باطاحته بنظام الدكتاتور البشير يكون الشعب السوداني هو أول شعب في العالم يسقط ثلاث أنظمة عسكرية دكتاتورية بثورات شعبية سلمية في أقل من قرن . على التاريخ ان ينحني اجلالا لهذا الانجاز ، و ان يحفظ للسودانيين اصرارهم على إسقاط الأنظمة الدكتاتورية بثورات شعبية سلمية مرة تلو أخرى . ما قام به السودانيون في هذه الثورة من انتصار سلمي على أعتى دكتاتوريات أفريقيا يعتبر أمرا اشبه بالمستحيل ، فقد كان كل شيء من حولهم ينبيء باحتمال انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية مدمرة ، فالاقليم من حولهم مضطرب و مليء بالحروب التي أعقبت ثورات شعبية مماثلة ، بالإضافة إلى وجودهم في بلاد تعاني من حروب طويلة الأمد ، مع وجود أكثر من أربعة جيوش مسلحة داخل البلاد ، هذا بالإضافة الى مجابهتهم لتنظيم ديني مهووس بالقتل و الإبادة . رغم كل ذلك لم يتخلى الشعب السوداني عن سلميته، سقط عشرات ثم مئات الشهداء و آلاف المصابين و لم تفتر عزيمة الثوار و لم تلن لهم قناة ، و ما حملوا سلاحا و لا مطرقة بل وقفوا كما وقف الشهيد عبدالعظيم شامخين امام الرصاص و البمبان حتى انتصروا . ما فعله الشعب السوداني طيلة خمسة أشهر من التمسك بالسلمية رغم المنعرجات الخطيرة التي مرت بها الثورة و التي كانت كفيلة بدفع أي شعب لحمل السلاح ، يعتبر أعظم دور قام به شعب في العصر الحديث من أجل المحافظة على السلام الداخلي و العالمي ، مما يجعله شعب مثال ، و انموذج يحتذى . لذلك أرى من المنطق ترشيح ثورة السودان لجائزة نوبل للسلام ، فالسلام الذي حافظ عليه السودانيون خلال هذه الثورة و دفعوا من اجله ثمنا باهظا ، كان سلاما لا يحافظ عليه الا الأقوياء أصحاب الارادات الجبارة و البصيرة النافذة ، كان سلاما من الصعوبة بمكان المحافظة عليه و لكنهم فعلوها و حققوا المستحيل و قدموا الدروس و العبر في النضال السلمي من أجل اقتلاع الحرية و الديمقراطية للمرة الثالثة على التوالي ، و هو شيء نادر . فليتقدم شعب السودان نحو جائزة نوبل، فما حققه للسلام بهذه الثورة ، لن يكون له مثيل في اي مكان في العالم في هذا التوقيت من تاريخ البشرية . يوسف السندي