فن الجرافيتي هو الفن الذي يجعل الجدران تهتف بما يريده الفنان، رسومات تتزين بها الجدران مما يحول جزءا من الشارع إلى معرض فني، ويمزج بين الحروف الراقصة والرسومات المعبرة ليشاهد الناظر صورة جمالية بمثابة الصوت الناطق برسالة إلى الشعب أو الحكومة. والجرافيتي يعد أحد منتجات الحضارة الفرعونية والاغريقية، تجسد في الرسومات الموجودة على جدران المعابد والكهوف، استخدمه الزنوج مع موسيقى الراب في الولاياتالمتحدة الأميركية، للتعبير عن ما يجدونه من عنصرية وفقر، وتطور ليصبح فيما بعد وسيلة من وسائل الاحتجاج، تستخدمها الحركات السياسية للتعبير عن آرائها وأفكارها. لا يمثل الجرافيتي (Graffiti) بمفرده فن الشارع، بل هو فن من فنون الشارع، وهو نوعان: جرافيتي مرسوم، وجرافيتي مكتوب، والجرافيتي المرسوم ينتج عنه جدار بمثابة اللوحة بها شخصية أو إشارة أو جملة، تم رسمها بطريقة جعلتها في النهاية صورة جمالية، ولا يتقن الجرافيتي المرسوم إلا فنان ومبدع، أما الجرافيتي المكتوب عبارة عن جملة على الجدار، قد يكتبها رسام أو شخص ليس لدية موهبة الرسم، وفي الغالب يكتبها شخص ليس لديه موهبة، ولذلك في الغالب ينتج عن الجرافيتي المكتوب تشويه للجدران. غالباً ما يستخدم فنان الجرافيتي اسماً حركياً يوقع به على رسوماته الجدارية، خصوصاً عند رسم جرافيتي معارض لنظام الحكم، ومن أشهر رسامى الجرافيتي في مصر: جنزير، زفتاوي، ملكة جمال الازاريطة، المشير. قبل عام 2005، كان الجرافيتي في مصر يتمثل في رسومات جدارية على بيوت القرية، تهنىء الشخص بعودته من الحج، وغالباً كانت تتمثل في رسم طائرة وكتابة جملة "حج مبرور وذنب مغفور"، وفي الرسوم الوطنية على جدران المدارس، وفي الكف المرسوم على الحائط باستخدام دم الأضحية في عيد الأضحى المبارك، واستخدمته الجماعات الاسلامية في كتابة جمل بمثابة موعظة على الحوائط، وأشهرها جملة "الحجاب قبل الحساب"، وفي الدعاية الانتخابية وأشهر ما كان يكتب على الجدران من جماعة الأخوان المسلمين "الاسلام هو الحل". ولكن بعد عام 2005، وبعد ظهور روابط الأولتراس الرياضية، وفناني الهيب هوب، اتخذ فن الجرافيتي شكلاً جديداً أكثر احترافية، لأن شباب الأولتراس وفناني الهيب هوب يعتبرون فن الجرافيتي جزءاً من ثقافتهم، ووسيلة للتعبير عن أفكارهم، ونتيجة لتطور وسائل الاتصال، استطاع هؤلاء الشباب تعلم الجرافيتي عبر الانترنت. ملكة جمال الأزاريطة آية طارق فتاة من مدينة الإسكندرية بدأت قصتها مع فن الجرافيتي عام 2008، لجأت إلى الشارع، ورسمت على جدرانه لتجعله ينطق بموهبتها، تمرداً على القواعد الأكاديمية التي تتطلب مواصفات معينة لكل لوحة، ورداً على المعارض الفنية التي رفضت اشتراكها بها نظراً لعدم امتلاكها سيرة ذاتية في مجال الرسم آنذاك. ذاع صيت آيه طارق بعد مشاركتها بشخصيتها الحقيقية في فيلم "ميكروفون" للمخرج الشاب أحمد عبدالله، وتم عرضه في عام 2010، ويطلق عليها زملاؤها "ملكة جمال الأزاريطة"، ولا تنسى ملكة جمال الأزاريطة فضل جدها عليها، الفنان حسن إبراهيم، الذي رسم العديد من أفيشات الأفلام في زمن الفن الجميل، وأشهر أعماله افيش فيلم "زنوبة"، و"العمر لحظة"، و"أغنية الوداع". وتؤكد آيه أنها أخدت الموهبة منه، واستلهمت فن الجرافيتي منه، حين كان يعرض أعماله في الشارع أمام المحل الذي كان يرسم به، وفي 25 يناير من عام 2011، أتت الثورة لتصبح نقطة تحول في تاريخ الجرافيتي في مصر، فالميدان كان المكان الذي تلاقى فيه رسامو الجرافيتي، وتكونت رابطة فناني الثورة، لتجعل الجدران تنطق بمطالب الثورة، و الآن لا تمر في شارع إلا ووجدت به جرافيتي. جدران الحرية "زفتاوي".. اسم حركي لفنان جرافيتي يرفض الإفصاح دائما عن هويته الشخصية، ولا يعرفه إلا زملاؤه، الذين شاركوه في الرسم، يقول زفتاوي إنه كان ومازال متأثراً بفنان الجرافيتي العالمي بانكسي، الذي ذهب إلى الجدار العازل في فلسطين ورسم عليه رسومات جرافيتي مناهضة للاحتلال الاسرائيلي، مؤكداً أنه حاول رسم جرافتي قبل الثورة ولكنه فشل، لتأتي الثورة وتعطيه عزيمة فوق عزيمته، لتنطلق رسوماته على الجدران، ويعترف أن الجرافيتي في مصر سياسياً فقط، متمنياً أن يصبح الجرافيتي متنوعاً في الفترة القادمة. حالة كر وفر بين النظام وفنانى الجرافيتي في مصر، نظراً لأن أغلب رسومات الجرافيتي تحمل رسائل معارضة للنظام الحاكم، فالجرافيتي يتبعه عملية مسح من جانب البلدية، وفي بعض الأحيان يتعرض فنانو الجرافيتي لعملية اعتقال، ليتم توجيه تهمة التخريب لهم، ولكن فناني الجرافيتي كان لديهم حلول لتأريخ أعمالهم، فيصور الفنان عمله وينشره على مواقع التواصل الإجتماعى، وبعد ثلاث سنوات من الثورة تم جمع كل رسومات الجرافيتي الخاصة بالثورة في كتاب حمل عنوان "جدران الحرية"، لكن الجمارك قامت بمصادرته، لأن الكتاب يحمل رسائل معادية للجيش والشرطة، وذلك من وجهة نظر النظام الحاكم. ثورة على الروتين عمار أبوبكر فنان جرافيتي ومعيد في كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر، يؤمن أن الجرافيتي طريقته في التعبير عن أفكاره، للدرجة التي جعلته يمارس رسم الجرافيتي أثناء الاشتباكات، ويقول: كنا نرسم رغم حالات الكر والفر في الاشتباكات، وفي بعض الأحيان كنا نأتي لنكمل الرسم في اليوم التالي فنجده قد أزيل، وكان ذلك شيئا متوقعا، ولم أكن أحزن بل كنت أزداد إصراراً، وأعشق رسم الشهداء تخليداً لهم. استغل عمار موقعه كمعيد داخل جامعة الأقصر، وأدخل الجرافيتي إلى الجامعة، وبعد عام من الثورة كان مشرفاً على عشرة مشاريع للتخرج كان منها ثمانية مشاريع عن الثورة، مؤكداً أن أعمال الجرافيتي داخل كليته كانت بمثابة الثورة على الروتين الذي يحكم مشاريع التخرج، والذي يجعل الطلاب يتحملون تكاليف باهظة عند تنفيذها. أسباب عديدة تجعل فن الجرافيتي مستمراً في مصر، في مقدمتها أن هذا الفن وسيلة احتجاج تعبر عما يعانيه الأفراد داخل المجتمع، وذلك من وجهة نظر محمد جاد الذى يطلق عليه زملاؤه لقب "المشير"، ويؤكد محمد جاد أن فن الجرافيتي هو وسيلة تعبير أبناء جيله أفكارهم، وأنه كان يرسم الكاريكاتير في الصحف، ولكنه أراد أن يتعلم الجرافيتي ليجعل الجدران صحفاً تنطق بما يدور في عقله. (خدمة وكالة الصحافة العربية)