاستوب الفاصل بين شارعي القصر والسيد عبد الرحمن، اذا بموكب قوامه الغالب من الشباب والشابات ربما تزامنا مع موكب كسلا يسير على طول شارع السيد عبد الرحمن، وبعد أن أصخت السمع لهتافاتهم وتفرست في لافتاتهم، تبين أنه موكب رافض ومستنكر لأحداث بورتسودان المؤسفة، وكان مطلبه الرئيس المناداة بالتعايش السلمي والسلام الاجتماعي والتدامج المجتمعي نبذا للقبلية والجهوية، وتعبيرا عن هذا الهدف الغالي والسامي، كان أحد هتافاتهم يقول (شعب واحد وطن واحد دم واحد) وآخر يقول (يانوبة وبني عامر اطردوا المتآمر) في اشارة لمثيري الفتنة والقلاقل، كما كتب على أحد اللافتات ( نحنا السودانيين عندنا فد قبيلة أي قبيلة واحدة هى قبيلة السودان)، وتعيد هذه اللافتة للأذهان الموقف المشرف والبطولي للثائر البطل علي عبد اللطيف مع القاضي الانجليزي، سأله القاضي عن اسمه فقال على عبد اللطيف، ورد على سؤاله الثاني عن جنسيته فقال سوداني، فلم تعجب هذه الاجابة القاضي فقال له بل أقصد قبيلتك، فقال علي عبد اللطيف بكل ثبات واعتداد وشموخ (لا يهمني ان أنتمي إلى هذه القبيلة أو تلك فكلنا سودانيون يضمنا قطر واحد ونعمل من أجل هدف واحد هو تحرير بلادنا من سيطرتكم.. الشاهد فى مواكب كسلاوالخرطوم أنها تستبطن معنًى بعيد لا يجتزئ قضية السلام المفقود في حيز جغرافي محدد أو تحصره في الحركات المسلحة، بل يتمدد إلى كافة أجزاء الوطن، ذلكم هو السلام الاجتماعي بمعناه الأعم والأشمل الذي لا يعني غياب العنف والحرب فحسب، وإنما أيضاً يعني الهدوء والاستقرار والصحة والنماء.. الخ، فالحاجة ما تزال ماسة وملحة لقيادة مبادرة من الداخل تقودها الفعاليات المجتمعية والثقافية والنشطاء في مجالات العمل العام من أجل السلام الاجتماعي والتدامج والتلاقح الثقافي، وتحقيق درجة من الانسجام في العلاقات البينية بين المجتمعات المحلية المختلفة، والعمل على أن تسود حالة من الهدوء في العلاقات بين الجماعات المختلفة، بما يفضي في النهاية إلى بناء المجتمع ككل على أسس سليمة من التجانس والتلاحم والإحترام المتبادل، وهذه عملية لا تتم بالقرارات ولا الإتفاقيات مهما كانت، وإنما بالحراك المجتمعي وحركة المجتمع اليومية.. حيدر المكاشفى