بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    راشد عبد الرحيم: امريكا والحرب    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    محمد وداعة يكتب:    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    عالم «حافة الهاوية»    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساجلات محفوظ بشري ومنتصر ابراهيم "1"
نشر في الراكوبة يوم 27 - 10 - 2019

(سيتم إضافة النقاش مني ومن منتصر في المنشور الرئيسي كل مرة بعد إنزالها في التعليقات)
———————
ملاحظة جديدة: لم يقبل فيسبوك إضافة المزيد من الكتابة على البوست الأصلي، سيتواصل الحوار في التعليقات
———————–
خطابات إلى منتصر إبراهيم الزين،،
تجده بخير..
الخطاب الأول:
عزيزي منتصر،،
حتى الآن لم أفهم الدوافع الحقيقية التي جعلتك تتبع "حميدتي" او كما تسميه "الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو" – ويدهشني تقبلك للطريقة التي حصل بها على هذا الاسم، وبي رغبة صادقة للتحاور حول هذا الأمر إن شئت، فثمة الكثير من التساؤلات التي تدور بخلدي، كذلك هناك الكثير من المواقف التي أعتنقها حول "حميدتي" وما يفعله وما ينوي فعله، هي مواقف بالتأكيد – مثلها مثل غيرها – ليست حقائق قاطعة لا تقبل التغيير، لكن إلى أن تظهر الإشارات بعكس ما انبنت عليه، فستظل هي المحدد لموقفي منه ومن المؤسسة التي أراها "خارجة" و"خطيرة": الجنجويد، أو إن شئت: الدعم السريع.
بداية لدي فضول لأعرف: لماذا حميدتي؟ ما الذي جعلك تختاره وليس الحلو أو عبد الواحد أو جبريل… الخ؟ ما الذي يميزه عنهم؟
أيضاً أتساءل: ما الذي يريده حميدتي بالضبط، أعني ما يريده حقاً وليست تلك التعميمات التي أشبعتنا منها القوى السياسية. لابد أنك تعرف، لابد أن هناك مشروعاً جعلك تتبعه أليس كذلك؟
سؤال آخر يتعلق بك أنت وبما خلتُ أنني أعرفه عنك بعد كل تلك السنوات: هل ترضى بحكم عسكري أو بحاكم عسكري؟ ناهيك عن رجلك الذي لو حاولت مجاملته فلن أسميه بأكثر من "شبه عسكري".
هذه خطوط أولية لحوار أتمنى أن يتسع صدرك لقبوله والاستجابة له.
في انتظار ردك.
منتصر:
Mahfoz Bushra العزيز
تحياتي وتقديري عبرك للمتابعين، الذين أبدو رغبة في متابعة نقاش مثمر، حول أكثر القضايا المثيرة للجدل.
أولاً :عن دوافعي وراء تبعية حميدتي، أرى أن كلمة (تتبع)، غير دقيقة لذلك اطلب تغييرها ؛ بأن تكون تأييد حميدتي، أو كما أرى.
للإجابة على هذا الجزء؛ أرى أن هناك أسباب كثيرة، بعضها ترتبط بوقائع أيام الثورة كدوافع سياسية ، وأهمها ما أعلنه الفريق أول حميدتي يوم 25/اتناشر في خطاب شهير، وربما الأشهر والابرز في مسيرة تلك الأيام، ربما ألاكثر أهمية من موكب 6 أبريل نفسه ؛لأنه يأرخ لأهم تجربة عصيان أو إعتصام في تلك الفترة، وهو الخطاب المعروف بلقاء طيبة، ففي ذلك الخطاب سقط النظام عسكرياً، وإنهد ركنه الركين، وهو مبزول في اليوتيوب، أرجو مشاهدته بتمعن لمن يحتاج أن يتفكر ويحلل دوافع حميدتي ورؤيته للتغيير ، و ساشاركك أهم جزء من أقواله، وأكثر ما لفت نظري، وشعرت أن هناك مثير لابد من استجابة، وذلك حينما قال :(تاني مافي أولاد مصارين بيوض ومصارين زرق). هذه العبارة هزت كياني، وأنت تعلم مشكلات وسياسات التمييز في هذه البلاد، وأعتقد أن حميدتي أكثر من اختبر هذا التمييز ضمن معايشته بالتجربة لأكثر نظام تمييزي، وانتقائي على مر تاريخ هذا البلد.
أدعوك إلى مشاهدة ذلك الخطاب، واعمال خيالك في تلك الأجواء، وهو وسط جحافل من الدعامة، الذين كانو يهتفون كثوار حقيقيين أمام قائدهم وهو يطرح لهم منفيستو جديد، ومن ذلك الخطاب تغيرت نظرتي لاتجاهات التغيير الذي كان يسير مترددا وتكاد الثورة أن تخبو أمام تردد القيادة السياسية في ذلك الوقت، لو تتذكر.
الأمر الثاني، يتعلق بتصورات فكرية سياسية عدة، مثل أزمة الدولة السودانية في بنائها الذي ينتمي لتصنيف مايعرف بدولة مابعد الإستعمار، أو مايعرف بأزمة الدولة الوطنية، والتي تتمظهر في: أزمة الحرب الأهلية وأزمة الديمقراطية والانهيار الاقتصادي.
أعتقد أن هذه الأزمات الثلاثة، تقف ورائها ثلاثة أركان في بنية الدولة، أو هي تمثل حجار الزاوية في هذه الدولة، وهي :
_مشكلة المؤسسة العسكرية.
_مشكلة القوى الإجتماعية والسياسية المهيمنة على جهاز الدولة.
_مشكلة الطبقة التجارية المسيطرة على مجموع القدرات الإقتصادية.
أعتقد أن هذه القوى الثلاثة مرتبطة مع بعضها ارتباط عضوي، وهي التي تقف حجر عثرة أمام التغيير الجذري والذي يقود إلى بناء الدولة الوطنية، أو الدولة المدنية إن شئت.
في تحليل وتوصيف جميل لعلي مزروعي،(بتصرف) يقول ان حركة المجتمعات والدول مابعد الإستعمار؛ فإن هناك شكل من التغييرات تحدث في علاقات السلطة التي ارساها الإستعمار، وذلك ببروز أنماط جديدة للعلاقات _إجتماعية وسياسية وثقافية، وأن البنى التقليدية الكانت موجودة قبل الدولة الحديثة لا تزول إلى الأبد ؛ كل هذه المكونات تتفاعل في علاقة تحلل، أي أنها تتحلل، وصفها بتحلل بزرة المانجو، ويقول؛ أن البزرة في تحللها تضم كل عناصر المجال الحيوي، من تربة وماء وهواء واسمدة وخلافها، لتتحول هذه البزرة إلى شجرة.
التحلل الذي يتحدث عنه مزروعي، يقول انها تأثر في بناء الدولة الحديثة، وتأخذ عندها هوية جديدة، بالضبط كهوية البزرة التي أصبحت شجرة. وهذا بالضبط ما يحدث الآن في السودان كما أراه.
النقطة الأخيرة في الشرح المبسط لفكرة التحلل، يقودنا إلى النقطة الثانية اسئلتك، والخاصة بتقبلي لطريقة حصول محمد حمدان دقلو لرتبة الفريق.
أنا مبسوط جداً لرتبة سعادة الفريق أول لإنه يدلل على تحلل أهم ركن من أركان ومؤسسات الدولة الاستعمارية،المتمثلة في المؤسسة العسكرية وهي تدلل أنها مؤسسة غير أصيلة في نظمها، وأنها قابلة للتلاعب. طبعاً حسب مفاهيم الكيمياء، إذا تحلل عنصر من العناصر فإنه يستحيل أن يتفاعل عكسيا،أي أن يعود إلى حالته الأولى ودة المطلوب، أو أحد أهم مطلوبات التحول والانتقال إلى الدولة الوطنية.
يتبع، لتتبع مسيرة تحلل بنية الدولة الاستعمارية، والتي يلعب فيها الدعم السريع وحميدتي الدور المحوري.
منتصر:
2
قبل أن نعود إلى تتبع خيط النقاش حول التأسيسات النظرية التي افترعتها، والمتعلقة بتحلل الوضعية التاريخية في مؤسساتها، ونحن في نقطة مؤسسة الجيش، أعود إلى نقطة المواقف التي تعتنقها حول حميدتي كماقلت ،ومايفعله، وحول مؤسسة الدعم السريع.
أعتقد أنك حر في اعتقادك؛ ولكني أرى من الضروري أن تقدم رؤيتك حول الوضع الحالي الذي يلعب فيه حميدتي أدوار إيجابية دافعة في إتجاه التغيير،بل يظهر حرص بائن على عدم عودة الوضع القديم، وقد أشرت لك الي أهم هذه المحطات في خطاب طيبة الشهير في الخامس والعشرين من ديسمبر، الذي قام بالتبشير بانتهاء حقبة كاملة من عدم الاتزان في الدولة ، تظهر في مقولته الشهيرة،تاني مافي أولاد مصارين بيوض ومصارين زرق و(زمن الغتغتة والدسديس انتهى)، وهي المقولة التي أعتقد أنها تلخص الكثير، حتى أن الكثيرين يستخدمونها كلازمة في الشفاهة اليومية للقطع في إتجاه الوضوح للآخر أو الوضوح بصورة قطعية .
حميدتي، يتم رفضه بشكل جزافي ومتعسف، لأنه بعيد _مقصي ومستبعد عن الخيال السياسي والشعبي لمجتمع دولة الصفوة.
هو حبيس تفكير نمطي، يساء به الظن بإستمرار، طبعاً متعللين في ذلك باوصاف ونعوت معلبة وجاهزة وكليشيهات متناقلة عبر وسائل الإعلام، تشكلت إبان أزمة الحرب،جنجويد منتهك لحقوق الإنسان ومجرم حرب وباطش ومرتزق وخلافها. أرى أن هذه الصورة بعيداً عن الدخول في تفنيدها، والرأي حول صحتها من عدمها؛ لكني أعتقد أن آلة تشكيل الرأي العام والتلاعب بالادراك العام لدى جهاز الأمن قد ساهمت في ذلك بصورة مدروسة لاتفوت على كل حصيف ، ويمكن الاستشهاد بحوادث احتجاجات سبتمبر 2013،والتي راجت على نطاق واسع بأن قوات الدعم السريع هي من تقف ورائها، إلى أن خرج حميدتي في برنامج حال البلد في قناة سودانية 24، ليعلن تفنيده للاكاذيب حول هذه المسألة، وكان حوار التحدي والمواجهة حينما قال : أحمد هرون مكانو السجن)، ففي ذلك الحوار انتزع حميدتي حقه في مخاطبة الرأي العام، بعد أن كان محروما من ذلك، ويتم التعتيم عليه بشكل متعمد ومقصود .
لكل ذلك أرى أن حميدتي ضحية صورة نمطية في الخيال الشعبي وحتى عقل الصفوة السياسية والمثقفين بطبيعة الحال ، ببساطة لأن بنية الدولة السودانية في تكوينها الاستعماري مبنية على التناقض، التناقض بين انسان الريف وانسان المدينة، والتناقض بين القوى الحديثة والقوى التقليدية؛ قد يقول قائل أن هناك اختلاف طبيعي ومنطقي بين انسان الريف وانسان المدينة وبين القوى الحديثة والقوى التقليدية، طبعاً هناك فرق بين الاختلاف والتناقض، يتمثل الإختلاف في التفاوت الطبيعي بين البشر، التفاوت الحضاري والتاريخي والتفاوت في الدخل وما إلى ذلك من المظاهر التي تصنعها الحياة المدينية، وقد أشار إليه جان جاك روسو باسهاب في مؤلفه الأشهر؛ تحت عنوان أصل التفاوت بين البشر، وهو شرح يناسب حالتنا الراهنة، ومشكلة الصفوة وأهل المدينة مع (حميدتي الراعي)، كتجسيد حي لأهل البدو (عرب ساكت) كما درجت عليه اللغة اليومية في المدن .
وبالعودة إلى الفرق بين الاختلاف والتناقض، أشير إلى أن التناقض فعل مصنوع بسياسات وتدابير وإجراءات يتم تكريسها لغرض معين؛ وإنتاجها بإستمرار، وهنا أشير إلى سمة بنائية في سياسات الإستعمار( ودولة مابعد الإستعمار) ، بأنها تقوم بعمليتين ترتبطان مع بعضها البعض، تتمثل في وضع سياسة الجباية وسياسة التناقض في المجتمع، وهو ما ظل سائدا إلى يوم الناس هذا، أي أن حميدتي يمثل وضعية تاريخية لا يملك الناس منها فكاكا إلا بجهد فكري ومعرفي لتحليل الظاهرة،ورفضها (دور المثقفين )، وأعتقد أن الجميع قد سقط في هذا التحدي، ووقعت رهينة لوضعية التناقض التاريخي بين، الشمال والغرب _الزرقة والعرب _المركز والهامش. وهنا يظهر تناقض الحاضر بين( الجيش والدعم السريع)، ودة موضوع مهم نناقشه في موضع آخر .. إلخ. لذلك يتم النظر إليه _حميدتي بريبة وتنسج حوله الشكوك والمخاوف، وتعمل آلة زراعة التناقض ليل نهار وبدأب مستميت لإبقاء هذه الحالة، وأراك يامحفوظ واقع في حبائلها،ارجو أن يسهم حوارنا في الفكاك منها ولو قليلاً من خلال الإقتراب بالبحث عن سيناريوهات حلول الأزمة الوطنية، والتأسيس لمشروع وطني في المستقبل القريب يجب أن نعمل من أجله.
يتبع…
3
لماذا حميدتي.
حميدتي كما أشرت لك في (2) ، هو وليد التناقض الفرعي للواقع في دارفور كعربي،في مقابل زرقة.
التناقض دة طبيعي من جانب ومن جانب آخر مصنوع بسياسات الدولة احيلك إلى كتاب صديق امبدة (التعليم والفوارق التنموية) كمثال .
منطق التناقض دة اختزل المكونات الإجتماعية دي في قوالب نمطية جاهزة،تم تكريسها بشكل مركزي في الجامعات والأحزاب والمجتمع المدني، وتم من خلالها صناعة المخيلة الشعبية المسيطرة الآن . فالعرب تم اختزالهم في خانة الجنجويد كاشرار بصورة مطلقة _والزرقة مناضلين من أجل الهامش، وخيرين. بينما الواقع يقول أن العرب، هم الأدنى في سلم التراتبية الإجتماعية بمقياس الحصول على الخدمات من تعليم وصحة وخلافها، والأقل حظاً في تقلد المناصب الإدارية (تجربة نواب البشير العرب، يجب فهمها في إطار تكريس التناقض)، والأقل في الإتصال بجهاز الدولة، فهم الأقل حظاً في الإعتراف بتجربة نضالهم من أجل الحقوق، لأنهم محرومين بائسين في مقابل نضال المهمشين الأوفر حظاً في توصيل صوتهم والاحتجاج، والحصول على فرص الدعم والمناصرة من دوائر عدة محلية وإقليمية ودولية .
هذا التناقض يمكن ملاحظته حتى في التمييز بين الحركات النضالية في الإقليم، إذ أن هناك حركات مسلحة تأخذ حظها من الدعم والمناصرة، كحركة تحرير السودان والعدل والمساواة، وحركات أخرى لا يكتب لها النجاح لحرمانها من الدعم والمناصرة كجبهة القوى الثورية التي جاء منها حميدتي، حميدتي الذي لا يتصور المخيال الشعبي بأنه يحمل في وعييه وفي حياته تجربة نضال في يوم من الأيام ،وأنه كان متمرد مع عبدالواحد، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال استغراب قطاع واسع من الناس أنه هتف ودعى جماهير غفيرة للهتاف بالمدنية _مدنياووو، تتذكرو؟. ولازال الناس يستعجبون حينما يقول، أننا أصحاب مصلحة حقيقية في شعارات الثورة _حرية سلام وعدالة. لماذا لا يتم تصديق حميدتي بأنه فعلاً صاحب مصلحة في شعار _حرية سلام وعدالة؟
إنها سلطة التناقض المركزي ياسادة، فهي وضعت الرجل وجماعته في مرتبة دون البشر، لايصدق!!!!
للنظر إلى الجانب الآخر من التناقض :
يعلم الكثيرين من الأصدقاء بأني كنت في يوم من الأيام عضو في حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد، ومن ثم عضو في حركة تحرير السودان مع مناوي، وكل هذه الحركات كان ينتظرها الناس لإسقاط النظام، وذلك بانتظارعا أن تدخل الخرطوم وتقوم بتدمير آلة الدولة القمعية من جيش وشرطة وجهاز أمن،كما دخلت الفاشر، ودخول خليل إبراهيم عليه رحمة الله بعملية الزراع الطويل، أليس كذلك؟!وطبعاً بعد أن تنتصر قوات الحركات المسلحة، ستصبح هي القوات النظامية في الدولة، أو قل مع بعض التعديلات واندماجها في ماتبقى من الجيش، ليشكلو قوات الشعب المسلحة الرسمية ، أليس كذلك؟!، أليست هذه هي الصورة النهائية المتخيلة والمنتظرة، كتلك التي قام بها مليس زيناوي في إثيوبيا وكابيلا في الكونغو؟!
طيب ماالمانع في تقبل أن يعتبر انحياز حميدتي وقواته في ليلة 11ابريل هو إمتداد لتلك الرغبة،وترجمة حقيقية لانحياز كتلة إجتماعية متعطشة للتحرر من عبئ الدفاع عن دولة ونظام ظلو هم في نظرها مجرد كلاب حراسة؟! ماالمانع في تخيل ذلك، وقد حدث عمليا، ورفعت صورة حميدتي في بوستر عريض في ميدان الإعتصام ذات صباح مفعم بنشوة الإنتصار _حميدتي الضكران الخوف الكيزان!!!
ماالذي حدث؟!
حدثت عملية مقاومة منظمة للتغير، بغرض عزل قوات الدعم السريع، وابعادها من المشهد، ولم يتم إدخالها إلى مهرجان الفرح بالانتصار، وبدأت الشيطنة، إلى أن حدث ماحدث.
برزت الدولة العميقة يامحفوظ، ممثلة في قوي إعلان الحرية والتغيير وجهاز الأمن وكتائب الظل، وكل القوى الحريصة على إبقاء حالة التناقض المركزي.
يتبع….
محفوظ:
العزيز منتصر، montaser Montaser Ebrahim
سأبدأ بلقاء طيبة الذي أشرت إليه، لقد شاهدته في يوم بثه على القنوات الفضائية، ولا أخفيك أنني عازفٌ عن تكرار مشاهدته. إن العبارة التي أثرت فيك و"هزت كيانك" كما أشرت: "تاني مافي أولاد مصارين بيوض ومصارين زرق"، وربطها بمشكلات وسياسات التمييز في هذه البلاد، ومن ثم بذلتَ اعتقادك في "أن حميدتي أكثر من اختبر هذا التمييز ضمن معايشته بالتجربة لأكثر نظام تمييزي". حسناً دعنا نتوقف هنا لوهلة يا صديقي، بدءاً من التساؤل الذي لا يحتمل في ظني قراءة متعجلة أو ملوّنة بالغرض، سواء مني أم منك أو من أي شخص يتابع هذا النقاش؛ التساؤل هو: أين مكان حميدتي في خريطة الأحداث السياسية والاجتماعية في السودان؟ وسأقتبس هنا – إن سمحت لي – من الجزء غير المنشور من حواري مع عمار جمال (الكراسة الثانية): "دخول الجنجويد كطرف في النزاع، غطى بحضورهم المجيَّر لصالح الثنائية الشهيرة (مركز – هامش)، على مكانهم الحقيقي ومن ثم طبيعة تحالفاتهم مع أيٍّ من طرفي النزاع. إن الافتراض الرائج هذه الأيام عن كون حميدتي ممثلاً لصعود قوى الهامش إلى سدة السلطة أخيراً؛ يتجاهل الكثير من المعطيات التي تنفي هذا الدور المسند إليه، والتي تجعل حميدتي حليفاً منطقياً لبورجوازيي المدن وعدواً مستغِلاً لفقراء الهامش الذين ولغ في دمائهم سلفاً لصالح المركز الذي يدخله الآن محاولاً مواءمة وجوده فيه بدلاً من الاستيلاء عليه أو تحطيمه مثلما يتمنى أصحاب مقولة إنه (صعود لقوى الهامش)، فالملاحظ أنه يحاول شراء القبول المركزي بالطرق نفسها التي يتبعها أي مركزي صعد بالقوة إلى السلطة، وليس تغيير قواعد اللعبة (…) في حال أعدنا فك وتركيب الواقع، بحيث نضع الحدود الطبقية والتمايزات المصلحية لها، ماذا نجد؟ جنود حميدتي، كولومبيا، ستات الشاي، مشردو اعتصام القيادة، دسيس مان في تجليه الأول، عمال اليومية الهامشيون، منفيو التخوم إلى العاصمة.. ما الذي يجمعهم حقاً مع حميدتي نفسه كتمثل سلطوي، ومع الطبقة الوسطى، قحت، طبقة السياسيين، ربيبي منظمات المجتع المدني الداخلية والخارجية، طلاب الجامعات السياسيين، تجمع المهنيين؟ إن الاستغلال الواقع على جنود الجنجويد أطفالاً وكباراً، والواقع على جمهور الحالمين الثائرين من داخل وخارج الطبقة الوسطى هو نفسه، من حميدتي وصانعيه، ومن قحت وعرّابيها. كلٌّ يبيع الأغلال والقيود التي يضعها الفقراء ليتم التضحية بهم واستخدامهم لتحصيل مصالح ليس لهم منها حتى الفتات".
وبالعودة إلى خطاب طيبة، أنت وصفت "جحافل" الدعامة الذين كان حميدتي يتحدث وسطهم بأنهم "كانوا يهتفون كثوار حقيقيين"!، حسناً هناك احتمالان لاستقراء هذه الصورة في ظني: الأول أنهم "ثوار"، والثاني أنهم غزاة. في الاحتمال الأول وبالنظر إلى طبيعة علاقة الجنجويد "الدعم السريع" مع قائدهم، فإن إطلاق وصف الثوار عليهم يستدعي بالضرورة أسقاط الوصف نفسه على حميدتي، أي أن العلاقة شرطية بينهما، فلا يمكن أن يكون أحدهما مختلفاً عن توجه الآخر. وفي هذه النقطة – هل حميدتي ثائر أم غازٍ – تكمن العقدة، أليس كذلك؟ في ما يخص رؤيتي فإن وصف حميدتي بالثائر لهو تزيُّد يبلغ حد التطرف، وهو ما آمل أن يبينه هذا النقاش في سريانه. أما الاحتمال الثاني، وهو أن حميدتي غازٍ فهو بالنسبة لي الأقرب إلى واقع الأشياء حالياً. ثمة فيل في الغرفة لا يريد أحد النظر إليه، وهو أن حميدتي يحتل السودان الآن تقريباً. ولحكمة آل كابون شبه كبير بوضعه الحالي في قوله: " You can get much farther with a kind word and a gun than you can with a kind word alone"، ففي كل الأحوال ماذا يساوي حميدتي بدون المليشيا؟ قد تقول لي أن المليشيا "قوات الدعم السريع كما تُسمى" هي الضامن لإبقاء القوى القديمة مهذبة، وهي القوى التي يمكن أن تفعل كل شيء في سبيل استعادة قبضتها على السودان، فهي تشبه اليوم الدودة التي تم إبعادها عن التفاحة، فهي محكومة الموت إن لم تعد إليها.
وبالرغم من هذا، إن نظرنا للأمر بعين "البراغماتية الحميدة"، فإن تحطيم الدولة بالنسبة لي أيضاً هو أمر جيد ومطلوب للخروج من المستنقع الذي نسبح فيه منذ 65 عاماً، وقد يكون حميدتي حالياً "بوعي منه أو بدونه" يعمل على هذا التحطيم، لكن لا ننسى أن هناك ثمناً غالياً لهذا، يرجعنا إلى ما هو معلوم بالضرورة كما أظن عن علاقة الأداة بالهدف لئلا تحتل الأداة مكان الهدف ونبدأ من جديد، حميدتي ديكتاتور في طور التخليق، وهو يبدو حتى الآن أنه نوع سيئ من الديكتاتوريين إن كان هناك سيئ وجيد فيهم، فهل يستحق حل معضلة بمعضلة؟ إن حميدتي وفقاً لما أستقرئه حتى الآن من سير الأحداث ومن جوعه الضاري للاعتراف المركزي به باذلاً المال والدعاية؛ ليس عدواً للدولة الوطنية المركزية التقليدية، إنه يريد وراثتها فقط، أي ان دافعه ليس الخير العام مهما بذل من خطابات "المصارين البيض والزرق"، بل هدفه هدف كل من حصَّل قوة مالية وعسكرية: أن يحكم.
لا يختلف ما يعد به حميدتي عن أي وعود انتخابية لن تتحقق أبداً في بلادنا الموبوءة بالسياسيين والخواجات السود. يشتري الآن قبولاً يمكنه من الدولة ثم يسترجع ما أنفقه مضاعفاً. الدولة لا تقوم على بطل، نبي، مخلص.. الدولة تقوم على القانون الذي سيحاربه حميدتي وأشباهه مهما تغنوا به. إن أي قانون مؤسس لدولة مدنية ديمقراطية لهو العدو الطبيعي لحميدتي بوضعه اللامدني واللاديمقراطي ومن ثم اللاقانوني في أي قانون في الكون. إذن دعنا نتجاوز البروباغاندا في خطاب طيبة، وفي خطابات لاحقة ستأتي تباعاً، ولندخل إلى صلب القضية: لورد حرب غني بمليشيا تطيعه طاعة عمياء يقف موازياً للدولة – أي دولة – قديمة أو سنشكلها، لورد الحرب هذا ينتظر فرصة الانقضاض على بلد شاسع غني لأسباب ليس من بينها رفاه الشعب حتى في صيغته الديكتاتورية المبتذلة. هذا ما أراه أمامي.
أما حديثك عن أزمة الدولة الوطنية، التي حددتَ تمظهراتها في "أزمة الحرب الأهلية، وأزمة الديمقراطية، والانهيار الاقتصادي"؛ فلنتجاوز مؤقتاً كون حميدتي ضالعاً حتى الثمالة في التمظهرات الثلاثة، ودعنا نتحدث عن اليأس من حل معضلات الدولة الوطنية الذي بلغ مداه.
أتفق معك في نقاط التشخيص الأولية التي أوردتها، لكن ما يثير حيرتي كيف أنك – كمثقف – ترى الحل في حميدتي؟ في مليشيا تدين لقائد أوحد فرد لا يتبع إلا ما تمليه عليه مصالحه ولا يحكمه قانون أو دستور؟ حميدتي عرض من أعراض هذه المعضلة الوطنية وليس حلاً لها يا صديقي، وموقفه من المشاكل الثلاث التي فصَّلتها في : "مشكلة المؤسسة العسكرية. مشكلة القوى الاجتماعية والسياسية المهيمنة على جهاز الدولة. مشكلة الطبقة التجارية المسيطرة على مجموع القدرات الاقتصادية"، ليس موقفاً تحكمه رؤية، بإمكانه التحالف مع هذه الأطراف إن ضمن أن هذا التحالف يمكن أن يسير به نحو هدفه، ومن قبل سعى للتحالف مع الإدارات الاهلية "مثلما فعل الإنجليز"، ثم ارتد صوب تقديم خدمات سطحية لمواطني المركز مثل النقل العام وليس حلولاً جذرية للمشكلات، وحتى إذا افترضنا أنه حل كل هذه المعضلات، فما التكييف القانوني الذي يبيح له فعل هذا الأمر؟ أليس جزءاً "بفرض الأمر الواقع" من حكومة تحكم الآن؟ إذن لماذا لم يوجه "دعمه" هذا إلى المؤسسات الحكومية المختصة بحل هذه المشاكل؟ أوليست البروباغاندا وليس الخير العام؟
قلت إن القوى الثلاث أعلاه "مرتبطة مع بعضها ارتباطاً عضوياً، وهي التي تقف حجر عثرة أمام التغيير الجذري الذي يقود إلى بناء الدولة الوطنية، أو الدولة المدنية إن شئت"، جميل يا صاحب، لكن كيف يقود حميدتي تغييراً يؤدي إلى بناء دولة وطنية أو مدنية؟ أين سيكون مكانه لو فعل هذا؟ إنك يا صديقي تتبع نبياً زائفاً.
قلت إنك "مبسوط جداً لرتبة سعادة الفريق أول لأنه يدلل على تحلل أهم ركن من أركان ومؤسسات الدولة الاستعمارية، المتمثلة في المؤسسة العسكرية وهي تدلل أنها مؤسسة غير أصيلة في نظمها، وأنها قابلة للتلاعب"، حسناً، المؤسسة العسكرية في سودان ما بعد الاستعمار ضررها أكبر من نفعها، حتى إنني اقترحت حل الجيش نهائياً ذات يأس. لكن كونها قابلة للتلاعب وفاسدة مما مكن حميدتي من الحصول على رتب عسكرية بدأها المخلوع وأكملها هو بنفسه بعده، هذا يصب في وراثة للمؤسسة العسكرية وليس تحطيمها بما يستدعي إعادة بناء على أسس جديدة. الأسس الجديدة التي أطمع فيها شخصياً هي نقيض لحميدتي وما يمثله ناهيك عن طموحه في جعل مليشيا رأينا "مهنيتها" في فض الاعتصام وسمعنا بها في دارفور؛ هي نواة جيش سوداني نطمع أن يكون وطنياً حامياً للدستور وتُبنى عقيدته على احترام الحياة المدنية مثلاً!
حميدتي لا يلعب "أدواراً إيجابية دافعة في اتجاه التغيير" كما تقول، أو ربما هو تغيير يخصه ويخص رؤيته! أما تقريرك بأنه "يظهر حرصاً بائناً على عدم عودة الوضع القديم" فهذا مفهوم، فإذا قارنا وضعه في "الوضع القديم" كمجرد أداة بيد البشير، ووضعه الحالي بوصفه الآمر الناهي بقوة السلاح في كل ما يخص الدولة؛ فإنه بالتأكيد لن يقبل بعودة "ذلك الوضع القديم" أليس كذلك؟
أما ما يخص الصورة الذهنية التي تتحدث عن غلبتها على الذاكرة الجمعية، وأعني قولك: "حميدتي، يتم رفضه بشكل جزافي ومتعسف، لأنه بعيد _ مقصي ومستبعد عن الخيال السياسي والشعبي لمجتمع دولة الصفوة"؛ فإن هذا صحيح في جوهره، لكن بالنسبة لي أظن ان الرفض ينبع من ممارساته ومن موقعه التاريخي وضلوعه في أزمات سابقة وتهيئته الآن الجو لأزمات لاحقة، هذا ما يغطي الآن على صورة "راعي الخلا ودولة التعايشي" في المخيال الشعبي لسودانيي الوسط المسيطرين على عظم الدولة ولحمها، لكن دعنا نكون صادقين، أنا وأنت: هل يصلح حميدتي لحكم السودان؟ وما الفرق بينه وبين عديمي الكفاءة والذمة وصغار النفوس الذين حكموا هذا البلد.
قلتَ: "هو حبيس تفكير نمطي، يساء به الظن باستمرار، طبعاً متعللين في ذلك بأوصاف ونعوت معلبة وجاهزة وكليشيهات متناقلة عبر وسائل الإعلام، تشكلت إبان أزمة الحرب، جنجويد منتهك لحقوق الإنسان ومجرم حرب وباطش ومرتزق وخلافها"؛ يا صديقي منتصر، هذه ليست كليشيهات، هذه حقائق حتى الآن لم يتم دحضها، ولا تُدحض بمجرد القول. أما "أن آلة تشكيل الرأي العام والتلاعب بالادراك العام لدى جهاز الأمن قد ساهمت في ذلك بصورة مدروسة لا تفوت على كل حصيف" حسب قولك، فهذا يشبه عندي ما يحاول أتباع الصادق المهدي ترسيخه بالتكرار الممل المميت من حقائق بديلة تجعل الصادق عكس ما هو عليه، فحميدتي هو ابن جهاز الأمن، ابن البشير، وليس عدواً للجهاز ليكون فجأة ضحية له كما تكرمت وأشرت في قولك "لكل ذلك أرى أن حميدتي ضحية صورة نمطية في الخيال الشعبي وحتى عقل الصفوة السياسية والمثقفين بطبيعة الحال"، إذ أنه لو لم يكن قائد مليشيا متهمة بجرائم حرب في دارفور وحتى في الخرطوم لصح هذا القول منك، لكن الذئب يظل ذئباً إن أسأت به الظن أو لم تسئ.
شاكر لك سعة صدرك وتقبلك الحوار حول هذا الموضوع في ظل الاحتقان النفسي تجاه حميدتي من بعد 3 يونيو.
يتبع..
منتصر:
5)
ساستمر في الإجابة على خطابك الأول؛ ومن ثم، ساعلق على ماتفضلت به من تعقيب.
(ماالذي يريده حميدتي بالضبط، أعني مايريده حقاً.)
لن أقول لك بأن حميدتي لا يريد شيئاً، وحقا لا أعرف ما يريد؛ ولكني أرى إنه يجب أن يسعى ويريد كل شيء كحق،زيو وزي الناس، حتى لو أراد الخلود الأبدي، كأن يريد أن يكون إلاها مثلاً فليريد ، هذا حق الإنسان على نفسه، وهذا ما نفعله جميعا، حمدوك الأصم وولاء البوشي رجاء نيكولا ومدني عباس وأنا…. إلخ،نحن موجودون بطبيعتنا، واختلاف اوضاعنا، لذلك أنا استغرب سؤالك المغلظ، واعتبره مثال للتناقض المتحكم في تصوراتنا تجاه الآخر المختلف؛ حيث يرفض العقل قبول الوقائع والشواهد أمامه، ويظل متشبس بأحكام ومعايير، لا يشعر بانه يستصعب الفكاك منها وازاحتها ، بل ويظل يلاحق أوهام وظنون وإشاعات لا تكرس سوى للابتعاد عن قبول السير قدماً في إتجاه المطلوب، ولمزيد من التشبس، بزعم الفضول .
حقا لا أعرف ما يريده حميدتي ، تماما كعدم معرفتي بما يريده محفوظ من هذا النقاش، أي مايتعلق بنواياك ؛ ولكن لإني أدرك وأعرف أن مايجري أمامي هو نقاش حول مسائل عدة، أو موضوع محدد، بغرض الوصول إلى فهم مايجري حولنا، وما يمكن أن نفعله، وأن نتفق أو نختلف، وكيف ندير خلافنا، ونعزز إمكانات اتفاقنا.. إلخ، هذا يشبه بالضبط ما أعرفه عن حميدتي.
مايريده حميدتي يامحفوظ، هو الآن بين دفتي الوثيقة الدستورية والاتفاق السياسي المبرم بين المجلس العسكري الإنتقالى وقوى إعلان الحرية والتغيير. وهو ما يحكم مسار الفترة الإنتقالية الجارية الآن ، وهو ما يسعى إلى تعزيزه في جوبا هذه اللحظات ؛ بأن يتم توقيع اتفاق سلام شامل يضع أسباب النزاع في السودان. أليس هذا مايجري، ولا في شيء تاني؟!
مافي شي تاني يامحفوظ؛ لإنو كان لو في شيء تاني ، ماكان في داعي للت والعجن الحاصل دة كلو؛ ولكان أتيح له أن يفعل ما يشاء من كل الافتراضات الموسومة به، والوصمة التي تلاحقه، وماكان يلزمه تكبد مشاق التحول من الذئبية التي وصفته بها، إلى كائن مامعروف .
أما بخصوص المشروع الذي جعلني (اتبعه)، برغم تحفظي على كلمة أتبعه؛ لكن ليست لدي مشكلة الآن، أن اتقبلها، لطالما اتفقت معه، أو وافق على رؤية مشروع طرحتها له، بعنوان _السلم والمصالحة نحو عقد إجتماعي جديد. وهو يعمل على ذلك، وسنعمل معا على تنفيذه .
مشروع السلم والمصالحة يامحفوظ، كمعطي سياسي، وفرصة سياسية لمعالجة إخفاقات أزمة الدولة الوطنية، ومدخل للتعامل مع الماضي، ماضي الحرب الأهلية، والاقتتال القبلي، وكل مخلفات سياسات التناقض التي تحدثت عنها.
مشروع السلم والمصالحة، ليست دعاية أو بروباغاندا، إنما ضرورة موضوعية، وممكنة عمليا، وقابلة للتحقق، ونحتاج إلى تصميم صيغة لجعلها مدخل للمشروع الوطني الذي يجب أن نعمل لأجله.
أما سؤالك الأخير عن؛ هل أقبل بحاكم عسكري، ناهيك عن شبه عسكري حسب قولك، فأقول ليك، منو الجاب سيرة حكم هنا، ناهيك عن أن يكون عسكري أو خلافه. الآن نحنا محكومين بمجلس سيادة مختلط صح، فيه عساكر كاملين وشبه عسكري حسب تعبيرك ومدنيين ؟، ونسير في إتجاه المستقبل برغبة الإنتقال من مرحلة أزمة نظام الحكم وأزمة الإستقرار السياسي، إلى مرحلة جديدة نستشرف فيها بناء دستوري وشرعية وفاق وطني. هذا ما أفكر فيه الآن، وأعمل لأجله مسترشدا ببوصلة أخلاقية ملزمة تجاه أهلنا ضحايا التناقض المركزي والفرعي، متسلحا بإرادة سياسية لما كنت أحلم به طوال حياتي، متحررا من أي مخاوف لأني أعرف ماحدث، وما يمكن أن يحدث إذا فضلت قاعد ساي ألعن الظلام .
Montaser Ebrahim يامحفوظ :
يبقى خيط استنادي التأسيسي لهذا الحوار معلقاً،والذي أردت من خلاله أن أقدم تفسيرات للظواهر والمشاكل السياسية القائمة، كحميدتي مثالاً، وذلك للإجابة على سؤالك حول مدى استحقاقه لرتبة الفريق أول؛ فهناك نقاش كثير حول طبيعة المؤسسة العسكرية، وفكرة الرتبة، وما إلى ذلك، نعود لها لاحقاً . وإلى ذلك الحين ؛ سابدأ التعليق على تعقيبك، بالبدء من تساؤلك عن أين مكان حميدتي في خريطة الأحداث السياسية والإجتماعية؟
كنت ارجو يامحفوظ، بدلاً عن الاقتباس من حوارك مع عمار جمال؛ كنت أرجو أن تقتبس، أو تفند ما تقدمت لك به من تحليل أو توصيف للوضعية التاريخية التي أنتجت حميدتي _ماسميته بوضعية التناقض، وأعتقد أنه يقدم إجابة لسؤال مكان حميدتي الحقيقي، فوضعية التناقض المسؤول عن الظواهر السياسية والمشكلات المتصلة بها ، تقوم أساساً على التضليل والخداع، أو تزييف الوعي بأسباب الصراع الحقيقي، وأراك تلاحق ظلالها بدون أفق حل. فالاستعمار بغرض نقل المعركة إلى أرض الخصوم المحليين، يقوم بزراعة التناقض وسطها، عبر سياسة فرق تسد المعلومة، وتكريس الفوارق التنموية بسياسات يمكن ملاحظتها في حالتنا الراهنة، كسياسات التعليم،وذكرت أكثر من مرة كتاب التعليم والفوارق التنموية فحميدتي غير مسؤول عن وضعه الحالي،؛ وإن كان يصلح مثالاً للتفوق والنجاة من مصير فقراء الهامش، مشردي كولمبيا، ستات الشاي.. إلخ، حسب فكك وإعادتك لتركيب الواقع.
ماقام به حميدتي، هو إنه اخترق هذه الوضعية، وأعتقد أنه قام بمهمة تاريخية، وإن كان يلزمه جهد كبير، يتعلق باختراق وضعية التناقض الفرعي الخاص بالواقع في دارفور؛وبالطبع يقع على قوى الهامش جهد أكبر بأن لا تستجيب لخطاب تكريس الفتنة للاقتتال المجاني، والتفرقة بالخطابات البالية، مثل جنجويد وخلافها، واسأل الجميع هنا عبرك يامحفوظ، أليس عودة مصطلح جنجويد إلى السطح، تمت بصورة مكثفة مؤخراً، ضمن صناعة الفزاعات أو (حرب الوصمة) بغرض إبعاد حميدتي من السلطة، وإيقاف حركة التغيير بارهاب الناس بالجنجويد ؟. اعتقد أنه بعد أن سقط مصطلح جنجويد من التداول، عاد إلى السطح في فترة قريبة أيام الثورة وطبعاً لايفوت على أي مراقب، أنها من تجليات عصيان حميدتي المعلن في خطاب طيبة في 25ديسمبر ، وطبعاً لو يتذكر الناس أنه في ليلة يوم 19ديسمبر ، راجت إشاعة بأن هناك كتيبة من الدعم السريع تتجه نحو عطبرة لقمع الاحتجاجات، وكانت تسوق خطابها بنفس تكتيك (حرب الوصمة )وزادت على فزاعة الجنجويد استلاف وصمة أخرى مستمدة من التاريخ تحت بروباغندا (حملة محمود وداحمد) التي تتجه إلى الشمالية ، طبعاً هنا يتجلى أقصى وعي التناقض المركزي. دعنا نسير إلى الأمام واقتراح حلول ياصديقي؛ بأن نقترح تفكيك التناقض الفرعي في دارفور، وبقية الأقاليم التي تعاني من نفس المشكلة عبر مشروع السلم والمصالحة،وهو ليس بتلك الصعوبة، وحميدتي أكثر وعيا مني بذلك، وله جهد حقيقي ملموس الآن في دارفور خاص بحسم الصراعات الأهلية ، وجهود في المصالحات القبلية.
أما منظومة التناقض المركزي الفاعلة والنشطة الآن؛ نقترح عليها أن تتحرر من هواجسها، وتعيد النظر في مدى مصداقيتها ومبدئيتها تجاه حقيقة الدعوة إلى ضرورة التأسيس لمشروع وطني،كأن لا يجب أن تتخوف من عمليات السلام الجارية الآن باعتبارها سعي إلى خلق تحالف مع قوى الهامش، ولا يجب التخوف والتهجس من حميدتي ،(ولديك فضول حول ذلك كما قلت)،فهو أيضا وقد تمت بث دعاية بأنه يمثل تعايشي جديد وما إلى ذلك من ترهات،فيامحفوظ لو كنت متحرر من سيطرة التناقض المركزي، لا اتورع أن اشخص مشكلة فضولك، ونظرتك تجاه حميدتي، بأنها عينة الإصابة بمتلازمة تناقض فرعي آخر، وهو ذو جزر تنموي أيضا، وهو متلازمة التناقض بين المتعلمين أو المؤهلين والمثقفين ونزعة التفوق تجاه فاقدي التأهيل، وهو السيف المسلط الآن على رقبة حميدتي، واستحقاره في استحقاق الرتبة العسكرية، والاستغراب حول كيف له أن يحكم.
طبعاً انا متحرر تماما من هذه المتلازمة، وأرى أن عقدة الشهادات والتفوق في التعليم، كامتياز (برجوازي المدن) حسب استخدامك،(ماعارف جبتها من وين ههههه)، أرى أن هذا الامتياز لا يجب أن نجعله صنم للعبادة، أو في مقام التقديس.
يتبع…
محفوظ:
العزيز منتصر،،
سأعقب هنا على مجمل ما كتبته في خيوطك المتعددة، بحيث نبدأ الحوار بعدها من حيث انتهى كل واحد منّا، أظنه سيكون أكثر ترتيباً هكذا.
بالنسبة إلى إشارتك إلى أن حميدتي "هو وليد التناقض الفرعي للواقع في دارفور كعربي، في مقابل زرقة"، وتفصيلك لهذا الأمر بأن منطق التناقض هذا "اختزل المكونات الاجتماعية دي في قوالب نمطية جاهزة، تم تكريسها بشكل مركزي في الجامعات والأحزاب والمجتمع المدني، وتم من خلالها صناعة المخيلة الشعبية المسيطرة الآن" حيث تم اختزال العرب كما تقول "في خانة الجنجويد كأشرار بصورة مطلقة، والزرقة مناضلين من أجل الهامش، وخيرين. بينما الواقع يقول إن العرب هم الأدنى في سلم التراتبية الاجتماعية بمقياس الحصول على الخدمات من تعليم وصحة وخلافها، والأقل حظاً في تقلد المناصب الإدارية… الخ"؛ فهذا يعيدني مرة أخرى إلى سؤال مكان حميدتي في الخارطة، وهو ما أتيت أنت على ذكره لاحقاً وسأرجع له في مكانه. أولاً عليَّ الاعتراف أن معرفتي بالصراع في دارفور يشوبها النقص الفادح رغم حرصي على متابعة ما يحدث هناك منذ العام 2003 مستفيداً من صداقتي لعدد كبير من أبناء دارفور الذين صار بعضهم – كما تعلم – جزءاً من يوميات الحرب والمفاوضات حتى اليوم، إلا أن المعرفة التي حصَّلتها منهم ومن هذه المتابعة المستمرة هي معرفة نظرية بالكامل بالنسبة لي، إذ تستند عندي إلى التحليلات المنهجية فقط بدون الشق الميداني اللازم للخروج برؤية متقنة ومضبوطة.
هذا النقص أجبرني على النظر إلى مسألة دارفور ضمن النظرة الكلية للمشكلة السودانية بعامة، وهو أمر جيد في تقديري، فنظرياً يمكن حل مشكلة دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان.. الخ عن طريق حل المعضلة الرئيسة للبلد: التنمية، برؤوسها الشيطانية الثلاثة: الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي. أقول نظرياً، لأنه ثمة ما يعوق التطبيق السهل السلس لأي رؤية، وهو التفاصيل الصغيرة الغائبة عني بوصفي لم أخرج من جغرافيتي الثقافية (وسط السودان النيلي) إلا مرات معدودات لا يقمن أوداً لمعرفةٍ يعوَّل عليها.
هذا النقص الذي أخبرك عنه، يحتم عليَّ في كل مرة الحذر التام في تناول الموضوعات التي تخص أجزاء السودان الأخرى، ومن هنا يمكنك فهم لماذا أُدخل نفسي وحميدتي وغيره داخل مقياس عام يحتمل طيفاً أوسع من الظواهر، وهو مقياس إنساني في الأساس، تتمثل حدوده في القرب أو الابتعاد من قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية… الخ. بهذا المقياس فإن حميدتي يمثل معضلةً كما قلت لك وليس حلاً للمعضلة.
دعني أعود مرة أخرى للأسئلة مستنداً على حديثك. أنت تستغرب عدم تصديق الناس واستغرابهم لقول حميدتي "إننا أصحاب مصلحة حقيقية في شعارات الثورة _حرية سلام وعدالة"، حسناً، إن عملية التصديق في ظني تُبنى على تراكم أفعال وأقوال واختبارات، ولا تأتي اعتباطاً، يقول حميدتي إنه صاحب مصلحة في شعار الثورة؟ وتستدل بأنه كان متمرداً مع عبد الواحد يوماً ما، ومع أبو السرة (جبهة القوى الثورية) لكنك تتجاهل ما لم ينسه الناس هؤلاء، أن حميدتي ظل حارساً للبشير ونظامه وحارب من أجله أكثر مما فعل ضده! إذا وضعنا "نضاله" المزعوم ضد نظام البشير في مقابل تثبيته للنظام نفسه والدفاع عنه، فإنه كما أرى أمامي يصح أن يوصف برجل البشير أكثر منه رجل عبد الواحد أو أبو السرة مثلاً.
أما الاستنكار العام لأن تحل قوات الجنجويد/الدعم السريع محل الجيش السوداني، وفقاً لمقارنتك بما كان يفترض أن يحدث حال انتصرت الحركات المسلحة، فإن المقارنة هنا لا تجوز في رأيي. الحركات تمَّ تجييرها كمناضلين ضد النظام، وفعلت ما يجعل ادعاءها هذا منطقياً، وانضم إليها المقاتلون – بحسب ما نعلم حتى الآن – من أجل هذا الهدف وليس كمرتزقة لمن يدفع أكثر، فعلت هذا في الوقت الذي كان فيه حميدتي يقاتل لصالح النظام، بمرتزقة يقاتلون من أجل المال وليس من أجل قضية. هناك فرق في رأيي بين أن تكوِّن جيشاً مبنياً من جنود وضباط دفعتهم المظالم التاريخية التي نتحدث عنها لاعتناق رؤية للتغيير قاتلوا من أجلها، وبين أن تبنيه على جنود تم جمعهم بالمال ليقاتلوا من يخبرهم دافع المال أن يقاتلوا!
ما يتعلق بصورة حميدتي في الاعتصام التي رفعت "في بوستر عريض في ميدان الاعتصام ذات صباح مفعم بنشوة الانتصار _حميدتي الضكران الخوف الكيزان" كما تكرمت بالتوضيح، أليس السؤال هو: لماذا تم إنزالها بعد أن رفعت؟ هل من الممكن أن الثوار بعدما أملوا خيراً وظنوا أن "انحياز حميدتي وقواته في ليلة 11 أبريل هو امتداد لتلك الرغبة، وترجمة حقيقية لانحياز كتلة اجتماعية متعطشة للتحرر من عبء الدفاع عن دولة ونظام ظلوا هم في نظرها مجرد كلاب حراسة"؛ بعدها أخبرتهم الأحداث اللاحقة أن ظنهم كان خاطئاً؟ أليس احتمالاً أيضاً بعيداً عن المؤامرة المركزية النخبوية المفترضة؟
أتفق معك جزئياً في أنه "حدثت عملية مقاومة منظمة للتغيير، بغرض عزل قوات الدعم السريع، وإبعادها من المشهد"، لكن حسب رؤيتي فإنه مثلما لم تطمئن القوى التقليدية لحميدتي وعملت ضده، كذلك لم يطمئن الثوار، كل منهما لأسبابه الخاصة، فالرجل غير مطمئن وسير الأحداث خلال الحراك الثوري وحتى انحيازه/انقضاضه؛ هو مؤشر لكثيرين وأنا منهم لانتهازية غير إيجابية منه.
أنت ترى أن "حميدتي تكفل لوحده بوضع النهاية لحكم البشير وطي صفحته للأبد"! هذه يا صديقي مغالطة لا داعي لها، ونسبة للفضل لغير أهله ونسيان لعرق الشباب منذ ديسمبر وسبتمبر وما قبلها وأنت واحد منهم، ولا أزيد. اما أن الثورة انتصرت "حينما سمعت الجماهير صوت الموسيقى العسكرية في الإذاعة صباحاً بفعل حميدتي وحده"، فهذا في رأيي نقيض لما حدث، فكما أرى كانت تلك اللحظة هي لحظة قطع الطريق على الثورة وليست لحظة النصر.
وفي ما يخص سردك لأدوار حميدتي وبطولته المفترضة في التغيير الذي حدث وحقنه للدماء… الخ، فهذا كله يندرج بالنسبة لي في سياق البروباغاندا، إن صح أو لم يصح، فهو في النهاية لا يعطي المبرر لحميدتي لحكم السودان وكأنه غنيمة حرب حصل عليها بضراعه، هذه ليست الدولة التي أطمح إليها، ولا حميدتي هو القائد الذي يمكن أن يقود تغييراً حقيقياً كما تأمل أنت. ليس رأيي هذا نابعاً من تشكيك في ما قلته، فالبشير ونظامه أشد إجراماً من هذا وليس مستبعداً منهم ذبح السودانيين كلهم من أجل أنفسهم، ليست هذه هي النقطة، لكن إلى حين معرفة كل الحقائق وغربلتها من الحقائق البديلة التي تتكاثر اليوم تكاثر الأميبا؛ حتى حينه، يهمني معرفة ما سيحدث أكثر من معرفة ما حدث، ففي النهاية نحن نتعامل مع نتائج ما حدث، بينما في يدنا التحكم – نظرياً – في ما يمكن أن يحدث.
سألتك عمَّا يريده حميدتي حقاً، وأجبتني ب "حقاً لا أعرف ما يريد"، وهي إجابة لعمري تهدم كل ما قلته، فكيف تتبع/ تؤيد شخصاً لا تعرف ماذا يريد؟ هذا هو التناقض الحقيقي يا صديقي! تقول إنك ترى "أنه يجب أن يسعى ويريد كل شيء كحق، زيو وزي الناس، حتى لو أراد الخلود الأبدي"، حسناً، لا اختلاف في الحق ولا أغمطه حقه، الاختلاف بالنسبة لي هو في الوسيلة، من حقك صعود الجدار، لكن ليس من حقك أن تطأ على الناس لتصعد، حال حميدتي في ما يريده (الذي لا نعرفه كلانا وفقاً لتصريحك) يشبه أن تضع مسدساً بيدك ثم تطلب أن تشارك في اللعب، لن يرفض لك أحد هذا الطلب، خصوصاً لو عرفوا أنك قتلت من قبل!
إن تعبيرك هذا: "يرفض العقل قبول الوقائع والشواهد أمامه، ويظل متشبثاً بأحكام ومعايير، لا يشعر بأنه يستصعب الفكاك منها وإزاحتها"، هو بالنسبة لي قد يكون تعبيراً وافياً عن حالتك ضمن احتمالات أخرى أحاول من الحوار هذا أن أعرف أيها هو الأقرب للصحة – واعذرني إن كان تعبيري هذا خشناً قليلاً لكنني أثق في سعة صدرك وتقبلك لما أقول. ربما أنت اخترت أن ترى جانباً متخيلاً أو سطحياً من حميدتي وعميت عن رؤية بقية الصورة، فهل تحاول الآن إقناعي أن الجانب المتخيل هذا هو الصورة كلها مثلاً؟ إن كنت تفعل فإن هذا هو التناقض.
ما أريده من هذا النقاش هو أن أفهم كيف لمثقف مثلك أن يؤيد- يتبع جنرالاً ولورد حرب؟ هي محاولة لتبديد سحابة الحيرة التي اعترتني بسبب موقفك، وانتظرت وقتاً كافياً قبل نقاشك علَّ يتضح لي ما كان خافياً في الأمر، مع التأكيد الكامل لحقك في اختياراتك دون تنمر من أحد ودون إطلاق أحكام جزافية حولك، لذا فهو التحاور والنقاش ليفهم كل واحد الآخر.
لنر كيف سيتعامل حميدتي مع الوثيقة الدستورية المعيبة في رأيي بعد مرحلة الحكم العسكري الحالية، ثم بعد دخولنا في استحقاق الانتخابات، هذا إن وصلنا إليها. أما مشروعك الذي طرحته عليه (السلم والمصالحة نحو عقد اجتماعي جديد)، وقلت إنه وافق عليه وستعملان معاً على تنفيذه، فأتمنى بتفاؤل حذر أن يسهم في تحقيق رؤيتك هذه ويدفعها، لكني أرغب في الإشارة إلى أنك لست أول مثقف ينحاز إلى ديكتاتور أو لورد حرب أو غازي بسبب نفاد الصبر على التغيير والبحث عن حل سريع يفرض بالقوة، لكن في العادة يهدر المثقف جهده في سراب الديكتاتوريات، ويلفظه النظام بعد أن يستنفده دعائياً بسبب تعارض الرؤى بينهما، أو يصبح ترساً في آلة النظام الديكتاتورية مستعبداً لها، والاحتمالان أتمنى أن لا يقعا عليك.
نعم إن مشروع السلم والمصالحة، ليس دعاية أو بروباغاندا، وإنما ضرورة موضوعية، وممكنة عملياً، وقابلة للتحقق، ونحتاج إلى تصميم صيغة لجعلها مدخل للمشروع الوطني الذي يجب أن نعمل لأجله كما تفضلت بالقول، لكن مرة أخرى يظل رهانك على حميدتي خطأ من وجهة نظري فهو جزء كبير من المشكلة، فلا يصح أن تأتي بالقاتل ليحل المشكلة التي ترتبت على فشو القتل!
أنت ترى أن "عودة مصطلح جنجويد إلى السطح، تمت بصورة مكثفة مؤخراً، ضمن صناعة الفزاعات أو (حرب الوصمة) بغرض إبعاد حميدتي من السلطة، وإيقاف حركة التغيير بإرهاب الناس بالجنجويد"؛ يا صديقي إن الجنجويد/ الدعم السريع يرهبون الناس بدون مساعدة من أحد! أنت تعلم أن ذاكرة الوسط في السودان مجروحة حتى اليوم بقصص فترة المهدية، ولم تحظ قط بعلاج ملائم من أجل محو فكرة إسقاط التعايشي على أي قادم من دارفور. لم يساعد حميدتي في محو هذه الصورة، بل رسخها بممارسات جنوده مرجعاً الذاكرة هذه خطوات إلى الخلف مرة أخرى. ليتم قبول حميدتي أمامه خياران: القوة مثلما يحدث اليوم وهو خيار يعني المزيد من الدماء والتشظي، أو إيقاف التهديد الذي يشعر به سكان وسط السودان الذين يحاول كسب جانبهم الآن، بدءاً من مصالحة مجاله الحيوي، مروراً بدعم الناس ضد القوى التقليدية دعماً حقيقياً وملموساً وليس بغرض التلميع الوقتي.
عن نفسي، أحلم ببلد حر، أكون فيه حراً، آمناً، مطمئناً لعدالة مؤسساته، ومحفوظ فيه حقي الإنساني ومحروس بعدالة لا تنحاز نتساوى فيها جميعاً. فهل يرتقي حميدتي لهذا المعيار؟ هل يستطيع العيش وفق هذه الشروط؟ حتى الآن أومن بأنه لا يستطيع، فهو صنع وجوده بالتغول على كل هذه القيم، متدثراً بمظالمٍ طالت الكثيرين بوصفها وسيلة وليست غاية.
لم يسقط اسم الجنجويد يا صديقي، تم إسقاطه عمداً ممن يضيرهم هذا الوصف للهروب من ارتباطه بجرائم الحرب، لكن لم يتم نسيانه، من سماهم الدعم السريع؟ لم يكن اسمهم الرسمي جنجويد أبداً، إذ من أنتج هذا الاسم "جنجويد" بالأساس؟.
عن الدعوة إلى ضرورة التأسيس لمشروع وطني، أتفق معك في أن المشروع الوطني ضرورة بلا شك.. لكن ما لم ينبن على أسس المساواة والعدالة والحرية واحترام القانون فهو حبر على ورق. لست متخوفاً من السلام بالتأكيد، لكن بالنسبة لي فإن الحلو وعبد الواحد يمتلكان رؤية، إن اختلفت أو اتفقت معها، يمكن أن تجمع سودانيين كثر، أكثر مما يفعل حميدتي الذي يجمعهم بالمال ووعد التسلط.
حين أتكلم عن التأهيل، لا أعني التأهيل الأكاديمي حصراً، بقدر ما أعني التأهيل الأخلاقي. أخلاقياً لا حميدتي ولا جنوده مؤهلون بعد للعب الدور الذي يريدون لعبه، فلا يمكن أن يحمي الذئب الشياه.
Montaser Ebrahim 6
صعود حميدتي
أعتقد أن صعود حميدتي إلى سدة السلطة، يمثل أكثر من صعود قوى الهامش؛ إنه يمثل لي صورة مستعادة من صعود الحركة الوطنية المفترضة بعد الإستقلال؛ أعني أنه بعد خروج المستعمر كان يجب أن تصعد إلى السلطة قوي بعينها، وبكيفية محددة تخرج عن وتتجاوز الإطار والقالب الذي وضعه المستعمر؛ ولكن ذلك لم يحدث، واكتفت الطبقة السياسية بتقمص نفس الدور، الافندية ارتدو البرنيطة والكرفتة، والعسكر لبسو البوريه، واستمر المنوال كما هو عليه.(بنية الدولة الاستعمارية)، (الطائفيين والافندية باشوات، والجيش في بنيته القائمة على إرث الرق)، وكلنا يعلم أن هذه الدولة لا تمثلنا كسودانيين، ولا تنتمي لنا، فجهازها العسكري قائم على القمع، وكذلك جهازها البيروقراطي والإداري، وطبقتها السياسية من طوائف وخلافها، قائمة على الاستغلال، هذه هي الدولة التي خرج عن قالبها واطارها حميدتي،طبعاً أهم مافي الموضوع دة الفرق الجوهري بين الدعامة والجياشة، ودة (خلي شوية). كنت أرجو أشد أشكال الفوضوية في الخروج عن إطار هذه الدولة ، ولكن ضرورة الإنتقال تستلزم (الموائمة)، مش حميدتي بحاول موائمة وجوده، ببساطة لأن البدء من الصفر ليس خيارا عقلانيا، وغير ممكن عمليا؛ إنها الواقعية السياسية ياصديقي.
لا أعتقد أن حميدتي يحاول موائمة وجوده بدلاً عن الاستيلاء أو تحطيم الدولة، ليس كذلك؛ بل لأنه يتحرك في إطار تفاعلي في مجال تحلل بنية الدولة دي يامحفوظ، أشرت لك في مدخل تحليل الوضعية الحالية بمقاربة مزروعي لتحلل بزرة المانجو، الوضعية الحالية لا يستطيع أحد أن يوائم وجوده معها، ولا أحد يستطيع أن يجعلها تتفاعل عكسيا، بمعنى عقارب الساعة إلى الوراء، مثلاً أن يعيد الجهاز الإداري والبيروقراطي القديم ليكون قمعيا كما كان، لأن هناك مقاومة حقيقية من المجتمع ضد قمع الدولة وأجهزتها حتى لو كان الدعم السريع، وكذلك لن تستطيع القوى المهيمنة تاريخياً ورثة الإستعمار من طائفية وخلافها أن تكون مستغلة ، بالإضافة إلى ذلك نلاحظ أن بنية التناقض الفرعي أيضا قد تفكك أو تحلل، أي أن قوى الهامش أكثر إدراكا أكثر من أي وقت مضى، بأنها لن تتقاتل بالوكالة عن (برجوازي المدن حسب قولك)، أو بالنيابة عن دولة الصفوة على قول عبدالواحد محمد نور، ولطالما الحال كذلك؛ لابد من قراءة حميدتي داخل هذا السياق، يامحفوظ حميدتي ما جاء من السماء، والموضوع ماحميدتي في شخصه، أنا اقرأه ضمن سياق التناقض الشامل، هو رمزية لدخول قوي إجتماعية ظلت مستبعدة أو منسية قوي إجتماعية أقل درجة من قوى الهامش، أطلقت عليهم المحرومين، دخول هذه القوى مسألة إيجابية في مسار بناء التكامل الوطني، والأهم من ذلك، لابد من التذكير بأن هذه القوى هي فعلاً نقيضة للمركز الموجود لأن البناء القائم ظل يعمل بإستمرار على اقصائها ونفيها، أنظر حتى على مستوى التخطيط الإقتصادي ظلت هذه القوى غائبة،وهنا اسأل؛ ماذا يمثل هؤلاء الناس في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، أو من هم في نظرة الشيوعيين السودانيين مثلاً، ولا حاجة!! ، بل هم خصوم على الدوام، لذلك نجد أن الشيوعيين الآن هم الأكثر تطرفا في مقاومة التغيير الذي حدث، وضد صعود حميدتي، وما عشان هو جنجويد، وإنت اعتبرتها غازية ودة موضوع نجي ليهو برواقة.
يتبع…
منتصر:
سأعقب هنا أيضاً على بعض ما تفضلت به في تعقيبك، وأرى أنه يلخص نقاط أساسيةفي حوارنا هذا.
أعتقد أن إعترافك بنقص معرفتك بالصراع في دارفور، يوضح الفرق بيني وبينك في النظرة إلى حميدتي، وأيضاً إلى أفق الحل الذي اقترحه أنا ؛ أنت تنظر إليه كمعضلة، وأنا لا انظر إليه كحل كما ذهبت؛ بل أنا أنظر إليه كقوة دافعة في إتجاه الحل، فحميدتي كعنصر ضمن إطار التفاعل الحيوي (لتحلل بزرة المانجو)، وهنا اقصد تحلل بنية التناقض على صعيده الفرعي والمركزي؛ و حميدتي يملك مفاتيح حل هذا التناقض، لأنه يمثل بالنسبة لي إنتصار التناقض الفرعي على التناقض المركزي، لإنه لن يتم استغلاله في تكريس بنية الدولة الاستعمارية،و لانه وضع حد لهذا الاستغلال وارتقي عبر فعل مشهود، ولولاه لكان الحال غير ما هو عليه الآن؛ارتقى نظريا من واقع حال الدولة وبنيتها وعمليا من خلال مايقوم به الآن؛ لذلك سارعت إليه بتبني إقتراح مبادرة السلم والمصالحة، وهي نظرية للإنتقال من حالة الحرب إلى السير في إتجاه السلام ، وذلك بغرض التحلل من تركة الماضي، فكانت فكرتي بدلاً عن يقوم بدعوة الصفوة السياسية إلى الحوار، مثلما سارع إلى ذلك في يوم 12ابريل بعد إسقاط نظام البشير مباشرة، كنت أرى الأولى أن تأتي الدعوة من هناك، من دارفور، من داخل السياق الذي اوجده، وليتم تلقي الدعوة من منصة التناقض الفرعي الذي يبدأ الصراع به، أو يتم تصفية الحسابات عبره ودفع الثمن ، وقد كشفت الأيام حقيقة ما تخيلته تماماً، فقد بدأ حرب التناقض هذه المرة ليست من اضابير قسم شئون القبائل بجهاز المخابرات؛ بل من معاقل المفكرين _أنظر كذبة محمد جلال هاشم في مقاله المرفق مع هذا التعقيب، وأيضاً بوست للباقر عفيفي؛ حيث عملا على تحريك بركة التناقض بصورة نزقة ومثيرة للاشمئزاز، وما ذلك إلا لأن هنا يكمن (كعب اخيل) حميدتي ومستقبله السياسي، وما سارعت لإنقاذ مستقبل حميدتي؛ بل لدرء النزاع المحتمل أن ينشب بسبب هذه المغازلة الشيطانية (كقول الباقر على صفحته في الفيس بوك _الزرقة إن موعدكم الثورة)، وكذبة محمد جلال هاشم في مقاله المنشور أيضاً على صفحته التي أرى أنها كفيلة بجعل( مكانو السجن) . وهناك سبب في غاية الأهمية، وهو أنني لا أريد أن يكون التغيير الذي حدث بمثابة وبال على دارفور كما ظل يحدث بإستمرار، إذ أن أي تغيير سياسي في المركز ينعكس على الواقع في دارفور بصراعات أهلية، كما حدث في ثورة أبريل 1985،وهي الحقبة التي تأرخ فعلاً لتصاعد الاقتتال القبلي_السياسي الذي تجلى في 2003 بصورة فادحة. ففي 85،كان ثمن تحريك عجلة الفترة الإنتقالية تمثلت في شحنات جازلين لطلمبات الخرطوم ودقيق لافرانها في مقابل جعل دارفور ميدان لتنفيذ شطحات الغزافي _النظرية العالمية الثالثة،بل كانت دارفور عرضة للبيع، وقد قبض الصادق المهدي ثمنها لتمويل إنتخابات الديمقراطية الثالثة، لذلك كنت متخوف بخشية أن تدفع دارفور ثمن الفترة الإنتقالية لثورة ديسمبر أيضاً.
يامحفوظ إقرار أن المعرفة النظرية لا تمكنك من الخروج برؤية متقنة ومضبوطة، كما أشرت؛ تفسر تباعد زوايا النظر بيننا،فأنا أرى أن يبدأ حدود مقياس المواقف من نقاط متعددة ؛ وليس بشكل عام، وذلك بغرض فهم سياقات الوجود الاجتماعي، فأنت لا يجب أن تحدد مقياس الديمقراطية وحقوق الإنسان، لإنسان وجوده الاجتماعي محدد في نطاق الوصول لدونكي أو قابلة، أو نطاق نشاطه الإقتصادي محصور في نطاق صراعي مع الناس والطبيعة كالرعي و الزراعة، وفي هذه النقطة اعيدك إلى شرح التفاوت بين البشر، وهو يفسر تماما صعوبة صناعة خيال سياسي ذو طبيعة واقعية لديك لقبول حميدتي، بالرغم من وجود صورة مسبقة لتخيل رفضه .
تقودني استيعاب التفاوت إلى تقديم تفسير موقفي/تأيد أو /تبع حميدتي الذي تصر على استغرابه ؛ فأنا أرى الآن أن السلام والسلم الاجتماعي أولوية، ولن يتحقق السلام من موقف عداء وفوقية كما درج عليه حالة الجمود في العلاقات بين القطاعات في العقل السياسي السوداني، بل عبر التعاون، واستند في ذلك على منهجية الأمن الإنساني الذي يقدم مفاتيح لهذا التعاون حيث تجد نموزجها في Civil – Military – police Dialogue & Coordination وأيضاً نموزج Multi-Stokeholder Coordination؛ وسافرد له مجال أوسع محل آخر،وأنصح بالبحث عنه في محركات الإنترنت. فمن هذه النماذج، بالإضافة إلى موقفي السياسي من ما يحدث الآن، رأيت ضرورة الدفع بتصور السلم والمصالحة كتصور عملي، لأن الرؤوس الشيطانية التي ذكرتها عصية على الحل في اللحظة الراهنة، والسلم والمصالحة تمهد لها، في ترتيب الأولويات فإن التعامل مع الماضي هو الأهم deeling with the past ، وحميدتي يملك مفاتيح تركة الماضي الذي يشكل ذاكرتنا جميعاً. فأنا وحميدتي ومعظم هذا الجيل في المجال العام عايشنا يوميات الحرب منذ 86، ربما يكون هو قد سبقني بثلاثة أو أربعة أعوام، ولكننا نختزن في ذاكرتنا إكتشاف اتساع العالم من خلال جحافل سيارات التاتشر من كل الجبهات _فرولينا _الفيلق الإسلامي _كتائب إبن عمر، مليشيات الصادق المهدي ممثلة في قريش واحد وقريش اتنين، ولاحقا الفرسان والجنجويد!!، لذلك آن الأوان أن نطوي هذه الصفحة.
فيما يتعلق بتعليقك على عملية تصديق حميدتي، فهناك جانبان في الأمر؛ الأول خاص به،فهو أول من دعى إلى الحوار بعد سقوط نظام البشير في 12ابريل، وهو إعلان حسن نية يناسب مجريات أحداث الثورة، إلى جانب عمله الدؤوب من أجل الوصول إلى الإتفاق السياسي وتوقيع الوثيقة الدستورية، هذا من جانب، أما فيما يتعلق بقوته الإجتماعية التي يعبر عنها، وعن طموحاتها واشواقها؛ فهي تريد أن تنال حظها من هذه الثيمات _حرية سلام وعدالة ، بل أن وضع شروط لتصديقه أرى أن فيها نزعة احتكار لها؛ ومطالبته بإعلان حسن النية وكأن المقياس الإنساني الذي تتحدث عنه _الديمقراطية وحقوق الإنسان تنتهي حدودها في إطار محدد، أو مفصلة على مقاس لايناسبه !!، أليست هذه قيم يستحق أن ينالها الإنسان بالقوة ، وبالطبع مايدفع الإنسان للقتال هو بنفس القدر تراكم أفعال وأقوال واختبارات، فللاخر أيضاً نظرته يامحفوظ، وخصوصاً إذا كان يتم الزج به ومحاولة محاصرته في الزاوية الضيقة . (أنظر إلى إطار التناقض المركزي ياصديقي)، وتذكر مسؤوليتك كمثقف عليه حمل لواء التنوير .
أما الجانب الآخر، في مسألة التصديق، أرى أن هذه النقطة قد شرحتها، واستعرضت محمولاتها، ولكن لابأس من التذكير، وأنت ذكرت أن( ذاكرة الوسط مجروحة بقصص المهدية)، وهي نفس الفزاعة التي استخدمها جهاز الأمن في ليلة 19ديسمبر، ولم يحدث شيء بالطبع، أليس هذا أمر غريب وعجيب يامحفوظ؟!! مال حميدتي يحمل عبء ذاكرة تاريخية لا أنا ولا أنت نمتلك فهم سياقاتها التاريخية.؟!، بل أنت تعلم أن أهل الوسط النيلي وصفوتها السياسية قد بنو قواعد هيمنتهم بعد الإستقلال على هذا الأساس. الواقع الآن يحتم على أهل الوسط أن يتحرروا من هذه الذاكرة يامحفوظ، وعلى الصفوة أن تترك الابتزاز على هذا الأساس ،إذ تؤكد فكرة إستعادة مصطلح الجنجويد إلى الذاكرة بغرض الفزاعة لا أكثر استناداً على نكأ هذا الجرح ، الواقع ينفي وجود الجنجويد إلا فيما يتخيله الناس، إذ يتم تجيير مظهر الدعم السريع ليماثل مااصطلح عليه بالجنحويد بحمولاته التاريخية، صحيح أن التحرر من أي تركة تاريخية تحتاج لعملية سياسية، كالعدالة الإنتقالية والحقيقة والمصالحة ؛لكن في الوقت الحاضر أرى أن يتم التعامل مع أي خطأ أو إنتهاك تقوم به، بوصفه إساءة استخدام القوة كالشرطة والجيش وأي قطاع عسكري متعارف عليه . ياصديقي الآن لا يوجد ما مايسمى جنجويد، بل أن بروز الدعم السريع هو تدشين لطي صفحة الجنجويد بصورة نهائية.
تناولك لشرح الاستنكار العام لحلول الدعم السريع محل الجيش، فيه نقص فادح، أو عدم معرفة بطبيعة تكوين الدعم السريع، وقد أشرت لعدم معرفتك بمقاربتك المفارقة للواقع _ جرح أهل وسط السودان من جهادية المهدية بالدعم السريع، وهنا يتضح مأزقك في عدم دقة التوصيف. انا هنا لا أبرر أو أدافع عن الدعم السريع بكل أمانة؛ ولكني اتحدث عن مااعرفه في الواقع ، وليس هناك مايدفعني إلى نفي مااذا كان كلامك يعبر عن حقيقة. استند على نفي صفة مرتزقة لأنها حمالة أوجه، واحدة من وجوهها اعتبرها إسقاطات قيمية تجاه ناس تم صناعة قدرهم نتيجة اختلال موازين التنمية، وقد أشرت لك باسهاب مكونات التناقض الفرعي، فالتهميش والحرمان، تكون نتيجتها جيوش من المهدورين ومظاليم دولة تمت الهيمنة عليها من قبل صفوة مسجونة في جرح نرجسي من تاريخ بعيد، ماذنبهم، بل في الواقع هم يصارعون من أجل البقاء أو النجاة من مصائر مجهولة، فبالتالي على هذه الدولة أن تدفع الثمن بكل بساطة . الوجه الآخر يعيدنا إلى حقبة السبعينات حينما دخلت الجبهة الوطنية المتحدة للإطاحة بنظام نميري، كان قوام جيشها من غرب السودان بنفس سحنات قوات الدعم السريع، وكانت المقاومة المضادة من أبوالقاسم محمد إبراهيم لهذا الجيش (الغازي)بنفس هذه النعوت؛ مرتزقة، وكانو مجيريين لصالح قضية يقاتلون من أجلها كذلك . يامحفوظ إنت في تجريمك لهؤلاء الناس تعبر حرفياً عن وضعية التناقض، لأنك تتنصل عن قبول السياق الموضوعي لوجود هؤلاء الناس؛ ولابد أنه جزء من الطيف الأوسع للظواهر التي تجمعك مع حميدتي وقوات الدعم السريع، وقوات الحركات المسلحة.
أما عن نضال حميدتي المزعوم كما قلت، فكما لكل شيئ بداية، كذلك لها نهاية وهاهو قام بالخطوة الأخيرة في رقعة الشطرنج _كش ملك . هنالك جانب ممتع ياصديقي.
تعليقك على إنزال الثوار لبوستر _حميدتي الضكرات الخوف الكيزان، فيه تناقض واضح،؛ إذ كيف تخبرهم أحداث لاحقة، بما لم يحدث في الواقع، وكان في الإمكان السير بالأحداث في مسارها الطبيعي. ماحدث هو بداية مقاومة التغيير وقطع الطريق على الثورة،الثورة التي لا تغمط الرجل حقه، والثورة التي تعالج التناقض المركزي، ولكن هناك قوى تعمل على حراسة هذا التناقض بأن يظل أهل الوسط مسجونين في جرحهم النرجسي ، بل الأطراف التي تقود الثورة على قمة هذه القوى. وقد بدأ بشيطنة حميدتي، وتراكمت الأحداث من بعده، وتزاحمت الشعارات على شاكلة نحنا الجيل الواعي مابحكمنا حميدتي الراعي وخلافها وقد نشطت أيادي الدولة العميقة كما أشرت لك في موضع سابق، حيث عملت قوي إعلان الحرية والتغيير بدأب واضح،وجهاز الأمن، ونشطت واجهات الحزب الشيوعي مثل تحالف المحاميين الديمقراطيين في ضخ رسائل الحرب الإعلامية؛ وحتى آخر يوم في الإعتصام كانت هناك ندوة بعنوان انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور من 2003وحتي الآن وماكل ذلك إلا تنفيذ مخطط ماآلت إليه الأوضاع في 3يونيو، واظنها قد حققت ماعملت لأجله؛ ولكن على مسرح المأسأة.
يتبع…
احمد داوود
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.