الحديث الغناء السوداني بأي حال من الأحوال وبمختلف مجالاته لا يكتمل ما لم يتوقف في محطة مهمة تحمل ملامح شخصية لها إسهاماتها وإجتراحات في عوالم الشعر الغنائي ، شخصية امتلكت ناصية الحروف وأعادة تدويرها بجزيل الكلمات وبليغة الوصف وعميق المعاني ، وكل ذلك بهدف إيصال احساس صادق عن العشق والعاطفة والوطن . الشاعر صلاح حاج سعيد هو صاحب تلك المحطة ورائد تلك المرحلة ، وشكل ظهوره حينها على مسرح الفن السوداني وإلى الآن حدث حوى عدة إشارات آخرها ما هو مرتبط بالوضع العام وقياسات تعالي الفنون وهبوطها فأعمال صلاح حاج سعيد لها دلالات تؤكد بان زمن جميل مر بهذه البلاد واستطوتن وأن الهبوط الذي يحدث الآن ما هو الا مجرد إنحراف عن المسارات الحقيقية المتسامية . يرى النقاد أن "صلاح حاج سعيد" الوليد الشرعي للمدنية وآدبها وتعبيراتها الرقيقة ، فالراوي يحكي أن الشاعر صلاح حاج سعيد ولد في الخرطوم ، وتلقى تعليمه في المدرسة الأولية ، ومن ثم (الخرطوم شرق)، والخرطوم الأهلية الوسطى، ثم جمال عبد الناصر المصرية الثانوية، إلى أن تخرج في جامعة القاهرة فرع الخرطوم "النيلين" كلية الحقوق 1974م. ثم التحق بالعمل في عددٍ من المؤسسات القانونية من ضمنها مؤسسة التأمينات الاجتماعية ، وتدرج حتى صار "رئيسا" لها ، قبل أن يختار التقاعد عام 1990م . مطلع ستينيات القرن الماضي شهد ميلاده الفني كانت بداياته حين التقى الفنان محمد ميرغني الذي كان زميل دارسته في أحدى المراحل التعليمية ، قدم له عدد من الأغنيات التي بدورها أوضح بدايات أخرى في عوالم العشق والعاطفة ، المتمعن لتلك الأعمال يجدها إما محتفية بحبيب آتى لتوه أو محتشده بالهواجس والتوجسات من السير في طريق الحب ، ولعل النموذج الأمثل لتلك الفترة الأغنية الشهيرة (ماقلنا ليك) التي تقول في مقاطعها ….. ما قلنا ليك الحب طريق قاسى و صعيب من اولو ما رضيت كلامنا و جيت براك اهو دا العذاب اتحملو.. صعوبة طريق (الريدة) لدى "صلاح" كانت ناتجة لبحثه عن شكل حياة متراحمه عزيزة و تفاصيل حبيبه مختلفة الملامح والمحاسن ، كان يغازل المحبوبة عبر أشعار تؤكد ذلك وتشير إلى معايير جمال في غاية اللطافة والعاطفة كان يقول مثل … كان نفسى قولك من زمان سطوة محاسنك عندى ما كسرة جفون وقت العيون تعبرنى زى خاطر المساء سطوة محاسنك عندى ما الرخام الفى الحرير وقت الثغير يجدعنى بى حرف القسا سطوة محاسنك عندى وقتين كبريائك ينهزم لطيبتى بى لفظة وقتين مشاعرم تنسجم فى عمرى تنفح قلبى بى رعشة حنان سطوة محاسنك عندى وقتين شوقى يصبح فى هواك لعزة ما بتعرف هوان تعامل حاج سعيد بالإضافة الفنان محمد ميرغني مع عدد من المغنين ابرزهم (البلابل) ب (نوّر بيتنا) و الفنان عثمان مصطفى ب(صدقني) و(نحن البينا ما ساهل) والطيب عبدالله (يخلق من الشبه أربعين) وله اعمال ايضاً ل(الهادي الجبل ، محمد الامين ، حسين شندي ، …الى عصام محمد نور واحمد بركات وشموس) ، لكن ظلت العلامة الأميز في تجربة هي تلك الأغنيات التي ترنم بها الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد الذي برع في الأختيار وأضاف لمسات لحنية جاذبة أضاف بعد جمالي آخر مع النص كانت ( المسافة ، الحزن النبيل، قمر الزمان، كان نفسي اقول لك من زمان، عدى فات، الشجن الأليم ، قلت ليها، طوريتك، عزة هوانا، الزمن الخرافي، عينيك مدن) أغنيات مصطفى البعض صنفها ضمن الرمزية التي تفهم في عدة سياقات وجدت تلك الأعمال قبول كبير من الجمهور وأعادة إنتاج "صلاح حاج سعيد" في قالب شعر غنائي جديد كانت ضمن فيه الفرادة والتميز . أشعار "صلاح حاج سعيد" كانت عميقة في التعبير عن أحاسيس متسامحة تخطت خانات الخبيات العاطفية العادية قد يقول المتابعون أنها باحة بكم هائلة من الشكية لكن المتذوق الحصيف يكتشف أنها كانت تفسيرات عن ماذا حدث ؟ أكثر من كونها بكائية نادمة ! ويلمح المتذوق ايضاً على قدر من التحدي وتأكيدات الرجوع تجده مثلاً يقول في قصيدته المشهورة الشجن الاليم … عارفني منك لا الزمن يقدر يحول قلبي عنك لا المسافة ولا الخيال يشغلني منك لابد للاشارة الى نقطة مهمة ولطيفة في السياحة عبر أعمال "صلاح" أشاره العاطفية وهي أنه لم يكن يلوم المحبوب مطلقاً بقدر ما يرجع جميع الإشكالات الى الوشاة أو الزمن وتقلباته . الزمن بالذات مفردة تواجدت بصورة كبير وكان مسار شكوى وبحث عن اخر يحلم به . المسافة العازل بينه وبين محبوبه هي الأخرى وجدت حضور طاغي في شعره وحازت على وصف مدهش كان يقول مثلاً …. لسّة بيناتنا المسافة .. والعيون واللهفة والخوف .. والسكون ورنة الحزن البخافا تعدّى بى الفرحة وتفوت وأمشى بى الحسرة .. وأموت الأدهاش الأكبر أن أغلبية أشعار "صلاح حاج سعيد" لم تخلو من سيرة العيون وابتكار تفسيرات وتشبيهات غريبة لها مثل يقول ("عينيك وحاتك غربتي وأهلي وبلادي الفيها ضائع لي زمن " "عينيك مدن منسية في كتب التواريخ والزمن" و "عينيك حس اطفال بنادوا القمر للغياب يعود" ….الخ) . الغوص في عوالم صلاح حاج سعيد الشعرية بقدر ما هو أمر ممتع الا أنه يحتاج الى قدر وافر من اللغة فالحديث عن الجمال يتطلب لغة موازية ، الشاعر صلاح حاج سعيد الذي أصدر مؤخراً ديوان (الحلم الوطن) الذي يحتوي على عدد من القصائد المغني بالاضافة لبعض المرثيات في (مصطفى سيد احمد ، ليلي المغربي وخوجلي عثمان) يظل أحد عمالقة الشعر الغنائي الذين جادوا وقدم للفن كما ينبغي .