السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد .. بقلم: اسماعيل السيد احمد، الدوحة
نشر في سودانيل يوم 09 - 01 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
محاولة لقراءة الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من خلال رؤى تعريفية للفن
استهلال:
لم يعد الاهتمام بدراسة الظاهرة الجمالية في حكم لزوم ما لا يلزم ، طالما إنها تعكس نشاط إبداعي يجسده قيام الفنان بتوصيل أفكاره في انفعال خارجي إلي عواطف الاخرين .ولذا نجد أن الدارسين للظاهرة الجمالية قد عكفوا علي تسليط الضوء عليها من ابعاد شتي ، منها النفسي الذي يتعلق بدراسة سيكولوجيا الإبداع، ومنها التجريبي الذي يتعلق بالدراسة التجريبية للذوق والتذوق الجمالي ،ومنها الاجتماعي الذي عمد علي دراسة التواصل بين الفنان والجمهور ، ومنها الفلسفي الذي اهتم بدراسة الخبرة الجمالية لذاتها.
كل تلك الأبعاد السالفة الذكر تؤكد حقيقتين هما :-
1. السعي الدؤوب لفهم وإدراك تلك الظاهرة والإحاطة بها علماً .
2. الوقوف عند تلك الظاهرة وتعقبها حيثما وجدت باعتبارها خبرة إنسانية تفتح مدارات إدراكنا للوجود الإنساني من خلال نشاط إبداعي ،يتمظهر في القدرة الإبداعية للفنان ،وما يتمتع به من حدس جمالي في تصوير تلك الظاهرة ،الأمر الذي جعل بعض الفلاسفة يعرفون الفن بأنه إدراك حسي خالص (1) .
من هاتيك الحقيقتين نشأت الدوافع لهذه الدراسة في محاولة أولية لقراءة الظاهرة الجمالية بإدراك حسي من خلال الموروث الفني لمصطفي سيد احمد (2)من جهة ،ولما يتمتع به مصطفي سيد احمد من حدس جمالي في تصوير وإخراج الظاهرة الجمالية بشكل خلاّق تمثلها العديد من أغنياته ،الأمر الذي دفع بهذه الدراسة الي التطلع الي قراءة موروثه الفني من خلال رؤي تعريفية لماهية الفن ،وشرح صلة موروثه الفني بالواقع ،ومن ثم التكيف اليقيني مع ذلك الواقع في إطار منظومة تحكمها جدلية التفاعل معه من جهة ،والتكيف اللحظي مع ذلك الواقع من خلال فاعلية التجاوز من جهة اخري .إضافة إلي تحليل طبيعة موروثه الفني ومضمون الظاهرة الجمالية فيه، وإلي أي مدي يتناسب ذلك المضمون مع الموروث الفني له .
كما تحاول الدراسة ايضاً النفاذ الي ما وراء الموروث الفني لمصطفي سيد احمد من دلالات وصلات اقترنت بالاهتمامات العملية والأخلاقية والاجتماعية مما جعلها تتماشي مع ما ذهب إليه بعض المفكرين في ربط الفن بشتي مظاهر الحضارة البشرية الأخرى أمثال Tine (3) وGuyau (4) .
هذه الدراسة لا تهدف إلي تناول أراء جميع الفلاسفة والمفكرين في تعريفهم للفن او استعراض شتي الاتجاهات الفلسفية لتعريف الظاهرة الجمالية او الإدراك الجمالي ، بل إنها تستعرض بإيجاز شديد أراء بعض الفلاسفة والمفكرين للفن بصورة عامة .إذ أن تلك الآراء جعلت للفن وظيفة اجتماعية وجعلت من الفنان أداة تواصل بين البشر وبالتالي تكون قد ألقت علي كواهل الفنان دور رسالي وإنساني .وبالإيجاز نفسه تناول الموروث الفني لمصطفي سيد احمد علاقة الفن بالطبيعة وتفاعلها معه باستشعار الحس الجمالي في كليهما .
استهدفت الدراسة اغنيات مصطفي سيد احمد لأنها لم تشبع غريزة التطريب وتحقيق لذة حسية ،مما جعلها تساير الي حد كبير أراء كروتشة(5) التي تنكر ان يكون الغرض من الفن تحقيق لذة ،بل نجدها قامت علي مرتكزات جمالية ومعرفية خاطبت عقل وعاطفة ووجدان المستمع إليها .
فمخاطبتها للعقل تمثلت في تشكيل وعيه الجمعي من خلال إدراكه لواجباته ومسؤولياته تجاه مجتمعه الإنساني بعمومية الإطلاق، وبشكل اكثر خصوصية تناولت القضايا السودانية الجوهرية بشكل واعي وجاد منها علي سبيل المثال لا الحصر قضية هوية السودان الثقافية والتي ما زالت تتغاوى بين الاسلاموعروبية والافرومسيحية ، بالإضافة الي مسألة الكيفية السياسية التي لم تفق من ترنحها بين الأنظمة الشمولية تارة والديمقراطية التعددية تارة اخري ، فضلاً عن تناديها بعدالة توزيع السلطة والثروة التي تتقاذم عند الهامش بينما تتعملق عند المركز .
استهدافها لعاطفة المستمع تمثلت في أغداقها عليه بشعور وإحساس فياض يكشف عنهما اتحاده واندماجه بشكل تكاملي مع العمل الإبداعي وذلك يتبلور بشكل واضح في انحيازها للفقراء وتقديس جهود المزارعين والعمال وكافة المهنيين ، بل أخذت لواء النضال النيابي عنهم بشُفعّة القرب النفسي إذ أنها طالبت برفع الغبن الاجتماعي والسياسي عنهم .كما أنها لم تغفل التغني للأطفال واستنطاق العابهم الشعبية وما احتوته من موروثات وقيم تعكس مفاهيم الجماعة وثقافتهم وفق المنظومة الاجتماعية لها فضلاً عن اهتمامها بالموروث الشعبي الذي يشكل مخزوناً معرفياً عميقاً يحمل جُل القيم الإنسانية والإبداع الإنساني. وهو أمر لم يجد الاهتمام والحماية علي الصعيدين الرسمي والشعبي في السودان.
تمثل استهدافها لوجدان المستمع لما جاءت به من لونية جديدة مبتكرة وخلاقة تنبض بالوعي القادر علي إصحاح ما اعتري النسيج الاجتماعي للمجتمع من اهتراء وذلك بربط القيم الجمالية بالقيم الأخلاقية مما يعكس ديالي تكيه العلاقة بينهما عند الن (6)، بالإضافة الي السمو بذوق المستمع .
تناول الموروث الفني لمصطفي سيد احمد الدور الرسالي للمرأة في المجتمع ولا سيما دورها الطليعي في التغيير ومشاركتها الفاعلة للرجل في تجاوز الراهن .إذ أنها تقتحم ذات الفنان فتفجر منابعه بالعمل الإبداعي باعتبارها جزءً أصيلاً في العملية الإبداعية . وعمقت الدلالة في أن المرأة هي الوطن الحبيب والوطن المرأة الحبيبة. كما إنها خلقت دلالات مشرقة للمرأة في قاموس الطبيعة من أجل فهم معانيه وقراءة تفاعلها معه ، بل جعلتها بمثابة الموسيقي التصويرية المكملة لكثير من الكيفيات الجمالية والماهيات التصويرية في الطبيعة .ولذا جاءت مغازلتها بمفردات جديدة لم تكن مألوفة من قبل .
الفن عند برجسون :
يعرف برجسون الفن بأنه إدراك حسي خالص وبالتالي يري أن الفنان رجل غافل او قليل الانتباه ، ولكنه يقرر أن انتباهه يكون موجه إلي ما نحن في العادة غافلين عنه (7).
من هذا التعريف يتضح أن برجسون قد جعل من الفن عدسة مجهرية تفحص كينونة الأشياء ، وتنفذ إلي سبر أغوارها ، وهذا يعني أن الفنان بإدراكه الحسي المباشر يغوث في لجج الحياة ، منقباً عنها وفاحصاً لمداركها ومميزاً لعلاقاتها ، مستلهماً خبرته الجمالية في توضيح ذلك .
عند تسليط الضوء علي الموروث الفني لمصطفي سيد أحمد من خلال هذه الدراسة ،اتضح لي بأن أغنيات مصطفي سيد احمد تتمتع بطاقة ضوئية نافذة تكشف عن ماهية الأشياء وتعمل علي تبديد عتمة الرؤي السطحية لعلاقاتها ،ورسم أُطر لتلك العلاقات التي حجبتها محدودية الحدس الجمالي وقصوره .
ولمقتضيات الدراسة ينبغي تسليط الضوء بقدر يسير علي العديد من النماذج :
الوردة لو فاتا الفراش
ما أظن تلوموا مع الندي
ما بتجرح إحساسوا الجميل
ما الريدة يا حنيين كده (8)
أن منظر الفراش وهو يتجول بين الورود منظر مألوف، وإن كانت هنالك ثمة علاقة بينهما فإنها لا تخرج من إطار المنفعة العملية المتبادلة ، فالفراش يعيش علي رحيق الأزهار ،والأزهار تحتاج إلي الفراش لعملية التلقيح . بيد أن النموذج السابق يهدي الي ثمة علاقة جمالية لم تكن في الحسبان –حب- وهي ذات خصوصية لا تسمح بتدخل ما يكدر صفو تلك العلاقة ( اللوم) حتي لأقرب الأقربين ( الندي ) ويكشف عن قيمة سامية تتجسد في عدم معاتبة المحبوب مراعاة لمشاعره وأحاسيسه الجميلة ، كما إنه يكشف عن تشكيل خطاب بنيوي الدلالة لا يخلو من سمات السياق الموضوعي.
قالت ريح ٌشوف الناس قنديل
لو ما نّور
يحرق كوخ
وباقي الحلة تنور
او جبت جوخ
او يطلع بوخ
يقول للنسمة الزائفة أقيفي
لو تتفرد ريح ...تتشرد ريح
ريح الخوف
لو تتفرد ريح
تبدأ تفرتق ضفاير المدن الكاذبة
تعيد تسريحتك (9)
هذا النموذج يفصح عن قدرة التناسل الذاتي للغة في أطر رمزية بعيداً عن فونولوجيا الوظيفة اللغوية ، حيث أنه يوضح رؤية الناس للأفكار والرؤي من حيث القبول والرفض ، فيري ان تلك الأفكار بمثابة السراج المنير (قنديل ) فإذا كانت ذات جدوي فإنهم يهتدون بها سبل حياتهم ،وإلا فإنها كالنار التي تحرق الكوخ -رمز الاستقرار- .إلا أن حرق الكوخ نفسه تجربة إنسانية يستهدي بها بقية الناس ( باقي الحلة تنور).وهو ما يشير الي أن التجارب الإنسانية يجب استيعابها واستلهامها وعدم ذلك يؤدي إلي استنساخ التجربة لنفسها من خلال جينات فصامية ( خروج البوخ ..حرق الجوخ).
ما ساور الطورية شك
إنو الأرض أنثى
و بتحمل بالحلال(10)
منظر الطورية وهى تغوث في أحشاء الأرض، منظر مألوف لدينا. إلا ان النموذج أفصح عن حقيقة نكاد إغفالها وهى أن همة الطورية وحماسها لم تعد لقوة الضارب بها وإنما للطورية يقين بأن الأرض أنثى و لها القدرة في الإنجاب من جهد المزارع، وهو ما يؤكد شرعية العلاقة بينهما.
ومما لا شك فيه أن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد له من الإدراك الجمالي ما يعينه علي استنطاق الأشياء، والتعبير عنها بشكل واعي وخلاّق.
من خلال ما سبق استعراضه أجد نفسي أتفق مع برجسون في أن الفنان رجل غافل ،يغفل الأمور السطحية ويتوق إدراكه وحدسه إلي جواهر الأشياء .بيد أن السؤال الذي ينهض هل الفنان غافل ام متغافل عما يغفله الأخرون ( العامة) ؟ او بمعني آخر هل المثيرات التي تصل آذان او أعين الفنان لها دلالات عضوية معينة تختلف عن الإنسان العادي ؟
في تقديري أن الفنان يتمتع بشفافية حدسية تختلف عن حدسية الشخص العادي ، الأمر الذي يستنهض فضول الفنان لاكتشاف ذلك بالدخول في عوالم الأخرين ، وبصورة أكثر خصوصية عوالم محبوبته وهذا ما تشير إليه النماذج التالية :
نفسي في داخلك أعاين
أروي روحي وأشوف منابعك
صحرا في عيني تتواثب جناين (11)
النموذج التالي يوضح بأن الشاعر ( الفنان) لم يكتفي بالدخول في عالم محبوبته ، بل نجده سكن دواخلها وأن سكونه ملئ بحركة البحث والتنقيب ( ضد السكون )
سكنت فيك ضد
السكون
كل اللكان ممكن يكون (12)
ولكن كيف يتثنى للفنان المعزول عن الواقع المادي أن يري الأشياء أكثر مما نراه نحن في كثير من الأحيان ؟ يتكفل برجسون بالإجابة علي هذا السؤال فيقول (( إذا أردنا أن نفهم ذلك السر، فإن علينا أن نتذكر بأن الرؤي الموجودة لدينا في العادة عن الموضوعات الخارجية إنما رؤية محدودة عمل علي انكماشها تعلقنا بالعالم الخارجي وحاجتنا الي مواجهة الحياة واتخاذ بعض المسالك العملية .والحق أنه كلما زاد انشغالنا بالحياة، قل ميلنا الي النظر والتأمل لأن من شأن ضرورات العمل أن تحد من أبصارنا وأن تحصرنا في دائرة الاهتمامات العملية النفعية(13) )).
يري برجسون أن الادراك الجمالي لا يرينا من الأشياء إلا ما يخدم مصالحنا وأغراضنا(14).وهذا في تقديري يتماشى مع ما ذهب اليه عالم النفس ماسلو ، بأن هنالك خمسة مستويات من تلك الحاجات مرتبة ترتيب هرمى يرضى فيه كل مستوي المستوى الذى يليه. بيد أن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد لم يتقيد بالترتيب الهرمى لماسلو(مثلث الحاجات) بل قفزت بحدس المستمع شأوا بعيداَ حين قالت:-
وطني ولا ملئ بطني
سكاتي ولا الكلام النئ
بليلتي ولا ضبايح طئ
قليلتي ولا كثر ُسمي(15)
نجد أن النموذج السابق يسمو باهتمامات المستمع او القارئ الي قمة الهرم الغريزي حيث غريزة الانتماء ،دون السفح الذي تكمن فيه غريزة الجوع
لو نامت قمحه علي الأبيض
وإتشرت ذيو
وزاد الأبيض في غيو
ومدد رجلوا اليسري
ما كان الكِسره جاتك من بره
صفراء ومنكسره(16)
في النموذج السابق نلاحظ الحوار الدرامي الشجي بلغة العتاب بين النيلين ( الأبيض والأزرق )والذي يغذي دلالة النص فيه التوتر النفسي الناجم عن عدم إشباع غريزة تحقيق الذات التي تتربع قمة الهرم الغريزي عند ماسلو ،وما يدلل عليها إتيان الإغاثة (الكِسره ) من بره – الخارج- ،صفراء وقبولها بانكسار .
في الوقت الذي تقر فيه مقتضيات الحياة بأن نفهم الأشياء علي علاقتها بحاجاتنا وعدم الخروج من دائرتها ،جاء الموروث الفني لمصطفي سيد احمد بلونيه خطاب مغايرة تسمو عن مستوي العلاقات النفعية التي تنتصب علي بنية الاهتمامات العملية وضرورية الاحتياجات. حيث عملت علي إعادة إنتاج تلك العلاقات بشكل جديد ،والاهتداء إلي معرفة طبيعة الأشياء .
يا السمحه ما غابت مدينة
يا السمحه ماعون الفريق(17)
وصف المحبوبة في النموذج السابق بأنها (ما عون الفريق) إذا تم استيعابه في إطار المنفعة العملية يفقد قيمته الجمالية ، إذ لم يعد سوي إناء لا يختلف عن سواه من الآنية ،ولكن إن أمعنا إليه النظر من خلال الموضوع الجمالي نجد أنفسنا أمام لوحة فنية ذات دلالات عظيمة تجسدها قيمة التكافل الاجتماعي وتقوية نسيجه عبر مفهومي تقوية روح الجماعة في السراء والضراء وإكرام الضيف .
جوه المُركب فِضّلو يغنو
شويه شويه سكت المركب
كل الناس إتنين إتنين
فرح يتكلم بي لغتين(18)
سكوت المركب إذا تم تفسيره في إطار المنفعة العملية يعني السكون والذي يقتضي اما الوصول الي البر فيجعل الشاعر غريب الوجه معذب – كما في الأغنية – او حدوث عطب يصيب المركب مما يعرض حياته إلي الخطر. ولكن السمو عن دائرة النفعيات يتحقق عندما ندرك أن سكوت المركب التدريجي كان بقصد إتاحة سماع صوت الفرح الذي يتحدث بلغتين (لغة الوصال ، لغة الفرح) وهو ضرب من ضروب مشاركة المركب .
وقطع شامة هواك من قلبو
إلا هواك نبت تاني
علي بابك
وقف تاني ..ملأ الساحات(19)
فالشامة إذا ما نظرنا إليها من حيث دلالات جمالية فإن موضعها الخد أو سائر أعضاء الجسد التي تظهر قيمتها الجمالية وليس في القلب الذي يخفيها. ولكن بتفسيرنا للنموذج السابق من حيث ازدواجية الدلالة، وفهم لغة ما وراء اللغة ، نجده يضع هوى المحبوبة من قَبيل المحبة الصادقة والتي غايتها الوجد وحقيقتها أن هوي المحبوبة يسيطر على القلب دون سواه. ومما يعمق الدلالة البلاغية فيه تشبيه هوى المحبوبة بالشامة التي تكون في القلب، وليست في أي موقع آخر مما يستحيل إزالتها، لأن كلما حاولوا إزالتها نمت من جديد(نبت تانى).
عينيك حِس أطفال بينادو
القمرا للغايب يعُود
وجبينك الضوّاى حُجا الحبوبه
فى الزمن السعيد.
يا قمرا أقِلبى السنسنه الحمراء
وشوفى ليه ماجاء(20)
وإذا نظرنا للعين في أطار المنفعة العملية المغلقة ، قلما ننظر إليها لذاتها، بل ننظر إليها من حيث أنها أداة حسيه تذودنا بحاسة النظر. غير أن النموذج السابق جعل العين مسرحا يشهد عرض الألعاب الشعبية للأطفال.
من خلال ما سبق استعراضه من نماذج يتضح جليا بأن محدودية وقصور الرؤية للأشياء نتاج طبيعي لتعلقنا بالعالم الخارجي وحاجتنا الى مواجهة متطلبات الحياة. بيد أن الإدراك الجمالي يفتح مداركنا إلى رؤيتها بشكل أفضل. ومن هنا ينهض سؤال عن علاقة الإدراك الحسى بالتخيل.
يرى سارتر(21)إن هنالك علاقه مباشره بينهما إذ أن الصورة المتخيلة تفترض وجود الإدراك الجمالي. وما يؤكد ذلك، أن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد يشير إلى أن الموضوع الجمالي ينجلي أمام أعيينا عندما نكون بحضرة العمل الفني. إذ أن أغنية(حاجه فيك) -على سبيل المثال-تتيح للذهن قدراً كافيا للتخيل لإدراك حقيقة تلك الحاجه التي قطعت نفس خيل القصائد وشغلت أجراس المعابد وتاه لمعرفتها الشاعر ،وأصاب الجنون حروف الكلام.
حاجة فيك
تقطع نفس خيل القصائد
تشده أجراس المعابد
توهتني ...وجننتني ..وجننت حرف الكلام(22)
ما حقيقة تلك الحاجة ؟ ، هل هي قيمة جمالية مادية كأعين الحوراء ام الخصر الأهيف ام الغد المياس ام عظمة الأرداف ونتوءها ام الجيد الأتلع ام الشعر الفاحم المتسربل ام إنها قيمة جمالية أخلاقية تجسدها مكارم الأخلاق ( العفاف ، الحياء. الخ).إذا كانت الأغنية قد حددت حقيقة تلك الحاجة –الموضوع الجمالي – لوضعت حداً لاستغراق الوقف الطويل في تخيل الموضوع الجمالي ولقطعت الارتباطات الذهنية المتعلق بها ، وبالتالي يمثل أمامنا عياناً الموضوع الجمالي ويتحول إلي شيء واقعي .
حاجة في شرف المدائن
في غرف كل السفاين
جوة في عمق المناجم والعيون
حاجة زي ما تكون محلق في العواصف
وفجاءة تهبط في سكون
***
حاجة زي نقر الأصابع
لما ترتاح للموسيقي
حاجة زي أخبار تناغم من جريدة
حاجة زي وتر الموانئ
لما يصدح لي سفينة
حاجة فيك لا بتبتدي
لا بتنتهي(23)
لعل أغنية حاجة فيك نداء مستغيث من مصطفي سيد احمد يتردد صداه في أعماق المستمع لاكتشاف الموضوع الجمالي – حاجة فيك – وحتي يستجيب المستمع لهذا النداء ينبغي عليه إن يشحذ همة إدراكه الجمالي لاكتشاف حقيقة تلك الحاجة – الموضوع الجمالي - ، مستفيداً من بعض المؤشرات الفنية (القرائن) التي أشارت إليها الأغنية في النموذج التالي
خلتني أرجع للقلم
وأتحدي بالحرف الالم
وأضحك مع الزمن العريض
وأنسف متاريس الطريق
وأعرف متين أبقي المطر
وأفهم متين اصبح حريق(24)
لمن يجى الزمن الفلانى
سمانا بتقطر مطر درى
وتمازج برتكانى
نسطر إسمك يا حبييبنا
فى رموش غيم أرجوانى
وندمن الضحك المعافى
نحيا فى الفرح المورد
ياسمين وإقحوانى(25)
فالزمن الفلاني، شيء غير معلوم بالإضافة إلى أنه مجهول الهوية ومواقيت الأتيان..هل هو زمن لقاء الأحبه (الوصال)-بلغة العشاق- ام هو زمن ديمقراطي يتمناه الساسة؟ أم زمن الإنتاج الوفير للمزارعين ؟ ام غير ذلك. بيد أن إدراك الزمن الفلاني لن يكون مجرد اشباع عضوي او حسى ، وإنما يشبع لدينا بعض الاحتياجات العقلية والأخلاقية مثل أن يبسم الفجر الحقيقة وإدمان الضحك المعافى ومسح الحزن من الأعين السمراء ومجي الصباح الابيضاني وغير ذلك كما يوضح النموذج التالي.
لما يتحقق زمانى
يبسم الفجر الحقيقه
والصباح الأبيضانى
والطريق ما يبقى ساهل
ليك في المعنى المكانى
بمسح الحزن المعشعش
فى عيونك أسمرانى(26)
نجد في النموذج التالي أن المستمع يعتصر ذهنه لمعرفة المارق من المحبوبة، والذى شد عصب الورقة والأحرف لتعبر عنه، وأن المارق من محبوبته راصد في اللاوعي سكونه وأحلامه بألوانها المختلفة وإفاقتها منها ويسرق لحظه قيمه جدا وهى لحظة تفكيره وصفاءه.
المارق منك
شادد عصب الورقه وحرفى
وراصد فى اللاوعى سكونو
مواعيد صحو...حلمه...ولونه
وشارى يقينك فى ظنى
وسارق لحظة انى أفكر
المارق منك .....مارق منك(27)
أما أغنية( البنت الحديقة) ، فهي توضح ما ذهبنا اليه سابقا إذ أنها تحفز الأحداس وتشحذ همة المشاعر لمعرفة البنت الحديقة (الموضوع الجمالي) ، وسرعان ما تصاب بحلم اليقظة عند سماعك للأغنية وهى تصف البنت الحديقة وطريقة مجيئها.
حتجى البنت الحديقه
فارده أنسام فى طريقا
وشاتله الوأن (28)
وتتجلى براعة الأغنية في أنها تشد انتباه المستمع لإدراك حقيقة تلك البنت لدرجة تصيب المستمع بالجولان النومى، إذ أنها تجعل المستمع يطلق خياله كما يطلق السائر رجليه في منامه دون تدخل إرادته او نشاطه الشعوري، وكلما حاول الإفاقة داهمته طريقة مجى البنت الحديقة، إذ إنها تأتى متوهجة وأن مجيئها يحدث ضجيج يضارع ضجة الضوء في المكان، كما يفصح عن ذلك النموذج التالي :
حاتجى البحدث بريقا
ضجة الضوء فى المكان(29)
ويستمرالمستمع فى تجواله النومى خاصه حينما يتطلع إلى معرفة مكان مجيئها-من أين تأتى –
حتجى المن بدرى جات
من ظلامات السكات
واصفه للناس الطريقه
وللعصافير الجهات(30)
ويكاد المستمع أن يكف عن تجواله النومى حينما يعرف بأنها تنتمى إلى فجر فات. إلا أن انتماءها الى عصور جديده يجعله يستأنف التجوال. مما يؤكد أنها ذات هويه تجمع ما بين الأصالة و الحداثة ( التراث و المعاصرة ).
إنتمت لى فجر فات
وتنتمى الى عصور جديده(31)
ويكاد المستمع أن يكف عن تجواله في اللاوعي، بيد أنها تأتى ضاحكه منتصرة وعنيدة آمله مزدهرة وجديده مما يدفعه إلى مواصلة التجوال.
حاتجى البنت البريدا
ضاحكه منتصره وعنيده
آمله مذدهره وجديده
ناقشه فى الزول أغنيات(32)
وفى تقديري لو تواصلت الأغنية لأستمر المستمع في حلم لا متناهي، ولو قدر للأغنية أن تحدد حقيقة البنت الحديقة- الموضوع الجمالي –لانقطع الحلم وكف الجوال عن تجواله.
الوحدة في التنوع :
العمل الفني في فلسفة كروتشه(33) هو الذي تتوالي فيه الصور ولكنها تتوحد. وهو الكثرة التي تنتهي الي الوحدة ، والفن عنده ( ليس تعاقب الصور بعضها تلو البعض بفعل إرادي او صنعي ) كما يضم رأس إنسان إلي عنق حصان وصنع لعبة من لعب الأطفال. (34)
عند الوقوف علي النموذج التالي المليء بالصور المتنوعة في تواتر متسق وتناغم انتقائي ، والمستقلة بذاتها عضوياً المكملة لبعضها وظيفياً. نجد أن النخيل والنيل والنجوم والورود والندي كل من ذلك يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة. إلا انهم مكملين
النخل إتلاقي غني
وردد النيل الاغاني
النجوم لامع بريقا
والورود النايمة فاحت
عطرت كل الجزائر برحيقا
والندي النايم بفوقا
صفقت جنحاتو غنت
لهوانا لهوانا(35)
وفي النموذج التالي صورة خروج المحبوبة في الشوارع (لما تعبري في الشوارع) فهي قادرة علي صهر بقية الصور الأخرى المتباينة علي مستواها الوفاقي والمنسجمة علي مستواها التجريبي فتحقق التنوع الوحدوي فيما بينها وتظل مسيطرة علي وحدة العمل الفني.
لما تعبري في الشوارع
شوفي كيف الناس تصارع
ناس تطفر وناس تدفر
في البشابي لي نجومك
وفي البخب كايس تخومك
وكل زول من عند سلافك
لا لا قال دايرو كاس
يا سلام يا سلام(36)
ويرى برجسون أن الفنان العظيم، أنما يصدر في عمله الفني انفعال جديد أصيل بحيث أنه يولد في الناس أحاسيس جديده او عواطف لم يكن لنا العهد بها او انفعالات لم تكن في الحسبان . و من هنا ينهض سؤال هل الانفعال الذى ذكره برجسون هو انقلاب نفسى يحدث على ذات الفنان أولاً ومن ثم انقلاب على وجدان الاخريين ؟ بكل تأكيد أن الانفعال يحدث ثوره عارمه في وجدان الفنان يشهر فيها الفنان الأفكار والأحاسيس الجديدة غير المعهودة تاركا كل ما هو قديم مألوف ، وبالتالي يكون قد حقق انتصار على مستوى الذات اولاً ثم على وجدان الأخريين ، باعتباره قد لفت أنظارهم وحواسهم إلى ما هو غير مألوف لديهم.
وعند تسليط الضوء على سيرة الفنان مصطفى سيد أحمد الفنية نجده دائما مبتكرا ومّيال الى التجديد وله القدرة على ذلك. وهذا ما يؤكده الموسيقار يوسف الموصلي(بأن ظروف مرضه العصيبة لم تستطع أن تنال من حبه للتجديد وقدرته على ذلك). (37)
و يشارك الفنان صلاح بن الباديه الموصلي الرأي( لقد ظهر مصطفى سيد أحمد بلون منفرد، وهو فنان جاد بحق وهو يعتبر أحد الذين يبحثون عن الجديد في عالم اللحن والاداء ). (38)
عملياً إذا تتبعنا الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد نجده قد لفت أحاسيس وعواطف المستمعين الى أفكار ورؤى جديده كانوا يغفلونها حين من الدهر الى أن جاءت أغنياته فعملت على إعادة إنتاجها بشكل خلاّق وواعٍ.
ولمقتضيات الدراسة لابد من استعراض اليسير منها، -على سبيل المثال- تناولت العديد منها موضوع الهوية السودان الثقافية، حيث تجسدت معالجتها لها في التلاقح الثقافي بين الثقافة الإسلاموعروبيه والثقافات الأفريقية المسيحي منها والوثني .
المارق منك
رجع للغابات العرب العاربه
وللعتمور الزنج الهاربه
وأدى الكون مفتاح الحل... (39)
إذ أن النموذج السابق يوضح بأن حل الأشكال الثقافي يتمثل في الحوار الثقافي والتعايش السلمى وقبول الآخر (أدى الكون مفتاح الحل ) دونما أي حواجز نفسيه كانت ام طبيعية ( الغابات- صحراء العتمور) .ولا يخفى على القارئ أن الغابات ترمز إلى الثقافات الأفريقية والعتمور ترمز إلى الثقافة الإسلاموعربيه.
أو حينما تقول :-
النيل فاض وأنحنى
نيلين وحلمك أنا
فرعين شايلين جنا (40)
في تقديري بأن (الجنا ) ما هو إلا مشروع الثقافة السودانية والتي هجين لثقافتين قوامها فرع الثقافة الإسلاموعربيه والثقافات الأفريقية الأخرى.
يؤكد النموذج التالي أن التلاقح الثقافي لا يتم الا في مناخ ديمقراطي ،اذ أن الأنظمة الشمولية لا توفر ذلك.
أقول العساكر تباري الكبارى
تفتش قلوب الجّهال الشلوخهم هويه . (41)
أتاح الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد للأدب الشعبي بشتى أنواعه، مكانه رحبه في أغنياته لاسيما الحكاية الشعبية مدركا الدور الكبير لها مستصحبا بذلك تجربة حكاية الكالافالا التي قامت عليها دولة فلندا.
تعالوا أبشروا ياجنيات
شليل ما راح شليل مافات
شليل عند المسورو حرق.
بقالو حصاد
شليل فوق التقانت قام
خدار وبلاد
شليل مسدار شليل مشوار
شليلنا أرضنا يا جنيات
شليل قايم نصاصى الليل
يتمتم ليليه ورديه
حرازنا شليل..شليلنا دليب
شليلنا دليل على البلدات
بعد درب التبلديه (42)
استوعبت أغنيات مصطفى سيد أحمد الألعاب الشعبية للأطفال والتي ارتبطت بالقصة والحكاية والحدوتة فضلا عن ارتباطها الوثيق بدنيا الأطفال من جهة والألحان والموسيقى من جهة أخرى .وهى عادة ما تعالج سلوك من السلوكيات
الفاضلة التي تشجع الأطفال لذلك السلوك
عينيك حس أطفال بينادو
القمرا للغايب يعود
وجبينك الضواى حُجا
الحبوبه فىالزمن السعيد
يا قمرا...أقلبى السنسنه الحمرا
وقولى ليه ما جاء(43)
وما يجدر الاشارة إليه بأن ألعاب الأطفال و ادبهم تماثل الي حد كبير الموروث الشعبي وتتلاحم معه بشكل عضوي. إذ أن النموذج السابق يفصح عن قيمه تراثيه هامه وهى قيمة الفزع.
وعلى الرغم من أن الألعاب الشعبية للأطفال ذات طبيعة سهله وبسيطة بيد أن لديها المقدرة في عكس المفهوم الجمعي للمجتمع، ولها القدرة في أن تبقى طويلا لارتباطها الوثيق بالبيئة والنظم الاجتماعية والعادات والتقاليد، الأمر الذى يجعلها في تطور مستمر وفق المنظومة الاجتماعية.
رضيع جنياتنا فى الحدبه
الصعيد الحله
ياسمحاتنا هو لب لب
يا قمحتنا هو لب لب
يا اللوز الفتق فى الوادى
هو لب لب
يا البحر الطمح مدادى
هو لب لب
يا حجواتنا.... يا صلواتنا
هو لب لب(44)
في النموذج السابق، نلاحظ أن مفردات التراث الشعبي (العاب الأطفال) تعمل على تقوية النسيج الاجتماعي بين الأجيال لأنها تغذي كبار السن بأحلى ذكريات الطفولة والأنداد واللعب البريء ،الأمر الذى يساعد في خلق تواصل بين الأجيال .بالإضافة إلى إنها تنشئ الطفل في بيئة تشوبها روح الجماعة مما يجعلها قادره على خلق فضاء اجتماعي في حياته العاطفية والوجدانية وبالتالي يكون مهئ للتعامل معها، لان مفردات التراث الشعبي تشكل عواطفه وتتنامي في وجدانه.
تميز الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد بتصديه لرهبنة الاستنساخ الفني لجمال الطبيعة، ورسم الأشكال الواقعية فيها. إذ أنه دعا إلى خلق نشاط إبداعي خلاًق ذات طابع عصامي تتجلى فيه الطاقة الروحية النافذة للفنان وهو ما يساير رأي صمويل الكسندر(بأن ليست علاقة الفن بالطبيعة علاقة محاكاة للأصل) لأن خيال الفنان الخالق هو المصدر المشترك للجمال سواء في الفنون الجميلة أو في مشاهدة الطبيعة. (45)
أيد مبسوطه تقابل الحنه
نغم الليل السال شبال
نخله تغازل فى عيون طفله
طفله وحفله ورقصة فأل(46)
النموذج السابق لم يكن نسخ لأشكال واقعيه او مجرد رصد لانفعالات حدسيه تعكسها انبساطه اليد و امتدادها للحنه ، او مغازلة النخلة لعيون الطفلة، او نغم الليل الذى سال شبالا . كما إنه لم يعد مزجه توليفيه بين اليد والحنه والنغم والشبال و الطفلة، بقدر ما إنه يعكس نفاذ الطاقة الروحية للفنان التي تمثلت في خلق ديناميكية حياة ، أفصحت عنها انبساطه اليد، وسيلان النغم، وغزل النخلة، ورقصة الفأل ، من خلال سكون عهدت به ثوابت الأشياء.
حلوه عينيك ذى صحابى
عنيده كيف
تشبه شريحتين من شبابى
وذى عنب طول معتق
فى الخوابى
وسمحه ذى ما تقول ضيوفا
دقوا بابى
فرحى بيهم سال ملأ
حد الكبابى(47)
النموذج السابق لم يختزل حدسه في ترديد أشكال الطبيعة بشكل فوتوغرافي، كما أنه لم ٌيدمِن المجسمات الجمالية لجمال عيون المحبوبة، من خلال الأدراك العياني للطبيعة، ليقيم عيون المها او الريم شاهدا عليها . وبالتالي لم يكن جمال العيون في النموذج السابق حدسا جماليا ماديا وإنما عملا إبداعيا جسدته روح الصحاب وعناده الشباب ونشوة الخمر وإكرام الضيف. بالإضافة إلى إنها أضفت إليه صبغة الاستمتاع بالمعاني الحسيه ، والابتهاج بالجانب الروحي فيها وليست بالصور والاشكال.
تميز الموروث الفني لمصطفي سيد احمد بأن مسألة إرضاء المحبوبة فيه لم تعد بالوسائل التقليدية القديمة ، لأنه اختار أن يكون للمراءة دور رسالي ،وبالتالي جاءت أغنياته بأفكار جديدة لها مدلولاتها ومغازيها لم تعهد من قبل .
جلبت ليك الغيم رحط
طرزت ليك النيل زفاف
حرقت ليك الشوق بخور
وفرشت ليك الريد لحاف (48)
او حينما قال :
أنا زي عوايد الشعر فارس
شد خيل الكلمة ليك
مصلوب علي ظهر البداية
القالوا اخرها بين ايديك (49)
او قوله:
أجيك فنان
أشد أوتاري واحكيلك
حكاية انسان وهب
لي سكتك نفسو
ورسم صوتك علي حسو
وربط ساعد علي المجداف
وقال يا إنتي يا اغرق(50)
او:
وأجيك فارساً يشيل صمت
المسافة الطال
وواقف في حكاوي الشوق
وبي شمساً وراءها ملاذ
وبي فرحاً يغرد
في سماءك الحان
يجيب البهجة للأطفال(51)
إذا كان المحب لم يعد يرضي محبوبته بالوسائل التقليدية القديمة ، فمن الضرورة بمكان أن سطوة محاسن محبوبته من عيون ساحرة او قوام لادن او خصر أهيف او قد مياد وغير ذلك من الصورة الغزلية بشكلها المادي القديم لم ترضيه، وإنما يرضيه سطوة محاسن محبوبته التي تتمثل في قوة العزيمة والإصرار علي تحدي الزمن اللئيم ، وما تشجو به المحبوبة من غناء جاد يتموسق به وتر أرهقته قسوة ذلك الزمن وحزن ألحانه ،كما في النموذج التالي:
رسمت في وجيها بسيمة ضوء
بتغالط في الزمن القاسي
بتعاتب في الغنوة الصعبة
في لحن حزين ..وتر موجوع
يحكي احساسي (52)
أو حين قال :
تعالي نشيل كتف الغني المّيل
ونتخّيل
حلم دونك بيتحقق(53)
وسطوة محاسنها تتمثل في وقوفها معه في التعبير والدفاع قضايا شعبهم:
تعالي نشوف حروف البكاء
الجواها مافي حروف
تعالي نشوف ..تعالي نطوف
علي المدن البقت اشباح
علي الجوع القعد مرتاح
علي الكلمة البقت في الجوف
تفتش سكة الافراح (54)
سطوة محاسنها تتجسد له في انحيازها للفقراء، فهي لهم بمثابة مشكاة تبدد دياجير الغبن الاجتماعي والاقتصادي الواقع عليهم و يهتدون بها سبل حياتهم. كما انها مبعث لا مالهم وأحلامهم.
يا هدي الناس الحياري
يا ندي الفجر البِبَلِل
نور عيونات الفقارا(55)
سطوة محاسنها يجب أن تقوم علي ندية العلاقة بين الرجل والمرأة التي ترتكز علي أنقاض مرتكزيّ استكبار الأنا الذكورية للرجال وعلي الاستعلاء الأنثوي المردود علي تلك الأنا.
سطوة محاسنك عندي
ما كسرة جفون
سطوة محاسنك عندي
ما الرخامة الفي الحرير
وقت الثغير يفجعني
بي حرف قِسي
سطوة محاسنك عندي
وقتين كبريائك ينهزم
بي طيبتي بي لفظة حنان
وقتين مشاعرك تنسجم في عمري
تمسح قلبي بي رعشة امان
سطوة محاسنك عندي
وقتين شوقي يصبح في هواك
ليل عزة ما بتعرف هوان(56)
نجد أن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد قفز بحدس المستمع شأوا عظيما ، حينما عمد إلى إحالة مفاتن المحبوبة إلى منتوج جمالي من خلال محصلة تفاعلات لغويه داخل أطر السياق الموضوعي لها. إذ أن مفاتن المحبوبة المادية، لم تعد مجرد مجسمات أو تشبيهات.
فالعيون على سبيل المثال نجدها في الموروث الفني أشبه بكائن روحي- كونى - من كونها كائن مادى ولذا قد كسبت لنفسها علاقه روحيه أكثر من إنها ماديه الإدراك. كما يوضحها النموذج التالي:
دا البجنن شوقنا فينا
إنو فى عينيك زمان
بى حالو ساجد (57)
أو حينما تكون العيون مجلبا للغبطة والسعادة
جوه العيون أطفال فرح
لمة زفاف
جوه العيون تشرق شموس
يرحل جفاف
و حنان غمر عاشقين رهاف(58)
او
حلوه عينيك ذى صحابى
عنيده كيف
تشبه شريحتين من شبابي
وذى عنب طول معتق فى الخوابي
وسمحه ذى ما تقول ضيوفا
دقو بابي
فرحي بيهم سال ملأ
حد الكبابي(59)
لم يعد ذلك قاصراً على العيون وحدها ،فها هي قامة المحبوبة قد سمقت جمالاً بقامة يوم السماية ، وهو يوم تتحقق فيه ذاتية و استقلالية المولود عضويا عن والدته ،و هو بلا شك يوم أسري جميل تفعمه البهجة باجتماع شمل الأُسّر
يوم سمايتك شكل قامتك
كيف تموتى وتحي تانى
و يوم قيامتك هو بيدينا الثبات(60)
الفن عند سارتر
يرى سارتر بأن الفن هو التزام في المقام الأول ثم مواقف المقام الثاني، ولذا ينبغي للأديب قبل أن يمسك بالقلم أن يكون لديه اقتناع عميق برسالته ،ولابد من أن يكون مشبعاً بروح المسئولية تجاه عمله الفني. (61) نجد أن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد قد سار على النهج الذى أختطه سارتر بوضوح حين قرر بأن العمل الفني واقعه اجتماعية يتمنهج بشكل رسالي ، إذ أن النماذج التالية تفصح عما سبق ذكره .
أغنى للناس الما بتسمعنى
المنى بعيده والمبعد عنى
أنادى نشيدا وكنت المعنى
الايدى فى أيدا وأيد بتبنى
فى دنيا جديده اليوم راح تدنى
وأريت غنواتى فى ناس شغاله
تكون سنداله وعود طوريه(62)
ومما لا شك فيه أن الموروث الفني لمصطفي سيد أحمد انحاز الي جانب الفقراء والمظاليم مطالباً برفع الظلم الاقتصادي والاجتماعي وعدم استغلال جهودهم .
وكتين يضيع عرق الجباة
شمار فى مرقه(63)
او
هردت لِهآتِى بالغنوات
وكت يبرد حشاك يامى
من التعب البلا صالح (64)
كما دعت إلى المساواة بين الغلابه والميسورين في التعامل من حيث الحقوق والواجبات، دون محابة او تفضيل بينهم، ناعته المتحابين بأفظع النعوت
ما بتخير بين الفوق
وبين الناس التحتانيه
الإ مغير ولاّ عقوق
ولا كفيف الإنسانيه(65)
لقد تميز الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد بجعله للإدراك الجمالي عاصما يعصم بين الفنان والمتذوق للعمل الفني و العمل الفني نفسه، في ثلاثية غير مفصومة الأبعاد. و بمعنى آخر إنه سعي الى خلق علاقه قوامها الاحساس بعدم اختزال دور الفنان في نقل مشاعره وعواطفه للآخرين. وهو ما لا يتفق عما أتفق عليه كروتشه وتولستوى في أن مهمة الفنان هي توصيل أحاسيسه وأفكاره الى أشباهه من الناس .ومعنى ذلك بأن الفنان بمجرد توصيل أفكاره وأحاسيسه ملك مشاع للأخرين. (66) وفى تقديري أن هذا الرأي يجعل من العمل الفني للفنان مجرد التعبير عن الحالة الذهنية والنفسية التي تنتابه. ولكن بالوقوف عند الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد نجده يتمترس خلف فلسفة ديوى المنتصبة على بنيوية التواصل الحقيقي بين الفنان والجمهور . اذ أن ديوى يرى أن الأعمال الفنية هي الوسائط بين الإنسان وأخيه الإنسان. (67) ونجد أن أغنيات مصطفى سيد أحمد قد طبعت نفسها بطابع عام تفصح به عن نفسها إلى كل انسان.
النموذج التالي على سبيل المثال ، نجده يشبع لمجتمع المزارعين أحلامهم، ويحقق قدراً من الاتساق العضوي والحسي لحاجاتهم العقلية والنفسية.
أقول غنوات
للولد البشيل مدقاقو
قولة خير على القمرا
يقابل الجاى متحزم
يدارك الجاي متلزم
كلام فاسك على أرضك
ويبقى عديله يا بيضا
ويبقي زفاف تزغرد ليه قمريه
وقبال حول تغيم غيمه قبليه
ترش الداره والحدبه الصعيد الحله
يا فرحه بتطال الصفقه فى
النسمه الصعيديه
ويا جهرة نهار الليله بدريه
رضيع جنياتنا فى الحدبه
الصعيد الحله. (68)
وكم تكون سعادة المزارع وهو يستمع :-
تحيا فى حلم الترابله
وفى العلاقات والمعانى
وفي البقاسي من المخافه
عايشه جوهو وبعانى. (69)
أو حين يسمع :-
التربال الساقيه أفرحوا
عطش النيل لو ذاد أتراحو
نار الشمس بتشفى جراحو
عرق بيسقى ....السنبله تكبر(70)
حقا بأن فرح المزارع وعشقه لأرضه كبير وإنهما علي علاقه جدليه قائمه على الانفعال والتفاعل والفاعلية وأن أحلامه تدور حول هالة الإنتاج المقدس
مزارع بات على عشقين
تراب بلدو
وسماح فوق بت مزارعيه. (71)
فلا غرو إذا ما أدخلنا النماذج السابقة تحت –مجهرية سيكولوجيا الفن –إن جاز التعبير ، نجدها تعبر بوضوح عن آمال وتطلعات قطاع كبير من قطاعات الشعب السوداني ,لأن الزراعة تمثل الحرفة الرئيسة لديه.
نجد أن أغنيات مصطفى سيد أحمد لم تعبر عن المزارعين لوحدهم , بل نجدها انحازت لكافة قطاعات الشعب السوداني
أغنى لشعبي ومين يمنعنى
أغنى لقلبى أذا لوعنى. (72)
الفن هو عالم الحرية والانطلاق :
يري سانتايانا بأن عالم الفن هو عالم الحرية والانطلاق والاستمتاع والِلذة الخالصة. هذا الرأي يجعل للفن وظيفة حيوية هامة وهي الانتقال من مرحلة النشاط المقيد إلي النشاط الحر. (73)
المقطع التالي يشير إلي الذهاب في كل المدائن بحرية مطلقة مع الطيور التي لم تعرف ما يحظر تجوالها داخل إطار جغرافي واحد يتمثل في الخارطة او ما يعوق أمر انتقالها من مسائل إجرائية تمثلها جوازات السفر إضافة إلي أن أمر انتقالها لم يكن أسيراُ لضروريات الحياة العملية وحده مثل البحث عن المأوي او القوت بل إنه الانفلات من الفاعلية المقيدة إلي الفاعلية المطلقة من جهة والذي يتحقق به الرضاء والاستمتاع ببناء العش بالغناوي ونثر الأفراح من جهة أخري.
والله نحن مع الطيور
الما بتعرف ليها خرطه
ولا في إيدا جواز سفر
نمشي في كل المدائن
نبني عشنا بالغناوي
وننثر الافراح درر(74)
و حينما تكون الحرية هي مبتغاة النسور، التي لن ترهن نفسها لفاعلية مستعبده تحكمها ضروريات الحياة العملية، وإن انتقاها للفاعلية المطلقة وليد غريزي لعشقها للترحال في الأفاق الرحيبة.
نسورا تعشق الترحال
فى الأفاق
وتبغى الكون حريه. (75)
ذهب الماركسيون إلى أن الفن ليست ضرورة إٍنسانيه يتطلبها كل عصر، بل على العكس أن حاجه نسبيه محدده بمطالب هذا العصر او ذاك. وبالتالي فأنه يعبر عن القيم المفضلة للطبقة الحاكمة أو المسيطرة. (76) ولكن إٍذا تمعنا الجزئية الأولى مما ذهب إليه الماركسيون نجد أن ليس هنالك ثمة فن في حد ذاته أو فن عام يصدق كل العصور، بل أن هنالك فنون نسبيه مؤقته ومشروطه بظرفي الزمان والنشأة .وهو ما يتعارض مع رأى سانتايانا بان الفن هو عالم الحرية والانطلاق. أما فيما يتعلق بالجزئية الثانية من رأى الماركسيين بان الفن يعبر عن القيم المفضلة للطبقة الحاكمة أو المسيطرة، فإن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد يختلف معها اٍختلافا كليا معها. النموذج التالي يصدر الأحكام بموت الحروف يوم تقوم القصائد مقام من يطبل للسلطان.
تموت الحروف يوم
تقوم القصائد مقام
الطبول والبخور(77)
نجد أن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد لم يعبر على الأطلاق عن القيم المفضلة للطبقة الحاكمة بل يرفض ضروب الواقع الفني الذى يهادن الطبقة الحاكمة ويساوم قيمها.
أتف القصائد اٍذا ما القصائد
دايره ليك البكاء البصاحب
رضا السردار
اٍذا ما القصائد بتنزل مريده
تسبح بحمد الذى اٍبتلاك
وهدانى الودار(78)
نجد أن الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد لم يرفض التعبير عن واقع الطبقة الحاكمة ،بل رفض محصلة الواقع الذى تسببت فيه الطبقة الحاكمة. وما يفصح عن ذلك النموذج التالي الذى رفض الواقع السيء وما تنبئ عنه حالة المدن التي افتقدت لأهم السمات المميزة لها مما أعسر مهمة التعرف عليها، بعد أن هجرها ساكنيها وأستوطن بها الجوع وأصبحت أشباحاً إٍذ لم تعد ملاذاً آمناً لهم شأنها شأن الكلمة التي أضحت حبيسة الجوف بعد أن فقدت الأمن والأفراح معاً ، وبلغ الواقع من القسوة ما جعله يخاصم طفله فأصابها الهزال وحرق جسمها مد الأسى الحراق.
تعالوا نشوف ......تعالوا نطوف
على المدن البقت أشباح
على الجوع القعد مرتاح
على الكلمه البقت فى الجوف
تفتش سكة الأفراح
تعالوا نشوف......
منو البقدر يخاصم طفله
صبحت هازله فوق مد الأسي الحراق(79)
وتواصل أغنيات مصطفى سيد أحمد تمردها على الواقع السيء، وتستنكر أن تحل كارثة المجاعة بالسودان على الرغم من وجود ثروه حيوانيه تمثلها (المِِرحات) ,وثروه زراعيه قوامها أرض بكر تنتج الغلال والمحاصيل ،مما يدرى عنها شُبّهه المجاعة .كما أنها ترفض سياسة التصدير غير الرشيدة مما يكشف عن خواء مضمونيه الشعارات.
مُراحك يَعشى ويَفشى
خضارك يرطب يندى الضهارِي
ترابك مفوسب يقوم دخن
لو زرعت الحجاره
بلادك ولادك قروها السحالى
تسفر سعيتك تقنب تباري
الجداد العقالى(80)
أو حينما تقول :-
مصانع بتحرق قبل تبدأ فيها
مزارع بتيبس ونيلك ممدد جنازه
عقيدك وسيدك بيكتب
ويمحى تبق المحايا (81)
أن رفضها للواقع واصطفافها إلي جانب ضحايا ذلك الواقع، نابع من سعيها الحسيس لإٍعادة صياغته وتشكيله بما لديها من خبرات جمالية و فنيه كفيلتين بتحقيق ذلك.
النموذج التالي يوضح ما لحق بالمزارع من غبن بعد أن وضع التعب يده على جبينه وتملأ يديه رمل الشقي مغلوباً على أمره في جلد وصبر، ينتظر عدالة السحاب بعد أن قنط من عدالة الأرض.
ألقاك وين
كان التعب ماخت أيدو
على جبين تربال
يخم رمل الشقى المليان غلب
دقست قوافلو مع السحاب
رابط جليد الهم سعن
محزوم خشيمو من الصبر
راجى السحاب(82)
إن أغنيات مصطفي سيد احمد لم ترفض الواقع السياسي وحده ، بل رفضت كل تداعيات ذلك الواقع والذي ألقي بظلاله علي كافة مناحي الحياة لا سيما الفني منها. النموذج التالي يوضح كيف أن الواقع السيء الذي يجسده الخوف والرتابة والحرقة اول ما أصاب ذلك الواقع ، الأغاني في نبضها والمعاني في حسها والمهابة في خاطرها الجريح.
في زمان الحرقه والخوف والرتابه
إنكتم نبض الاغاني
وإنبهم حس المعاني
وإنجرح خاطر المهابة(83)
لم يكتفي ذلك الواقع السيء بكتم نبض الاغاني ، بل افقدها بصرها فاضحت كفيفة عاجزة عن رؤية الاشياء لتعبر عنها .
تعالو نشوف
غناوينا البقت في الدنيا ما بتشوف
تعالوا نشوف
حروف البكا الجواها مافي حروف(84)
السؤال الذي ينهض هل اختزل الموروث الفني لمصطفي سيد احمد دروه في رفضه للواقع؟ وهل سيطرت فكرة الاستقلال السلبي عن الواقع علي ذلك الموروث؟
لم تكن فكرة الاستقلال عن الواقع سلباً تهيمن علي مخيلة الموروث الفني لمصطفي سيد أحمد وذلك بإنتاجها عمداً لجمهورية أفلاطون الخالية من الشعراء الثائرين علي الواقع والمستقلين عنه ايجاباً. ويؤكد ما ذهبنا اليه النموذج التالي :
ما اعتي ظلمك ياولد
واعدل قضيتك واعظما
لا ترجع السيف الجفير
والدنيا دايرة مصادمة
من غير تجيب تار البلد
ريح العوارض تهدما (85)
بل نجد أن الموروث الفني لمصطفي سيد احمد يوافق رأي البير كامي والفيلسوف الالماني نيتشه في (ان ليس ثمة فنان يستطيع أن يتحمل الواقع لأن من طبيعة الفنان ان يضيق ذرعاً بالعالم ) ثم يضيف بعد ذلك (ليس ثمة فنان يستطيع ان يستغني عن الواقع تماماً) (86) وهو ما يترجمه الاستقلال الإيجابي عن الواقع وذلك برفضه ومن ثم الدعوة الي إصلاحه وتغييره وليس الهروب منه.
اقول البنات
البفتحن صدروهن
يقالدن رشاشن
ويخلن حبيبهن
كضب(87)
هنالك ثمَّة سؤال لابد من طرحه: هل رفض الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد الواقع من أجل الرفض ؟
يرى كامي بأنَّ الفن يعبر عن حاجة ميتافيزيقية أساسية إلا وهي الحاجة إلى الوحدة. (88) ولمّا كان الإنسان لا يجد في عالمه الواقعي مثل هذه الوحدة التي هو في حاجة إليها، فإنّه يجد نفسة مضطراً إلى خلق عالم آخر يقيمه بديلا لهذا العالم.
إذ أنّ الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد لم يرفض الواقع من أجل الرفض فقط بل إن رفضه قائم على إعادة صياغة وتشكيل الواقع بمقتضى ما لديه من خبرات إبداعية وفق معطيات الواقع القديم الذي لم تعد فيه (بيُّوضة). مجرَّد صحراء جرداء كما في النماذج التالية بل نفذت إليها روح الخلق و الإبداع فأصبحت روضة تشرب من خزّان الحَامْداب تعلوها خضرة وتشجيها أصوات القماري.
فيافي الصيّ وبيُّوضة
البراسيم فيها مرضوضة
خضارها يراري شوف عيني
على الأبواب .......
قماريها..... طواريها...... حواريها
بقت روضة
بقت تشرب من الحامداب
تشوفي رهاب
بُعُد نجمي
أشوفه قريب قُرُب نضمي(89)
إنَّ رحلة التوافق والإتساق مع الذات تبدأ بالتفاعل مع معطيات الواقع المفروض وليست الهروب منه
يلاقوك شُفَّع الكتَّاب
نضاف وظراف بلا النسمي
يغنولك غناوي الساب
وفي بيُّوضة مافي سراب
جبال كجَبي ومنافي الكاب
تميد بالخضري منقسمي(90)
النموذج السابق يتماشى مع ما يراه ألبير كامي في ربط الفن بالتمرد أو بعبارة أخرى بين الفن ورفض الإنسان عن ما هو عليه. (91) إذ يتوجّب على الفنان المتمرد فرض شكل فنِّي منظًّم أو صورة معقولة.
بقراءتنا للموروث الفني لمصطفى سيد أحمد نجده قد عاش في حاضنة الاغتراب الداخلي حيناً من الدهر، الأمر الذي يستوجب طرح عدَّة أسئلة: هل كان ذلك من أجل العجز عن التكيف مع الواقع الخالي من الوحدة والاتساق؟
وبالتالي يصبح الاغتراب ضرباً من ضروب البحث عن الوحدة وتبقى بالضرورة الهجرة والسفر وغيرهما من ثقافة المهجر والاغتراب هي السمة الغالبة فيه:
أملنا الباقي يسرح بي
واهاجر لي زمن تاني
تبقى الدنيا في عيني
هدأت موجة في بحر الأسى المدود
رجعت خطوة من درب الضنى المهدود
هجعت غنوة في سكة فرح مفقود
وافتش ليك ... أفتش ليك
وأفتش لي حناني معاي
أماني تصارع المكتوب(92)
أو حينما قال :
مرقت على محطات السفر غربة
ومالقيتك أمل شارد(93)
الفن عند سانتيانا :
يرى سانتيانا بأنّ الفن هو عبارة عن غريزة تشكيلية شاعرة بغرضها، بحيث لو قدّر للطير وهو يبني عشّه أن يشعر بفائدة ما يصنع لصح أن نقول عنه إنّه يمارس نشاطاً فنيٍّاً. (94) هذا الرأي يعرِّف الفن بأنه أداة أنتاج متضمنة لبعض القيم الجمالية.
وإذا ما ألقينا الضوء بصورة خافتة على الموروث الفني لمصطفى سيد احمد نجد أن الكثير من الأغنيات تتفق مع ما ذهب إليه سانتيانا في تعريفه للفن إلى حد كبير. فإنّها قد أدركت الدور الرائد للفنان في مجتمعه و إحساسه بعظمة المسؤولية تجاه ذلك وواجبه في بناء و اصلاح واقع المجتمع.
أغنّي للناس المابتسمعني
المني بعيدة والمبعدة عني
أنادي نشيدة وكنت المعني
الإيدي في إيدها وإيدها بتبني
في دنيا جديدة اليوم راح تدني
وأريت غنواتي في ناس شغالة
تكون سندالة وعود طورية
ضراع رجالة كتاب أطفالها
وجملة فالها المامقرية
بقت فالة وسدت مالة
في ليلة الدُخلة على أسّمى قضية(95)
المقطع التالي نجده يعمل على خلق واقع جديد للسودان متمسكاً بعُرى ثالوث القوى العظمى ( العقيدة، الإرادة، العقل) مستخدما معاول البناء والتغير – فاس، قلم رصاص، كمنجة، مسطرين، طبنجة، عشق، قوة إرادة يمثلها الإصرار والبأس.
أمنا بيك وموحدين
في إيدنا فاس وقلم رصاص
شتلة وكمنجة مسطرين
وطبنجة في خط التماس
حراسه من كيد البكيد
ضد الرصاص والإنتكاس
نبنيك هوى وأشد بأس(96)
نجد أنّ (الأنا الفردية) لدي الفنان في غالبها الأعم كامنة في (الأنا الاجتماعية) لاسيما إذا سخًّر الفنان عمله الفني في خدمة وبناء مجتمعه.
النص التالي يطالب العمال والمزارعين بالمشاركة في بناء بلدهم ولم يغفل استصحاب الموروث الشعبي (شليل) إذ إنّه يشكل كيانا قوميا ومعيناً ثقافياً، وهو بلا شك جزء من كيان المجتمع الاجتماعي والاقتصادي
عُقُب سيرة البلد سارت
على النغمة العديلة وزين
بعد دا الحال بلا مرسال
يجو العمال يجو الفُلاّح
يجو النّاس البفقدو شليل
وشقيش راح (97)
خلق الموروث الفني لمصطفى سيد أحمد دلالات مشرقة للمرأة في قاموس الطبيعة من أجل استيعاب معانيه وقراءة تفاعلها معه، بل جعلها بمثابة الموسيقى التصورية المكملة للكثير من الكيفيات الجمالية والماهيات التصورية في الطبيعة.
يا ما شان زفة خريفيك
كل عاشق أدى فرضو
مافي شمساً طاعمة طلّت
إلا تضحكي ليها برضو
والغمام الفيك راحل
في الصنوبر يلقى أرضه
الصباح امتد ياما
كل ما جاوبتي نبضه (98)
أوحين قال:
من غبتي ما شرقت شمس
والدهشة ساساقة دروب
لي وين تمشي(99)
قد يكون جديراً بالمتابعة الأثر النفسي للفنان الذي تفاعلي معه قوى الطبيعة وهو ما يفصح عنه النموذج التالي:
جاني خاطر بلى شوقي واحتواني
النخل إتلاقى غنى
ورّدد النيل الأغاني
الورود النايمة فاحت
عطّرت كل الجزاير برحيقها
الندي النايم بي فوقا
صفقت جنحاتو
غنت لي هوانا(100)
تسامت المرأة في أغنيات مصطفى سيد أحمد فضارعت هامت الوطن فغازلتها بعاطفة متوهجة على أنها الوطن الحبيب والحبيبة الوطن. عرفت الاغنيات (طيبة) و( نورا) و( وجيدا) كما عرفت أغنيات خليل فرح (عازة) .
الهوامش
يعرف الفيلسوف هنرى برجسون (1859-1941م)، (( الفن انه ادراك حسى خالص)). أنظر د.زكريا - 1 ابراهيم، فلسفة الفن فى الفكر المعاصر، دار مصر للطباعة، ص 15.
2) مصطفى سيد احمد المقبول، شاعر وملحن ومطرب سوداني، ولد بقرية ود سلفاب ريفي الحصاحيصا 1953 عمل بالتدريس بمدرسة ودسلفاب الثانوية العامة بعد ان تحصل على الشهادة السودانية عام 1973، التحق بمعهد الموسيقى والمسرح ، ثم اصيب بالفشل الكلوى والذى ادى الى وفاته بمدينة الدوحة-قطر- يناير1996.
3) ذهب تين الى ان الفن ظاهرة بشرية تخضع لنفس الشروط الحتمية التي تخضع لها الظواهر البشرية الجنس والسلالة او الوسط الاجتماعي (البيئه) العصر (المرحلة التاريخي).
4) ربط الفيلسوف الفرنسي جيو الفن بالحياة الاجتماعيه فقال انه توسيع الى الحياه الفرديه وادماجها فى حياة اخرى اكثر سعة واعم شمولا.
5) يرفض الفيلسوف لبندتو كروتشه (1866-1952) بان يكون تعريف الفن بالرجوع الى مفهوم "اللذه" او "المتعه" او "الاحساس بالملائم" انظر د. زكريا ابراهيم, فلسفة الفن فى الفكر المعاصر، دار مصر للطباعه، ص 46.
6) المصدر السابق، ص 143.
7) المصدر السابق، ص 16.
8) اغنية الملام للشاعر عبدالوهاب هلاوى، انظر عاطف صلاح الهادى، التواصل والرحيل، ص 83.
9) أغنية حوار للشاعر عاطف خيرى، انظر عاطف خيرى ديوان سيناريو اليابسة، الطبعة الاولى 1995، الخرطوم، عقد الجلاد للانتاج الفنى والنشر والتوزيع المحدود، ص34.
10) المصدر السابق نفسه، ص 38.
11) أغنية "حلوه عينيك" د. بشرى الفاضل، انظر عاطف صلاح الهادى التواصل والرحيل، ص69.
12) قصيدة مسادير، للشاعر عاطف خيرى، انظر عاطف خيرى، ديوان سيناريو اليابسه،. الطبعة الاولى 1995، الخرطوم، عقد الجلاد للانتاج الفنى والنشر والتوزيع المحدود، ص59.
13) د. زكريا ابراهيم ، فلسفة الفن فى الفكر المعاصر ،،دار مصر للطباعة ص17.
14) المصدر السابق، ص17.
15) اغنية سلام ياامى، للشاعر محمد الحسن سالم حميد، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص38.
16) أغنية حوار للشاعر عاطف خيرى، انظر عاطف خيرى ديوان سيناريو اليابسة، الطبعة الاولى 1995،الخرطوم، عقد الجلاد للانتاج الفنى والنشر والتوزيع المحدود، ص35.
17) قصيدة السحاب للشاعر يحي فضل الله، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص3.
18) اغنية" لو كنت معايا" للشاعر محمد المهدى عبدالوهاب، انظر يوسف الموصلى، مصطفى سيد احمد، ميد لايت المحدود، ص85.
19)اغنية على بابك، كلمات عبد القادر الكتيابى، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص3
20) اغنية قمر الزمان، للشاعر صلاح حاج سعيد،انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص28.
21) د. زكريا ابزاهيم، دراسات جماليه, فلسفة الفن المعاصر، دار مصر للطباعة، ص232.
22) اغنية حاجه فيك، كلمات هاشم صديق، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص5
23) المصدر السابق، ص 53.
24) المصدر السابق، ص 53.
25) اغنية الزمن الفلانى، كلمات نجاة عثمان،انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل"، ص 54.
26) المصدر السابق، ص 55.
27) أغنية اقتراح للشاعر عاطف خيرى، انظر عاطف خيرى ديوان سيناريو اليابسة، الطبعة الاولى 1995، الخرطوم، عقد الجلاد للانتاج الفنى والنشر والتوزيع المحدود الخرطوم، 20.
28) اغنية البنت الحديقة، كلمات خطاب حسن احمد، انظر يوسف الموصلى، مصطفى سيد احمد، ميد لايت المحدود، ص 87.
29) المصدر السابق، ص 87.
30) المصدر السابق، ص 87.
31) المصدر السابق، ص87.
32) المصدر السابق، ص 87.
33) يشرح كروتشه وحدة التنوع( بانها التى تدور الصور الكثيره حول مركز واحد وان تنصهر فى صوره تركيبيه)، انظر د. محمد زكى العشماوى، فلسفة الجمال فى الفكر المعاصر، بيروت, دار النهضه العربيه للطباعه والنشر، 1980 ص 25.
34) المصدر السابق، ص 25.
35)اغنية مزيكة الحوارى، للشاعرمحمد ا لمهدى عبدالوهاب،انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص 75.
36) اغنية حلوه عينيك، كلمات د. بشرى الفاضل،انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص 69.
37) يوسف الموصلى، مصطفى سيد احمد، ميد لايت المحدود، ص 35.
38) المصدر السابق، ص 43.
39) أغنية اقتراح للشاعر عاطف خيرى، انظر عاطف خيرى ديوان سيناريو اليابسة، الطبعة الاولى 1995, الخرطوم، عقد الجلاد للانتاج الفنى والنشر والتوزيع المحدود الخرطوم، ص 19.
40) اغنية صابرين، محمد طه القدال، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص 72.
41) اغنية رجعلك قليبى، كلمات محمد طه القدال، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل"، ص 41
42) أغنية حليوة ليلة المولد، كلمات محمد طه القدال، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل" ص 89.
43) أغنية قمر الزمان، كلمات صلاح حاج سعيد، انظر عاطف صلاح، ص 28.
44) أغنية حليوة ليلة المولد، كلمات محمد طه القدّال، انظر عاطف ص 88.
46) أغنية كوني النجمة، كلمات قاسم أبو زيد، عاطف صلاح ص 32.
47)المصدر السابق، أغنية حلوة عينيك، كلمات بشرى الفاضل، ص 70.
48)المصدر السابق، أغنية وضّاحة، كلمات أزهري محمد على، ص 24.
49)المصدر السابق، أغنية الممشى العريض، عبد العزيز العميري ، ص 35
50)المصدر السابق، مدن عينيك، عبدالقادر الكتيابي، ص 12.
52) مصطفى سيد أحمد، أغنية يا بت يانيل؛مكتبة مصطفى سيد احمد،سودانيز اون تاين
53) عاطف خيري، ديوان سيناريو اليابسة، ص8
54) يوسف الموصلي، ص 115، "حبالنا الجوّة ما تخنت. يحي فضل الله.
55) عاطف صلاح الهادي، ص96.
56) المصدر السابق، ص17.
57) يوسف الموصلى، ص101.
58)المصدر السابق، عاطف صلاح الهادي، ص23.
59) المصدر السابق ص70- حلوة عينيك.
60) عاطف خيري ص34- حوار.
61) د.زكريا ابراهيم، فلسفة في الفكر المعاصر ص 243.
62) ، التواصل والرحيل ، ص 49 طيبة ، محمد حسن سالم حميد.
63) المصدر السابق، ص 95 خاطر ، حميد.
64) المصدر السابق، ص 36، سلام يا أمي ، محمد حسن سالم حميد.
65) المصدر السابق ص 59 طيبة -66
66- د.زكريا إبراهيم، ص56.
67) د.زكريا ابراهيم، ص 130.
68) عاطف عبد الهادي، ص 87-\88 حليوة ليلة المولد، القدّال.
69) المصدر السابق ص 55، الزمن الفلاني، نجاة عثمان.
70) المصدر السابق، ص85، نشوة ريد، قاسم أبو زيد.
71) المصدر السابق ص 90، حليوة ليلة المولد، القدَال.
72) المصدر السابق ص 49، طيبة، حميد.
73) انظر المصدر السابق،.زكريا ابراهيم ص 72.
74) عاطف صلاح، ص61، مع الطيور، حافظ عبّاس محمد نور.
75) نسورا تعشق الترحال وتبقى الكون حريه
76) د. زكريا ابراهيم، ص 208- 209.
77) اغنية رجعلك قليبى، كلمات محمد طه القدال، انظر عاطف صلاح الهادى ،"التواصل والرحيل" ص 41.
78) المصدر السابق، ص 41.
79) يوسف الموصلى، ص 115و 116، حبالنا الجوه ما تخنت،. يحي فضل اللة
80) اغنية رجعلك قليبى، كلمات محمد طه القدال، انظر عاطف صلاح الهادى "التواصل والرحيل.
81) المصدر السابق.
82) عاطف صلاح، ص 14و 15، القاك وين، قاسم ابوزيد.
83) أغنية عزة هوانا، صلاح حاج سعيد،مكتبة مصطفى سيد أحمد ،سودانيز اون لاين
84) يوسف الموصلى، 115، حبالنا الجوه ما تخنت ،يحى فضل الله.
85) حميد، شريط كاسيت
86) د. زكريا, ص 206.
87) اغنية، رجعلك قليبى، محمد طه القدال، التواصل والرحيل
88) د. زكريا، 210.
89) عاطف صلاح، ص 37 أغنية، سلام يامى،محمد حسن سالم حميد.
90) المصدر السابق، ص 37.
91) د. زكريا، ص 206.
92)أغنية أملنا الباقى، مدنى النخلى،
93)أغنية ضليت، قاسم ابوزيد.
94) د. زكريا، ص 70.
95) عاطف صلاح, ص 49، 50,أغنية طيبه، محمد حسن سالم حميد.
96)أغنية طال ما بحرك حمى، محمد حسن سالم حميد، شريط كاسيت.
97)أغنية يا جمة حشا المغبون،محمد حسن سالم حميد.
98) التواصل والرحيل، ص 25 "فى عيونك" ابوذر الغفارى.
99)التواصل والرحيل، ص 14، القاك وين، قاسم ابوزيد.
100) عاطف صلاح، ص 75، مزيكة الحواري ،محمد المهدى عبد الوهاب
ismail ahmed [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.