وراءها نفوسٌ تضجّ بالحيوية..). – نيتشه- .. وصل الفساد في السودان إلى مديات تنذر بإنهيار أركان الدولة، حيث بلغت المنهوبات من المال العام أرقاماً قياسية وغير مسبوقة في ظل غياب الرقابة الفاعلة وضعف أداء الأجهزة القضائية والإنشغال بالتصريحات الرنانة التي تنفي وقوع حالات فساد حقيقية، عدا عن تلك التي تؤكد رغبة كل الناس بالكشف عن الفساد ومحاسبة المقصرين والذين استغلوا وظائفهم وسلطاتهم التنفيذية ليسرقوا الأموال ويحصلوا على منافع غير مشروعة، وقد صرنا بحاجة لمعرفة نوايا السياسيين والأحزاب والقوى التي تتحدث عن الفساد وشروره وتنأى بنفسها عن حماية المفسدين في حين تؤكد الوقائع العديدة خلال سنوات وأشهر مرت أن القوى السياسية تشترك في خاصية وجود المفسدين في تكوينها، وإنها تحميهم وتدافع عنهم بقوة.. ولعل ذلك الشاب الذي سأروي حكايته لاحقاً الأقدر من بين كل السودانيين على إستنطاق البعض من الذين ينفون، ويكتمون ويحمون ويدافعون بشراسة في قضايا الفساد، وملخص القصة أن شاباً توجه إلى أمريكا للحصول على شهادة عليا وكان أبواه أنفقا الكثير لتأمين أوضاعه وتلبية متطلباته المالية، وهما يعملان في تربية المواشي والزراعة حتى إن أباه باع عدداً من الثيران والنعاج، والخرفان التي بحوزته حباً بولده وحرصاً على مستقبله وهو لا يدري في أي إختصاص يدرس وبأي شهادة سيعود؟ بعد سنوات عاد الشاب وإستقبلته القرية، وإحتفلت به الأسرة وصار الرجال يطلقون الرصاص من بنادقهم القديمة وتلك الحديثة والأسلحة الرشاشة إبتهاجاً بالعودة الميمونة والمباركة وأخذ الأب عدداً من الخرفان وذبحها، وكان لدى عمه ثور سمين ذبحه وأولم للناس، وكان الضيوف فرحين ، وعلى المائدة العامرة بأطايب الطعام سأل الوالد ولده: أي يا ولدي إحكِ وقول لأعمامك عن دراستك وعن الشهادة التي حصلت عليها؟ قال الولد: لقد حصلت على شهادة في علم الحيوان، فرد الوالد بغضب: خسئت يا ولد، تذهب إلى أمريكا لتعود لي بشهادة في علم الحيوان بينما الأمريكان يقتلون الناس بأسلحتهم الفتاكة ووصلوا المريخ وإستخدموا الذرة في تفاعلات عجيبة، ثم ما هذا العلم في الحيوان؟ قال الولد: إنه إختصاص في فسلجة الجسد وذات الحيوان فبإمكاني الدخول إلى أعماق الحيوان وإستنطاقه ليكشف الخفايا وإذا شئتم أعطيكم أمثلة واقعية الآن. فقالوا جميعاً: نعم نريد تلك الأمثلة، فنظر الولد إلى بقرة واقترب منها وتحدث بكلام وردت عليه بخوار، ثم قال أتدرون ما تقول؟ إنها تئن لأنكم ذبحتم ولدها. فقال الوالد: أي واللهِ.. ثم توجه إلى ثور مربوط وتحدث بكلام ثم قال: إنه يئن أنيناً أشد من أنين البقرة لأنه سيذبح الجمعة القادمة . فقال الوالد: أي واللهِ.. ثم توجه الى حمارة تقف لوحدها وتحدث إليها، وقبل أن يقول شيئاً، صرخ الوالد بصوت يسمعه الجميع: يا ولدي لا تصدق ما ستقوله الحمارة لك عني. إنها تكذب حتماً !!. الدكتور نائِل اليعقوبابي [email protected] نقلاً عن المواكب