أرسلت لصديقي د. عصام محجوب الماحي رسالة ترويج وصلتني من الدوحة وزَّعتها "دكة الثقافات السودانية بالتعاون مع مركز الجزيرة للتدريب"، جاء فيها: "وسط زخات الرصاص وبين هراوات العساكر والغاز المسيل للدموع، كانت فنانة الجرافيتي أصيل دياب وفريقها، وفي جسارة وتصميم لا يدانيهما إلَّا جسارة وتصميم الثوار والشهداء، يرسمون صور الشهداء على جدران بيوتهم تخليدا لذكراهم. يسرنا دعوتكم لحضور "ليلة جداريات الشهداء" نستضيف فيها الفنانة أصيل دياب في حوار عن تجربتها مع عرض لأعمالها؛ يشارك في الليلة الاستاذ الكبير السني دفع الله بمسرحية (خفقة رايات الشهداء)؛ التاريخ الجمعة 6 سبتمبر 2019؛ الوقت السابعة والنصف مساءً؛ المكان قاعة مركز الجزيرة للتدريب". ارفقت لصديقي الدكتور عصام محجوب مع الرسالة الترويج (البوم) صور لفنانة الجرافيتي أصيل دياب. أستميحه عذراً بنشر ما كتبه لي معلقا على تلك الصور وبالطبع على الرسالة. * كتب د. عصام محجوب: للثورة السودانية رموز كثيرة، الشهداء، الجرحى، ضحايا الاعتقال والتعذيب والجلد بالسياط والخراطيش السوداء وليس آخراً المناضلين الذين ظلوا قابضين على الجمر لفترات متفاوتة، فالبعض استمر قابضاً عليه بعمرِ النظام البائد أي ما يقرب من ثلاثين عاماً، هَرِموا ولَمْ تَهْرَم القضية التي عضوا عليها بالنواجذ، قضية تخليص البلاد من نظام انقلاب 30 يونيو 89 وما تمخض عنه من ظُلْمٍ وقهرٍ وفقرٍ وحروبٍ وقتلٍ، واستمرت القضية حاضرة حتى انتصروا لها. وللثورة السودانية رموز عديدة.. غير الأمكنة والمدن التي انطلقت منها وفيها.. والاحياء التي تميَّزت عن غيرها.. ومشهد كنداكة كانت هوايتها إعادة البمبان للكَجَرِ.. وقطار عطبرة الذي تناقلت صوره كل وسائط الاعلام الدولية فيما اهملته قنوات السودان (الكيزانية).. وجمهورية أعلى النفق وهتاف"دولة مدنية أو ثورة أبدية" و "سقطت ما سقطت صابِنَّها".. وأرض الاعتصام وما جرى فيها من تفتيش بالزوق أرفع يدك فوق، وعِنْدَك خُتْ ما عندك شيل.. وغير ذلك مما لا يمكن حصره من تلك الابداعات التي يصبح اختيارها سرداً لا حصراً، الأمر الذي اثبت أن الثورة السودانية ثقافة.. صارت الثورة ثقافة بمشاهد لا تُحْصَى ولا تُعَد، لذلك لا خوف عليها ولا يحزنون، قد تتعثر خطى تحقيق كامل أهدافها فيقوم حُرَّاسها من الشباب الذين صنعوها برفع اشرعتها لتبحر نحو المرسى المحدد، وإذا أدت تطورات ما الى أن تنحرف بالثورة عن مقاصدها، ثِق بإن هنالك قوة شبابية ثورية يقظة، وستظل يقظة، ومستعدة لحماية الثورة من الانحراف وستصحح خيانة مَن خان يخون أو سيخون، وتقطع الطريق على مؤامرة مَن تآمر يتآمر أو سيتآمر، وهكذا وباختصار، الثورة مستمرة تنتج تصحيحها من داخلها إن دعا داعٍ. وللثورة السودانية أشياء عديدة ستبقى محفورة في الذاكرة ومسجلة في الشرائح الالكترونية و(مُؤرْشَفَة) للمستقبل، فالمستقبل يحتاجها؛ وللتاريخ، والتاريخ ينتظرها بصفحاتٍ ناصعةِ البياضِ ليسجلها فيها بأحرف من ذهب، وسيسَجِلُ التاريخ أنه كان للثورة:- شاعر وشاعرة، أي نعم كان للثورة شُعَرَاء أنْتَقِي مستأذناً منهم، مروة بابكر وأزهري محمد علي بأشعارهما التي تخرج مُلَحَّنة معزوفة يُلقيها كورال المليونيَّات عن ثمنِ دم الشهيد، لذا لم يَسمح مَن حفظ عنهما الشِعر للسلطة الغاشمة الساقطة أن تمنع السؤال عنه ولم تبق اسئلتهما حائرة فقد أطلق سراحها المتظاهرون المحتجون الثائرون وجعلوها هتافاً شق عنان السماء، فاستجابت لهم إرادة السماء؛ كان لها، أي للثورة، "دسيس مان" وايقاعاته وموال اهزوجاته، في عُمْقِها بسيطة وببساطتها عميقة، لله دَرّ مَن كان حوله من الشباب؛ وللثورةِ كرمزٍ تحفظه الذاكرة، صِبْيَة "قوة البشير قوة فاسدة" بخطواتهم ونغمهم الدارفوري الجميل؛ ولها، للثورة، الكثير في ذاكرةٍ حاضرةٍ واسعةٍ لا حد لسعةِ (جيقاتها)، فلها ثوب الاء صلاح ناصع البياض بعد أن صارت رقصتها وحركة يديها والتفاتتها واشرئباب عنقها الجميل نحو افق جديد متمايلا في شَبَّاله على مَوْسَقَةِ ودَوْزَنَةِ النغم الثوري التحريضي الذي انشدته، فأصبح المشهد مرجعية لكل مَن حَمَلَه الثوار على الاكتف، يتكرر ولا تَمِلَّه؛ وليس أخيراً، للثورة أخي وصديقي رمضان جداريات، جداريات أصيل دياب، عاشقة الألوان وحِيَط الشوارع، الباحثة عن أمْكِنَةِ تخلِّد فيها الثورة، شهداء الثورة، وقِيَم الثورة التي حملوها تضحيات وقدموا لها وفي سبيل انتصارها كل شيء ولم يستبقوا شيئاً حتى الروح قدموها رخيصة لوطن غالي كان ثمن تحريره من الظَلَمَةِ القَتَلَةِ غالٍ. فذهبت أصيل للشهداء في ديارهم التي فارقوها لتعيدهم اليها ايقونات ملهمة، رموزاً لثورة تَحَرَّكت بها للأمام عجلة التاريخ والمستقبل. ليس مهما أن تبقى الجداريات التي رسمتها أصيل أم يزيلها الزمن بمتغيراته، وبعيداً عن أي تقييم فني لخطوطها وتوزيع وخلط الوانها وعكس أو استقبال لوحاتها للضوء والظلال التي يتركها عليها، فإنني احسست بقيمةِ ما قامت به أصيل، انْتَقَلَ لنفسي كلما كان في نفسها وروحها وعقلها عندما فكرت أن تَرْسم وعندما كانت تَرْسم، ولا أشك مطلقا أنها تركت ذات الشيء عند المارة الذين التقطوا لوحاتها الجدارية فما بالك بأهل الشهداء؟ أم الشهيد، أب الشهيد، أخت وأخ الشهيد، ابن وابنة الشهيد؟ فيا له من مشهد سيبقى في ذاكرة ثورة وذاكرة وطن. بجدارياتها صارت أصيل رمزاً من رموز الثورة مع غيرها من التشكيليين الذين وضعوا بصماتهم على الشارع الثائر وساحات الاعتصام، وعلى البوسترات التي كان تَجَمُع المهنيين يغذي بها الحِرَاك الشعبي في وسائط التواصل الاجتماعي لينطلق بالزغرودة والكر والفر والصمود والاستبسال وبإعادة ارسال البمبان وما أن أكمل الشارع تك الدورة حتى أصبح الحِرَاك ثورة كاملة الدسم، وانتصر وانتصرت. * شكراً صديقي عصام على تلك الرسالة واسمح لي ومعك القراء الأعزاء أن أعرفكم بالكنداكة المناضلة والمبدعة أصيل أحمد دياب، وبأسْرَتها. أصيل من مواليد سبتمبر 1988 في بوخارست عاصمة رومانيا، ترعرعت وسط أسرة عشقت الابداع والانجاز والانفتاح والايمان بالتعددية بكل اشكالها. الوالد السفير د. احمد محمد دياب، عمل في محطات عدة بأفريقيا، وسفيراً لدى المملكة الأردنية الهاشمية، وسفيراً في رومانيا (85-1989) حيث حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بوخارست، وإثر مجزرة الدبلوماسية السودانية التي ارتكبتها سلطة انقلاب 30 يونيو 89 والاستغناء عنه ومعه مجموعة من كبار السفراء بما كان يعرف بالصالح العام، أصبح السفير دياب مستشارا للشئون الأفريقية والآسيوية بالخارجية القطرية ولاحقا ألف كتاب "خواطر دبلوماسية". الأم ليلى حامد بشير، طبيبة عملت في مستشفى الخرطوم، وحصلت على دبلوم تخصص أمراض نساء وولادة من جامعة بوخارست. عملت في مستشفى حمد بدولة قطر وأصبحت أول أخصائية سودانية صاحبة عيادة خاصة في الدوحة وهي من أعمدة لجنة الأطباء السودانيين بدولة قطر. ولأصيل ثلاثة من الاشقاء في تخصصات مختلفة. يسرا، خريجة أدب فرنسي من الجامعة الأردنية ولغات من جامعة ليدز الإنجليزية وحاصلة على ماجستير في الديمقراطية؛ ياسر بكالوريوس تقنية ونظم معلومات من أمريكا، ماجستير في الاتصالات ويعمل حاليا في قطر؛ وأخيرا عُلا خريجة إعلام من جامعة (نورثويسترن) الأمريكية فرع الدوحة. أمّا أصيل فقد كانت مراحل تعليمها في الدوحة وانتلقت لجامعة فيرجينيا بالولايات المتحدةالامريكية حيث دَرَسَت فن الجرافيتي. عام 2013 صَقلت موهبتها ودراستها لتتقن رَش الألوان بالبخاخ تحت اشراف فنان فرنسي تونسي الاصل اعجبته موهبتها عند مشاركتها في فعالية تشكيلية في قطر حيث تقيم، فاحترفت رسم الجداريات. يبدو ان والدة أصيل تَوَحَّمت على مشاهد الخُضْرَة في حديقة هيرستراو التي كانت تجاور مقر إقامة سعادة السفير احمد دياب، وهيرستراو عالم من الجمال لا حدود له بتنسيق ورودها وزهورها واشجارها متعددة الألوان وصفاء مياه بحيرتها وحركة زوارها التي لا تنقطع ربيعاً وصيفاً وخريفاً وفي الشتاء حيث الصبايا يتزحلقون في بحيرتها المتجمدة بفرح وسعادة، وقد كانت الدكتورة وزوجها السفير من عشاق التجول في تلك الحديقة والمتاحف وصالات عرض الفنون رسماً ونحتاً، فلا غرو أن ينتقل لإصيل جمال المنظر ليصبح جمال خلقة ورغبة في الخلق والابداع ليكتمل ويصبح أيضاً جمال أخلاق وروح وإحساس بالأشياء كل الأشياء، فكيف لا تتجه أصيل لما اتجهت اليه في عالمِ الفنِ والابداعِ والتشكيلِ؟ زاد إعجابي بفنانة الجرافيتي أصيل دياب صاحبة اللمسات الجميلة والمعبرة وهي تكرس الوانها لجداريات البلد وتطوف المدن لرسم صور الشهداء على جدران بيوتهم الامر الذي يَسَّر لقائها بأسر الشهداء وتلك ليست رسالة مواساة فقط أو تأكيداً لهتاف شباب الثورة "أم الشهيد أمي"، وإنَّما مقصد من مقاصد جعل رموز الثورة حاضرين بيننا.. فما قامت به الفنانة أصيل صفحة من صفحات النضال تضاف لما قامت به وزملاؤها التشكيليون خلال أيام الثورة فأصبحت أصيل وجدارياتها أحد رموز الثورة كما كتب صديقي د. عصام، تستحق منا جميعاً بأن نُحَي جهدها ونمنحه التقدير اللازم.. كتر الله من امثالها سنداً للسودان الحبيب وشعبه الكريم، رفعة ونهضة للوطن فإن جيلها والجيل الذي بعده من أبناء الوطن الشرفاء المخلصين، صنعوا الثورة وسيصنعون مستقبلا مشرقاً لهم ولمَن بعدهم من الاجيال وللبلاد فدعونا ننعم معهم بذلك. فنانة الجرافيتي أصيل فنانة الجرافيتي أصيل فنانة الجرافيتي أصيل فنانة الجرافيتي أصيل فنانة الجرافيتي أصيل فنانة الجرافيتي أصيل