تفاجأ الوسط الإعلامي بحادثة طرد واعتداء ومنع صحفيين من حضور المؤتمر الصحفي الذي نظمه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مطار الخرطوم، والذي تحدث فيه عن نتائج مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة وزيارته لفرنسا، وشهد المؤتمر الصحفي منع واعتداء جسدي من قبل أمن صالة كبار الزوار على الصحفي أحمد يونس مراسل صحيفة الشرق الأوسط بالخرطوم، وشوقي عبد العظيم موفد صحيفة التغيير الإلكترونية، وصحفيين آخرين، في حادثة وصفها الكثير من المتابعين بأنها تدل على استمرار سيطرة الذهنية السلطوية القديمة على مناهج العمل والقائمين على مفاصل الدولة. بالرغم من اعتذار رئيس الوزراء للصحفيين عن ما جرى لهم، وتأكيده لحقهم القانوني في رفع المسألة للقضاء، إلا أن ذلك لم ينه الجدل الدائر حول المسؤول عن الحادثة، وعن العقلية التي تدير الشأن الإعلامي في مكتب رئيس الوزراء، خاصة وأن الوسط الإعلامي استبشر خيراً بحديث رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه حكومته، موضحاً أن الاعلام الذي كان يعمل في ظل الوضع الشمولي يختلف عن الوضع الديموقراطي التعددي، ومبشراً بعهدٍ جديد وأفضل من ذي قبل، الأمر الذي جعل ردود الأفعال قوية على حادثة منع الصحفيين والاعتداء عليهم في مؤتمر صحفي لرئيس وزراء حكومة الثورة التي ظلت الحرية تتصدر شعاراتها. إدانات شديدة ودعوة إلى مقاطعة مجلس الوزراء وقد أصدرت شبكة الصحفيين السودانيين واللجنة التمهيدية لاستعادة نقابة الصحفية بيانات شديدة اللهجة، ادانت فيها ما حدث من انتهاك لحق الصحفيين في الوصول إلى المعلومة ومنعهم من أداء واجبهم، بالإضافة إلى بيان تجمع المهنيين الذي وصف الحادثة بأنها جريمة في حق الثورة وأنها تهدف لخلق أبواق سلطوية جديدة محابية للسلطة. بأشد العبارات، أدانت شبكة الصحفيين السودانيين هذا المسلك، ووصفته بأنه يشير بجلاء إلى أن عقلية النظام البائد في التعامل مع الصحفيين لازالت هي التي تسير مكتب رئيس وزراء، وثمنت الشبكة في بيانها اعتذار رئيس الوزراء، إلا أنها أكدت أن الضربات "المهينة" التي تلقتها أجساد الزملاء من أفراد الأمن أوجعت سائر الجسد الصحفي، ما يستدعي فتح تحقيق شفاف حول الواقعة ومحاسبة مرتكبيها وفقاً للوائح والقوانين، وبما يعيد للصحفيين حقهم كاملاً دون نقصان، كما دعت الشبكة جميع الصحفيين لمقاطعة جلسات وفعاليات مجلس الوزراء لحين إجراء تحقيق شفاف في الواقعة، وطالبت الشبكة بآلية جديدة تحترم الصحفيين وتمنحهم مكانتهم كسلطة رابعة، تمثل صوت الشعب وعينه الرقيبة على أداء السلطات الثلاث. آلية اللستة نهج انتقائي دعا كثير من الاعلاميين إلى تغيير النهج الرسمي في التعامل مع وسائل الاعلام، النهج الذي كان سائداً في النظام البائد، حيث يسمح لعدد معين من الصحفيين حضور وتغطية الفعاليات الرسمية، خاصة تلك التي يكون طرفها رئيس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، الأمر الذي لم يتغير حتى الآن، وقد مُنع صحفيون من تغطية حفل التوقيع الرسمي بقاعة الصداقة، بحجة أن أسماءهم لم تكن ضمن "اللستة"، ولم تشفع لهم بطاقاتهم التي تحمل نصاً بالرجاء من السلطات المختصة تقديم المساعدات لتسهيل المهمة الصحفية لحامل البطاقة. دعت شبكة الصحفيين إلى وضع أسس جديدة من قبل مجلس الوزراء في التعامل مع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، بخلاف الآلية التي وصفتها ب"الانتقائية البغيضة" ودعت كذلك إلى ابتداع أساليب جديدة تتيح لجميع ممثلي وسائل الإعلام الحصول على المعلومات، وتغطية الفعاليات الحكومية عبر بطاقتهم الصحفية دون اتباع آلية "اللستة" التي تجعل حق الحصول على المعلومة مقصوراً على مجموعة منتقاة من الصحفيين. من هو المسؤول إذا ؟ حمّل بعض الناشطين والصحفيين المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء مسؤولية ما حدث، حيث قال مصدر فضل حجب اسمه ل"الجريدة" إن داليا الروبي هي المسؤولة عن ما جرى، وأضاف ان الأمن ينفذ توجيهات المسؤولين، وأَضاف ان داليا وضعت قائمة محددة، والأمن نفذ هذا التوجيه بالسماح فقط لمن وردت أسماءهم في القائمة، ونقلت صحيفة الانتباهة التي مُنعت مندوبتها من الدخول للتغطية، نقلت: " الأجهزة الأمنية منعت بعض الصحفيين بحجة تسمية المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء داليا الروبي قائمة بأسماء محددة "، كما جاء في الانتباهة أيضاً تهديد داليا الروبي لبعض الصحفيين بالاستغناء عنهم في التغطيات الصحفية لرئيس الوزراء والاكتفاء بوسائل الاعلام الحكومية. بالرغم من ذلك، فإن رئيس الوزراء في رده على المداخلة الوحيدة التي سُمح بها للصحفي أحمد يونس، ذكر بأن الأجهزة التي ظلت لفترة طويلة من الزمن تعمل في مناخ مختلف لا نتوقعها بين يوم وليلة أن تتغير، هذا التصريح لم يعجب الكثيرين، حيث اعتبره الناشط السياسي أحمد جعفر بأنه يستبطن تبريرا، مؤكداً بأن المبادئ الديموقراطية ذات قيمة صفرية، أي أنه ليس هناك حدث صغير يمكن الصبر عليه وآخر كبير يمثل أولوية، فقمع صوت صحفي واحد يعادل كل كبيرة وخطيئة بحق الحرية والديموقراطية، وقال جعفر إن هذه المبادئ اذا كُسرت مرة واحدة فقط، فهذا يعني سقوطها الكامل الشامل. ماتزال حرية الاعلام والتعامل معها باعتبارها الركيزة الأقوى في المحافظة على الأنظمة الديموقراطية، وذلك بتمكينها من تصحيح أوضاعها كلما اعتراها خلل، ما تزال بعيدة عن تصورات بعض المسؤولين، فالحرية عموماً، وحرية الاعلام تحديداً، إذا تمت صيانتها، يمكنها أن تكون الضامن للحقوق الأخرى، وتكون درعاً يحمي الناس من داء الفساد والاستبداد، فيما لو فشلت السلطات الأخرى. الجريدة