(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)! من الآيات التي لا يتم الوقوف عندها، وإن وقفت عندها، أوقفتك التفاسير عند "فلليهوديّ وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها"، وحالت بالتالي دون سريان مفهوم الاية في حياتنا وجعلتها للتلاوة في رمضان فقط! بينما مفهوم الاية مفتوح وغير مقيد! انتشروا في كافة مناحي الحياة وعلومها وتقنياتها وأفكارها ورؤاها، ففي كل تلك الوجهات ثم وجه الله تعالى، انتشروا ناشدين الخيرات ومتسابقين إليها، بلا خوف ولا جل، من اصاب الخير فله أجران ومن اخطأه فله أجر المحاولة والنشدان. هذه هي سوح الجهاد الحقيقية، يا من تحدثكم أنفسكم بالجهاد، فالجهاد في سبيل الله ليس له "تحديد" وإنما هو استباق الخيرات، ونوعية الجهاد أولوية تحددها المرحلة، فكل سعي في سبيل الله جهاد، وسبل الله تعالى لا عد لها ولا حصر! الجهاد في لحظة قد يكون "إماطة أذى عن الطريق" وقد يصل إلى تشييد الصروح والمعامل العلمية، بل قد يسمو ويرتفع ليصل إلى إدخال بهجة في عيون طفل بائس يدفع أمامه "درداقة"! لا ندري لماذا جعل بعض "السلف" رحمهم الله، مفهوم الجهاد حصراً في قتال "المخالف" وسلبه لكسر عزة نفسه، إن توجب ذلك في حق المعتدي والظالم، فإنه لا يجوز في حق المخالف، وإن كان صاحب فكر نظن انه خارج، فجهاد الفكر فكرٌ مثله! انت الان في وظيفتك أو في حقلك أو في مركبتك أو في بيتك أو في صف الرغيف، في حالة جهاد، ومن أعلى مراتب الجهاد، إن كنت تبذل الوسع في "تجويد" ما تفعل وتبتغي منه خير نفسك وأهلك شريطة ألا يتمخض عن فعلك ضرر يلحق بإنسان أو حيوان أو بيئة! فلننطلق في سوح الحياة، ولننظر حولنا متجاهلين قيود المجتمع والتراث والآباء، الحياة تسير إلى الأمام، رغم أنوفنا، نحن لا نستطيع أن نعيش حياة الآخرين سواء من سبقونا زماناً "السلف" أو من سبقونا حضارةً "الغرب" وان كانت حياتهم ناجحة، لأنها ليست حياتنا وليست وليدة معطيات زماننا، ولكننا نستطيع أن نعبر من حياتهم "الحسية" إلى المبادئ القيم والهمم التي تقف وراء سبقهم ونهضتهم، وهذا هو مفهوم العبور أو العبرة (لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةࣱ لِّأُو۟لِي 0لۡأَلۡبَٰبِ)! اللهم احفظ البلاد والهمنا رشدنا وبين لنا سبل الجهاد!