تعلم السودانيون دروسا قاسية بعد أن أطاح الانقلابيين بحكومتي الديمقراطية في 1969 و 1989 ، و لا يود احد ان تتكرر هذه الدروس مجددا مع حكومة ثورة ديسمبر ، و لذلك هناك حرص شديد من الثوار و الجماهير على حماية الثورة و العبور بها رغم التعقيدات الكثيرة التي يعاني منها الوطن . من أكبر هذه التعقيدات تمدد ازرع النظام القديم في أجهزة و مؤسسات الدولة ، فالكل يعلم أن ثلاثين سنة من الحكم لم ينفقها النظام على السطح فقط ، و إنما غار عميقا في داخل أوردة و شرايين الدولة المدنية و العسكرية فيما عرف عندهم بسياسة ( التمكين ) .
عملية تفكيك التمكين من اعقد العمليات التي تجري الآن في الدولة و من أكثرها صعوبة و يلزمها وقت ليس قصيرا لكي تكتمل ، و هو الوقت الذي قد تستثمره هذه الدولة العميقة في عرقلة مسار الحكومة الانتقالية و في إثارة الهلع وسط الجماهير و في مراكمة الأخطاء و المشاكل في الدولة مما يظهرها بمظاهر الضعف و عدم المسؤلية ، و هي الاسباب التي قد تجعل الشارع يثور علي الحكومة الانتقالية ، و هو بالضبط هدف الدولة العميقة .
من الجيد أن قطاع واسع من الشعب قرأ جيدا دروس الثورات الماضية و علم ان مشاكسة الحكم الديمقراطي او مناهضته او تعريته لا يخدم سوى الشموليين الذين يتحينون كل فرصة للانقضاض على الدولة و إعادتها من جديد لعهود القهر و الكبت و انعدام الحريات ، لذلك تبدو محاولات الدولة العميقة محاولات يائسة يمثلها تماما النشاط الاسفيري البائس الذي يقوم به فتى الانقاذ المدلل حسين خوجلي ، و الذي يسود يوميا الاسافير باكيا مرة و متهكما مرة و محذرا مرة ، و لا ينتبه له أحد و لا يستمع اليه احد و لا يطرب له أحدا ، فالذي فعلته دولته دولة الإسلاميين بالشعب من ظلم و فساد مستخدمة الدين المقدس لم يترك لجماعتهم و لا كتابهم و لا صحفييهم موضع حبة من خردل في قلب الشعب السوداني ، لقد غادوره بلا رجعة و أغلق الشعب الباب في وجههم بلا رحمة .
و لكن الشموليين قد يغيرون جلودهم و قد يأتي شموليون جدد ، يلبسون لباس الثورة و يرفعون شعاراتها ، و هؤلاء هم الخطر الداهم ، و لكن الشعب واع و صاحي ، لقد علمته الدروس التاريخية الكثير و أصبح استاذا في العلوم السياسية و في مواجهة مكر الماكرين ، لذلك جيد ان تظل الشوارع حية و ان يظل الهتاف عاليا و ان تظل الأجيال الجديدة ( الراكبة راس ) حارسة للثورة و منتبهة و يقظة .