منذ سنوات والصحف تكتب عما يعانيه أطفال السودان في الخلاوي، فكلها ترتكب فيها انتهاكات مع اختلاف الدرجة، لأنها لم تكن تتبع لجهة حكومية، وليس لها مواصفات ولا منهج ولا قانون يحدد من يحق له فتح خلوة أو يمارس تحفيظ القرآن، وفي عهد النظام المخلوع أصبحت الخلاوي مصدر تكسب للكثيرين، ولكي تمتلك خلوة وتدعمك الحكومة نفسها لا يكلف الأمر سوى جلباب نظيف وعمة وشال والتظاهر بالوقار وأنك حوار لأحد الشيوخ، والحكومة نفسها كان لديها مآرب من انتشار الخلاوي تلك. لن أدخل في وصف حال بيوت الأشباح التي تسمى خلاوي فقناة البي بي سي كفت ووفت، فقد عرضت قبل أيام تحقيقاً استقصائياً سرياً اخترق الخلاوي واستغرق ثلاث سنوات كشف أهوال الخلاوي، وأعتقد أن أي شخص شاهد التحقيق ارتعدت أوصاله من بشاعة مناظر التعذيب والبيئة القذرة التي يعيش فيها الأطفال وأحوالهم المزرية وسوء التغذية الواضح في عيونهم. كثيرون كانوا يعتقدون أن ما تكتبه الصحف عن الخلاوي فيه مبالغة، ولكن تحقيق البي بي سي أثبت أنه كان جزءاً من مشهد أكثر بشاعة، وأكد التحقيق للأهالي الذين يعتقدون أن شيوخ الخلاوي أمناء على أطفالهم أنهم ليسوا كذلك، فهم قساة القلب وجاهلون، وليس أدل على ذلك مما قاله ذلك الشيخ الذي استشهد بحديث يقول (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ) مبرراً تقييده للأطفال بالأغلال أنه يدخلهم الجنة، وقد ذكر الحديث خطأ وفهمه بغير ما قُصد منه. الغريب في الأمر أن أحدهم كان مع ذلك الشيخ حين رأي أنه يرد على أسئلة الصحفي بما يعتبر اعترافاً على جرائمه؛ منعه من التحدث وأسرع إلى اتهام الصحفي بمعاداة الإسلام حتى يستعطف الناس بالدين. إسماعيل ومحمد اللذين تابعت البي بي سي قصتهما منذ أن حاولا الهرب وتم القبض عليهما وعوقبا بالسجن في غرفة خاصة وضربا حتى شارفا على الموت، ثم نقلا الى المستشفى في حالة ميئوس منها، ثم تمثالا للشفاء بعد عذاب، مارس الشيخ عليهما الابتزاز لإبعادهم عن العدالة، وفي الحقيقة محمد واسماعيل هما مجرد مثال لمئات الأطفال بعضهم مات وآخرون أصيبوا بأمراض نفسية أو عاهات مستديمة وخسرتهم أسرهم إلى الأبد. الملاحظ أن أطفال الخلاوي عموما لديهم رغبة في الهروب، ودائماً هناك محاولات هروب ولذلك يُستخدم العنف مع كل من تم القبض عليه لتخويف الآخرين؛ الأمر الذي يفسر ما تعرض له محمد واسماعيل أمام أعينهم جميعاً، أذاً السؤال الذي يفرض نفسه، هل فعلاً بيوت الأشباح هذه تحفّظ القرآن وتخرّج أشخاصاً صالحين ؟ بلا شك لا، فالترهيب لا يعلّم وحتى ما يحفظ تحت ضغطه لا يفيد ولا يبقى في العقل. عموماً ما عرضته البي بي سي عن الجحيم الذي يعيشه أطفال الخلاوي يجب أن يدفع الحكومة الانتقالية إلى اتخاذ قرار حاسم بشأن جميع الخلاوي وإغلاق الباب أمام تجار الدين وذلك بتأسيس مدارس متخصصة في تدريس القرآن وتحفيظه بالطرق الحديثة وفي بيئة نظيفة، فحديث وزير الشئون الدينية والأوقاف مفرح ومسؤولة قانونية للبي بي سي؛ لم يعجبني ويؤكد أننا في دولة عجز مسؤولوها عن توجيه الدين والقانون لخدمة المجتمع بطريقة حاسمة.