سلماً كان وما زال هو الشعار، الذي صدحت به حناجر قوى الكفاح المدني، لإسقاط نظام الجبهة الإسلاموية، الجاثمة على صدورهم، لثلاثين عامًا من الظلم، والجبروت، والتنكيل؛ مما أجبرت قوى الكفاح المسلح، بمناطق الهامش، إلى حمل السلاح، ومواجهة الظلم والضيم، منذ نيل السودان (إستغلاله) عفوًا إستقلاله، وطرده للغازي المُغتصب، وظلت هذه القوى الوطنية، طيلة حُكمها للبلاد، تسرق القوت، والموارد، والخيرات، لتستغله فئاتٍ قليلةٍ من الأفراد والبيوتاتْ، التي نصّبت نفسها وصيَّة وقيِّمة على العباد وحكمه؛ وفي سبيله بذلت جهدًا مُضنيًا، في ردْع كل من تُسوِّل له نفسه، المساس في الحكم، أو السؤال عن الحقوق والواجبات، أو طلب العيش الكريم، ثم تُكيلُه بسيلٍ من نُعوت السِباب والشّتائم، بالألفاظ النابهه والمُقللة والمُحتقرة، للإنسانية والكرامة؛ وتعمل على إلصاق تُهم التمرد، والخروج على السلطان، أو الحاكم بأمر الله؛ على حركاته التحررية، المُطالبة بإسترداد الحقوق؛ السلطان أو الحاكم الذي، يعتقد أن حركات الكفاح، قد عصتْهُ وإستنْكرتْهُ حقّ الوِصايَة؛ مما يتطلب سحقها، وسحْلها من خارطة الوجود، بإعتبارها خائنة للوطن، وتشكل طابورًا خامسًا، تتعاون فيه وتقدم يدها صاغرة، للقوى الشريرة: الكافرة، والمُلحدة، واليهودية، والنصرانية؛ المدنسة للدين ومقدساته الإسلامية، والناشرة للسفور والفواحش؛ والعاملة على إستبدال المؤسسات المؤمنة بالله، بأخرى كافرة به، السادرة في غيها وضلالها؛ مما جعل هذا السطان أو الحاكم، يشي أعوانه وانصاره، في التحريض ضد أهل القرى وقتلهم، فقط لأنهم آمنوا بحقهم في العيش الكريم، ولم يكتفوا بذلك بل حرقوا مساكنهم، وسلبوا مواردهم، وحرموهم من العيش الكريم؛ لأنهم يشكلون حواضن إجتماعية، لأبنائهم الخارجين عن سيّد البلاد، ومالكها وحاميها؛ ينبغي بتْرهم نهائيًّا من الجسد، وفي ذلك إستخدموا كل الآليات في التحريضٍ، حتى ذوي الأقلام الآفنة والمتعفنة، كان لها دلوها وسهمها في القتل والتحريض، وهي التي ظلت تُعزز من هذا الإتجاه، بإعتباره سرطانًا لا مناص من بتره؛ وبالطبع لا يتوقف الأمر هنا، بل يجب ذبح أبنائهم وإستحياء نسائهم، لتتحقق المشيئة السلطانية أو الحاكمية؛ ولكنه وبعد مخاضٍ عسيرٍ من النضال والتضحية، قدّمت فيه قوى الكفاح، ما قدمت من دماءٍ ودموعٍ؛ ها هي اليوم، تنتزع إعترافًا واضحًا وصريحًا بحقها النضالي، وعدم أحقية الفئة المتسلطة، فيما ظلت تستأثر به، طيلة حكم البلاد؛ وذلك بأمرٍ من الشعب، الذي هبّ لنجدة البلاد من القهر والظلم، وإقتلاع نظام الفرد الطاغوت، و(الشلة) الشمولية؛ عندما نعت هذه القوى المسلحة، بحركات الكفاح، بدلاً عن حركات التمرد؛ وأصبح الخطاب السياسي والثقافي … الخ، في وسائل الإعلام، وعلى ألسن السياسيين والمحللين، وقادة الرأي، وبقية السابلة، يجري هذا المجرى، ليصفوها بحركات الكفاح؛ مما يؤكد عدالة القضية، والإقرار بالظلم التاريخي، الذي وقع على هذه الشعوب المُهمّشة؛ ودعوة صريحة للعمل جدِّيًا، والبتّ في تلبية إنزال إستحقاقات هذا الإعتراف، على أرض الواقع، بكافة مساراته المتباينة، (سياسةً، وإجتماعًا، وثقافةً، وخدمةً)؛ حتى تنعكس سلامًا حقيقيًا، وتنميةً مُستدامةً، عبر توفير الخدمات الضرورية، والبناء والتعمير؛ ومُعالجة جزور الأزمة، لطالما تم الإقرار بها، والإعتراف بعدالة القضية؛ وحسنًا فعل وفد المجلس السيادي، عندما جلس مُفاوضًا قوى الكفاح المسلح، والوصول معها إلى وثيقةٍ إطارية، وخارطة طريقٍ، بهدف الوصول إلى إتفاق يَحقن الدماء، ويَدمل الجِراح، ويُعوِّض التضحيات؛ فالمُتتبع لكتاب الإتفاق الإطاري، يقرأ من بين سُطوره، أنه من واجب الحكومة الآن، إطلاق سراح كل الأسرى، وإلغاء كافة الأحكام الصادرة، في حقّ بعض قيادات قوى الكفاح المسلح، والعمل على رفع قيودها وحظرها، من الدخول إلى حضن الوطن، وضرورة السماح والتسهيل لعودتها إليه، بجانب فتح الممرات والمسارات الإنسانية، لإيصال المعونات للمتضررين والنازحين، الممنوعين منها، طيلة نُشوب الصراع المسلح، بين هذه القوى الكفاحية جميعها (مسلحة ومدنية) من جهة، وحكومة المتأسلمين الساقطة من جهة أخرى، خاصة بمناطق التهميش، التي تتواجد بها هذه القوى الكفاحية، مع ضرورة إرجاء تشكيل المجلس التشريعي، وحكومات الولايات، حتى الوصول إلى إتفاق نهائي بين الأطراف؛ وكل هذا يُبرهن ويؤكد رغبة الأطراف، في طي صفحات الحروب والإقتتال، الذي أنهك جسد البلاد وأزهق روحها، وأضاع نسلها، كما أهدر زرعها وضرعها؛ وصارت بلادي تتكفف الناس إلحافًا، وتسألهم تضورًا، وهي البلاد التي (تكرْم الضِيف.. وحتّى الطير يَجيها جيعان…). نور الدين بريمة [email protected]