ربما ليس هنالك من هو أكثر فصاحة في شؤون القرن الإفريقي مثل الكاتب والباحث البريطاني، آليكس ديوال؛ فهو بسنين خبرته الطويلة في السودان والمنطقة، إلى جانب بحوثه وكتاباته المتعددة؛ يعتبر مرجعًا في قضايا الإقليم، وأحد أهم الباحثين في قضايا الحرب والسلام والنخب السياسية في إفريقيا. ومن المتوقع أن يكتب آليكس الكثير عن الحرب الإثيوبية الحالية، فهو لصيق المعرفة بالديناميات الداخلية والخارجية التي شكلت إثيوبيا الحديثة، وقد دلق الكثير من الحبر راصدًا لتاريخها السياسي المعاصر، هي وجارتها إريتريا، وبالطبع السودان، والذي كان محط تركيزه وما عرف به في الأوساط السياسية والأكاديمية. في هذا المقال، والذي نشر على موقع مؤسسته بجامعة "تافتس"؛ مؤسسة السلام العالمي، تحت عنوان "من المستفيد من تدمير إثيوبيا"، يتحدث آليكس لأول مرة عن الحرب الإثيوبية الحالية، ويكشف عن خطورة الوضع ليس فقط على إثيوبيا، وإنما المنطقة ككل، وحتى هياكل وآليات السلم في إفريقيا، ذلك إلى جانب فضح الأطماع الإماراتية والأجندة المصرية التي لا تبشر بخير، وأخطرها التدخل المباشر للإمارات في الحرب، وذلك عبر قاعدتها العسكرية في إريتريا، وهو الأمر الذي كان قد كشفته من قبل عدد من التقارير الصحفية والشخصيات الاعتبارية، وهو ما عززه حديث ديوال. هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها حول الحرب في إثيوبيا. اسمحوا لي أن أطرح سؤالًا آخر: من الذي سيستفيد في جميع أنحاء المنطقة؟ قبل عشر سنوات، قال لي ملس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك، "إن كابوسي هو أنه سيتوجب علينا التعامل مع أجندة مصرية تمول من أموال الخليج". وما فات على "كابوس" زيناوي التنبؤ به، هو أن تكون أحدث التقنيات العسكرية جزءًا من الكابوس. shareالفارق الحاسم بين الجيش الفيدرالي وجبهة التيغراي هو الطائرات بدون طيار التي تحلق من قاعدة إماراتية في "عصب" إن الفارق العسكري الحاسم بين الجيش الفيدرالي وجبهة تحرير تيغراي في الحرب الحالية هو الطائرات الحربية بدون طيار "درون"، والتي تحلق من قاعدة جوية في مدينة "عصب" الإريترية. وتتطلب حملات الطائرات بدون طيار من هذا النوع تخطيطًا دقيقًا مسبقًا. القاعدة الجوية في عصب تتبع لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت تستخدمها سابقًا كقاعدة لعملياتها العسكرية في اليمن. في عهد الرئيس دونالد ترامب، كانت سياسة الولاياتالمتحدة هي إطلاق العنان لإسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ حلفاؤها الرئيسيين في المنطقة. وفي اتصال هاتفي مع القادة الإسرائيليين والسودانيين في 23 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، قال الرئيس ترامب، عن مصر وسد النهضة الإثيوبي: "سينتهي بهم الأمر بتفجير السد. وقلت ذلك -وأقولها بصوت عالٍ وواضح ، "سيفجرون ذلك السد"". لا نعرف ما إذا كان الرئيس ترامب قد تم إطلاعه على الاستعدادات لضربات الطائرات بدون طيار في إثيوبيا، لكنه بالتأكيد أرسل رسالة عالية وواضحة إلى حلفائه في الشرق الأوسط. كان هؤلاء الحلفاء يعلمون أنهم لا يستطيعون توقع مثل هذه الحرية من إدارة بايدن. بالنسبة لمصر؛ فإن إثيوبيا في حالة اضطراب تشبه الوضع السابق الذي كانت عليه قبل أن يصبح ملس زيناوي في الحكومة -وهو شيء كان المصريون يرغبون فيه. تتحدى إثيوبيا القوية سيطرة مصر على مياه النيل وأجندتها للتأثير في المنطقة. كما أن مصر على خلاف مع الاتحاد الإفريقي، الذي علق عضويتها بعد أن استولى الرئيس عبدالفتاح السيسي على السلطة في 2013، حيث يعلق الاتحاد الإفريقي تلقائيًا الحكومات التي تتولى السلطة بوسائل غير دستورية.أما بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فإن إثيوبيا مُضعفة تعتمد على التجارة العسكرية؛ ستتناسب مع أهدافها الكلية في المنطقة. اسمحوا لي أن أكرر: أنا لا أنقل المسؤولية أو المشاركة المباشرة إلى أي من هذه البلدان. لكنهم سيستفيدون. المستفيد المباشر من الحرب هو الرئيس الإريتري إسياس أفورقي. لقد كان يتوق إلى أن تكون إثيوبيا في حالة اضطراب. في تسعينات القرن الماضي، وصف إثيوبيا بأنها مثل يوغوسلافيا، مصيرها التفكك. أكبر مخاوفه هما الجيش الفيدرالي الإثيوبي وجبهة تحرير شعب التيغراي. واليوم هم محاصرون في محاولات الإنهاء المتبادلة. ربما كان رئيس الوزراء آبي أحمد ساذجًا بعض الشيء، على أقل تقدير، في قبوله الرئيس إسياس أفورقي كمعلم ومرشد في السياسات الأمنية. لكن الإشارة كانت واضحة، بعد توقيع اتفاق السلام والأمن بين أديس أبابا وأسمرة، سافر الرجلان إلى أبوظبي للاحتفال، وتجنبوا قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت بعد ذلك مباشرة. لكن يمكن لإسياس أن يعلن براءته من تدمير إثيوبيا. إنه صامت ومتكتم بينما البلاد تمزق نفسها. ما يتم تدميره الآن ليس فقط تماسك إثيوبيا، ولكن السيادة والوحدة والاستقلال الإثيوبي. لقد أصبح النموذج الذي كان واعدًا من قبل للدولة التنموية في إفريقيا تاريخًا الآن. ستقضي إدارة بايدن القادمة وقتها في المنصب في محاولة لإدارة الضرر، ولن تكون قادرة على متابعة أهداف أخرى. كما أن معايير ومبادئ ومؤسسات الهيكل الأفريقي المتعدد الأطراف للسلام والأمن ستُداس بالأقدام.