لماذا هذا التأخير في تصنيف المؤتمر الوطني كجماعة إرهابية، رغم انقضاء الكثير من الوقت على الدعوات الأولى له، ورغم أنه لا يلزم كثير نقاش للاقتناع بصحّته وجدواه؟ ما هو الموقف الآن فيما يتعلق بتكوين جهاز الأمن الداخلي والنظر في كفاية وتطوير قوانين محاربة الإرهاب؟ هذه مجهودات حرجة ومستعجلة لحماية الشعب ومستقبل البلاد ومواكبة النظم العالمية. تقع على عاتقنا اليوم كأجيال معاصرة لهذا التغيير مسؤولية تبني الإجراءات المناسبة لبشاعة ما حدث، المنصفة للضحايا والهادية للأجيال القادمة. فألمانيا التي كانت يوماً دولة النازية والعنصرية والمحرقة، تجرِّم اليوم التحية النازية حتى ولو عن جهل، فكانت مواجهة أشباح الماضي هي نقطة الانطلاق نحو مستقبل البناء والقيم الإنسانيّة، حتى غدت من أقوى اقتصادات العالم ومن أكبر مستقبلي اللاجئين في اوروبا في نفس الوقت. لا يمكننا الاستمرار في التعامل مع النظام البائد كمجرد ديكتاتورية فاسدة، هذا الوصف اللطيف ربما انطبق على نظامي مبارك أو بن علي مثلاً، وليس على نظام الإبادة وجرائم الحرب والإرهاب هذا. حري بنا الارتقاء لمستوى الطموح الثوري لإحداث القطيعة الكاملة مع هذا الماضي المشين صوناً لمستقبل الانتقال وإنصافاً ومواساة للضحايا ورتقاً لفتق نسيجنا الوطني. وصف الحزب المحلول بالإرهاب هو مجرد تقنين لما هو معروف أصلاً، ورغم أن الممارسات الإرهابية للتنظيم –خاصة الخارجية- كانت صارخة إبان عهدهم الأول، إلّا أنها –داخلياً- كانت الطابع المميز لكل فترة حكمهم، بل أن استهداف المدنيين قد زاد إبان تصاعد القلاقل في دارفور وجبال النوبة، وقائمة متهمي محكمة الجنايات الدولية دليل آخر على الطبيعة الممنهجة للجرائم بحيث تدمغ التنظيم كاملاً وليس مجرد أفراد منبتّين. لذلك، فمن المفروغ منه أن هذه الجماعة هي منظمة إرهابيّة بكل ما يجب أن يقتضيه التعريف القانوني من معنى، ولنتتبع الأحداث المميزة لأعوام الخراب: انقلاب عسكري، تمكين عقائدي، بيوت أشباح واغتيالات المدنيين، إعلان الحرب الجهادية و استخدام دعاية سياسيّة تكفيريّة، محاولة الوصاية على المجتمع وفرض ثقافة جديدة، إيواء إرهابيين دوليين وجعل البلاد قاعدة للإرهاب الدولي، تقديم الدعم اللوجستي والمالي للجماعات الإرهابية الدوليّة، تكوين ملشيات حزبيّة- عقائديّة، محاولة اغتيال رئيس دولة مجاورة، تقسيم البلاد في محاولة لتحقيق النقاء الديني، تكوين ميليشيات قبلية، الاستهداف الممنهج للمدنيين، تبني وترويج عقيدة عنصريّة، جرائم حرب وإبادة جماعيّة. الخلاصة أن الجميع بات يعرف: هذا التنظيم مستعد لإبادة نصف الشعب من أجل أجندته! هو تنظيم لا يبالي البتّة بالكلفة الإنسانيّة لسياساته، ولن تعوزه الفتاوى الدينيّة لإباحة أي شئ، وهذا عين الإرهاب. ربما تتخوف الحكومة من استفزاز الفتك الإرهابي الكامن للتنظيم حال حصاره في الزاوية، ولكني أعتقد أن هذا المرض يجب اسئصاله والتعامل مع انتفاضته الأخيرة الآن، بدلاً من تركه سوسة تنخر في جسد الوطن، وقد أثبت ما انقضى من عمر الفترة الانتقالية أن لا مجال لأحلام عودة الابن الضال، الذي نفذت أوهام الاصطفاء إلى جيناته فخُتم على قلبه بالعداء للثورة والشعب. كما أن الطور الإرهابي الصارخ للتنظيم عائد لا محالة، ويتوقف توقيت عودته على درجة اليأس من جدوى وسائله الحالية، حيث أن قوّته الاقتصادية داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى وجوده الكثيف داخل أجهزة الدولة سواء البيروقراطيّة أو الأمنيّة والعسكرية، وقدرته على عرقلة عمل الحكومة والتأليب عليها بالتعاون مع شركائه في السوق والإعلام، كل ذلك يمنحه الأمل في عودة باردة ومتخفيّة تحت عباءة أبنائه في اللجنة الأمنيّة، التي ما زال يغازلها أملاً في نفض يدها عن الشراكة ومن ثم لجوءها إليه كحاضنة بديلة بأوجه جديدة، ولكن المستجدات الأخيرة من الخروج من قائمة الإرهاب والقانون الأمريكي الداعم للتحول ولسلطة المؤسسات المدنيّة على كامل الاقتصاد والأجهزة الأمنيّة والعسكريّة تهدد مواقعه الحصينة داخل الأجهزة البعيدة عن أيدي المدنيين وتعمل ضد أمل العودة. حال تلاشي هذا الأمل، فمن الأرجح ركون التنظيم إلى طبعِه: الإرهاب. هذا لغم في طريق الثورة ينبغي أن تُحسن له الاستعداد وتتريس الثغرات، ليس من الجانب القانوني فقط، بل من الجانب التنفيذي أيضاً؛ يجب أن يكون هناك جهاز خاص لمحاربة الإرهاب بقدرات فائقة على التحقيقات وعلى التعامل الطارئ مع التهديدات الإرهابية، وبتبعيّة وخط اتصال مباشر إلى قمّة الهرم التنفيذي. وهنا يستمر التساؤل: ماذا حدث بخصوص جهاز مكافحة الإرهاب المزمع الذي تحدثت عنه الحكومة في مارس الماضي؟ هل هناك أي مجهودات يتم بذلها في إصلاح وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية؟ نحتاج إلى تسمية الأشياء بمسمّياتها لنستطيع التعامل معها بالصورة الصحيحة، نحتاج إلى هذا التصنيف بشدّة وبصورة ملحّة لإنجاز متطلبات الانتقال، حيث أن آثار الإرهاب الكيزاني ما زالت بائنة وخطيرة، وقد لا نبالغ إذا وصفناها بأنها تشكل تهديداً وجودياً للوطن نفسه، من استهداف لرئيس الوزراء، إلى أخبار المحاولات الانقلابية، والتلاعب بالسوق، الإمداد، الإعلام، التراخي الأمني، السلم الأهلي والعمل على زيادة الانتشار الوبائي وغيرها من الآثار الأخرى على حياة المواطنين ومفاصل الدولة والسوق والمجتمع. يمكننا قانون تصفية نظام الإنقاذ ولجان إزالة التمكين من قطع شوط يسير فقط في معركتنا مع التنظيم الإرهابي، فهو قاصر عن الوصول إلى العمق المطلوب في استئصال شأفة التنظيم وصد هجماته التي ما زالت تعرقل مسير الانتقال وتجد البراح الكافي للعمل والتخطيط، كما أنه لا يمتلك الزخم القانوني المناسب للوصول للملاذات الإرهابية الآمنة خارج البلاد. لذلك، نحتاج إلى هذا التصنيف أيضاً لإقناع المجتمع الدولي بتبنيه، وهي مهمة يجب أن تكون غاية في السهولة، فدولتنا مازالت حتى وقت قريب راعية للإرهاب عند شرطي العالم بناء على الدلائل الواضحة إبان عهدهم، وتاريخهم غني بما يدمغهم دون عناء: من استضافة الإرهابيين الدوليين ومحاولات اغتيال الرؤساء وتصدير الثورة "الإسلامية". ما يشابه هذا التصنيف متبنىً في الكثير من دول المنطقة والعالم نحو تنظيمات ذات منطلقات عقائديّة مشابهة. تبني المجتمع الدولي للتصنيف الإرهابي سيكون له الأثر الأكبر في تسهيل تتبع واسترداد الأموال المنهوبة وتوفير الرعاية والإرادة الدولية لهذا المجهود، والاستفادة من نفوذ الدول المؤثّرة على النظام البنكي العالمي، تجفيفاً لتمويل الإرهاب الدولي، واسترداداً لحقوق الشعب السوداني ودعماً لاقتصادنا المنهار. يجب أن لا نحلم أن هذه الثروات العابرة للمحيطات يمكن أن تتركنا لشأننا في يوم من الأيام. إفساد المال للحكم وللديمقراطية معروف، إذا أردنا حماية ديموقراطيتنا الوليدة من هذا المال الفاسد، يجب علينا طرق جميع الأبواب منذ الآن. كما يجب أن ننتبه أن معالجة الأموال الإرهابية المنهوبة والتي يقدرها البعض بعشرات المليارات من الدولارات ليست لمصالح وطنيّة داخليّة فقط؛ فهذا الحجم من الثروة مهدد حقيقي لاستقرار منطقتنا الهشّة التي لا تحتاج لكثير موارد لتغيير موازين القوى المتقلبة في كثير من جهاتها. لا يخفى أن وجود مصطلح "الإرهاب" في الثقافة القانونية العالمية هو بسبب الحاجة إلى التعامل الخاص والاستبقاقي مع حجم الخسائر التي تعمل الجماعات الإرهابية على تكبيدها للدول والمجتمعات، بحيث أن قوانين مكافحة الجرائم العادية تصبح منعدمة الفعالية بالنظر إلى الأخطار الماثلة والمخططات الشريرة عالية التنظيم والتنسيق كبيرة الإمكانيات وواسعة التأثير. نحن الآن نتعامل مع شبكة إرهابية أخطبوطيّة غنيّة بالنفوذ والموارد داخلياً وخارجياً، الأخطار الكبيرة تحتم صلاحيات أكبر لأجهزة الدولة حتى تستطيع الوقاية، نحن الآن نعيش الحالة المثالية من الحوجة إلى سياسات محاربة الإرهاب المنظّم.