كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي والدعوى – 1-2
نشر في السودان الإسلامي يوم 22 - 03 - 2010

سنقدم في هذا البحث أبرز الثوابت والمتغيرات التي ينبغي للعاملين في مجال العمل الدعوي ملاحظتها ومراعاتها ولا ينبغي لهم تجاوزها باعتبارها تمثل الإطار المرجعي للعمل والعاملين في هذا المجال ، وما إيرادي لها إلاَّ نوع من التذكير ليس إلاَّ.
فإن الأمة الإسلامية تعرضت وتتعرض لجملة من الفتن التي أدت إلى تشتتها وتفرقها، ومن هذه الفتن الاختلاف والتشرذم الفكري الذي أدى إلى التفرق في الدين والخروج عن الجادة فانحرفت وضلت وأضلت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة}([1])
فكان هذا هو السبب الأول في تفرق الأمة وتشرذمها. وإن كان هذا ليس موضوعنا إلاَّ أنه يمثل مدخلاً له، كون السبب لهذا التشرذم الفكري يرجع إلى الخلط بين (المحكم والمتشابه من نصوص الشرع. ولا خروج من هذه الفتنة إلاَّ بتمييز بعضها عن بعض.
وأما الفتنة الثانية وهي وإن كانت دون الأولى في الخطورة، إلاَّ أنها لا تقل شأناً لما يترتب عليها من أضرار قد تهدم كيان أمة الإسلام.
هذه الفتنة تتمثل في التشرذم التنظيمي في كيان أمة الإسلام الذي أدى بدوره إلى تعدد الرايات واختلاف المسميات.
ولن نتحدث عن ضرورة الوحدة بين المسلمين وأن الجماعة رحمة والفرقة عذاب وعن دور هذه الفتنة في إحداث شرخ فيها.
لكن ما ينبغي أن ننبه عليه هو القول بجواز ومشروعية تعدد الجماعات والكيانات الإسلامية المنطوية تحت لواء فرقة أهل السنة والجماعة، ذلك أن الاجتماع على الخير والدعوة إليه وعلى النهي عن المنكر ومحاربته مندوبة، بل قد تكون واجبة إن لم يرتفع المنكر إلا بجماعة أو لا يقوم الخير والدعوة إلا بجماعة، فما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب كوجوبه. ولست هنا بصدد التأصيل الشرعي لقيام الجماعات الإسلامية إذ ليس هذا موضوعنا
و نقول: إن جميع هذه الرايات والكيانات المتعددة العاملة في الصحوة الإسلامية رايات سنيَّة من حيث الفكرة والمنهج والوجهة والمنطلق.
ومما لا شك فيه أن الصحوة الإسلامية قد جددت وأحيت بعض الأصول الاعتقادية التي كانت موضع إجماع بين سلف هذه الأمة وخلفها، مما لا يجوز أن يُختلف فيها ولا عليها فهي مبنى دين المسلمين ولها ينتصرون.
إلاَّ أن كثيراً من هذه الكيانات لها اختياراتها الفقهية والاجتهادات التي ترجحها على غيرها، والتي ترى أنها الأقرب إلى الصواب وإلى روح الشرع ومقصود الشارع، فتراها تنتصر لهذا الرأي وتحشد الأدلة التي تؤيده وحُقَّ لها ذلك وقد تنتقد من خالفها إن لم تقدح فيه، وليس ثمة إشكال كبير في ذلك طالما اقتصر الأمر على هذا الخلاف ولزوم درجته وانضبطت ردود الأفعال فيه، ذلك أن الخلاف هنا ما زال في دائرة الظنيات لا القطعيات، والفروع لا الأصول، وفي إطار البحث عن الحق وإرضاء لله I، وهو كما يسميه كثير من الفقهاء باختلاف التنوع والتكامل لا اختلاف التنازع والتضاد، وفي إطار هذه الدائرة اختلفت الملائكة([2]) والرسل([3]) والصحابة فضلاً عن غيرهم، إذ الاختلاف سنة الله في خلقه([4]) وكما ذكر ابن تيمية رحمه الله أن تسعة أعشار الخلاف من هذا القسم، ويقول أيضا: وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كلما اختلف مسلمان تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة. فهذا النوع من الخلاف هو موضع التغافر والتناصح وهو الذي لا يُعقد عليه ولاء ولا براء.
غير أن البعض قد تشتبه عليه النصوص ودرجتها فيؤدي هذا الاشتباه إلى الخلط، وقد يكون الخلط ناتجاً عن غلو أو تفريط، فيغلو البعض فيرفع الظنيات إلى درجة القطعيات، كما أن المفرِّط يهبط بالقطعيات إلى درجة الظنيات، ومن هنا يحصل الخلط الذي يؤدي إلى إشعال الفتن وفتح أبواب الشر، والرشد كل الرشد في تمييز القطعيات من الظنيات، ومن هنا كان المنطلق الذي ننطلق فيه في بيان الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي الراشد.
فالثوابت هي في حقيقتها الأمور القطعية الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، أقام الله بها الحجة بيِّنة في كتابه أو على لسان نبيه، ولا مجال فيها لزيادة أو تطوير أو اجتهاد، كما لا يجوز فيها الخلاف لمن علمها.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بيناً لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.
وكما أن هذه الثوابت بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء فهي القاسم المشترك بين هذه الرايات، ليس لأحد الخروج عنها أو عليها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض وأعني بهم أهل السنة والجماعة.
وأما مجال هذه الثوابت فهو في كليات الشريعة وأغلب مسائل الاعتقاد، وأصول الفرائض، وأصول المحرمات، وأصول الأخلاق؛ فالإيمان والعقائد، والعبادات والأخلاق لا مجال للزيادة فيها أو الاجتهاد وإنما الواجب الإيمان بها وبمقتضاها بتسليم مطلق، والزيادة فيها بدعة مردودة على صاحبها.
وأما المتغيرات فيقصد بها موارد الاجتهاد، أو ما لم يقم عليه دليل قطعي من نص صحيح أو إجماع صريح، وهي ما يُعبر عنه الفقهاء بالظنيات.
ويدخل في هذه المتغيرات أقوال الفقهاء المختلفة التي لا يجب إتباعها، ولا يَكفر أو يُكفر أو يَفسق أو يُفسق من خالفها، كما لا يزعم قائلوها أن هذه الأقوال دِين بل يقولون هي اجتهاد من شاء قَبِله ومن شاء رده.
ومجال هذه المتغيرات الظنية المعاملات إذا هي باب عظيم من أبواب الاجتهاد، وذلك لاتساع مجالاتها وتنوعها وتطورها ومستجداتها المستمرة والسريعة لا تنحصر، وهو ما يحتاج معه إلى اجتهاد دائم وجديد ومستمر، والنصوص الشرعية في هذا المجال متناهية بقوله تعالى )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً( [ المائدة :3 ] بينما الوقائع والأحداث غير متناهية، ومحال أن يُقابل ما لا يتناهى بما يتناهى، كما ذكر ذلك ابن رشد في مقدمة بداية المجتهد. ولهذا كانت نصوص الشرع في باب المعاملات نصوصاً عامة تتيح للمجتهدين إعمال فكرهم واجتهاداتهم في إطارها، بما يحقق مقصود الشارع في ضوء تلك النصوص والأطر العامة، المبينة بما يصح وما لا يصح، والشريعة بهذا تتصف بالثبات والمرونة، فأصولها في هذا الباب ثابتة في حين اجتهاداتها في الفروع مرنة.
وسنقدم في هذا البحث أبرز الثوابت والمتغيرات التي ينبغي للعاملين في مجال العمل الدعوي ملاحظتها ومراعاتها ولا ينبغي لهم تجاوزها باعتبارها تمثل الإطار المرجعي للعمل والعاملين في هذا المجال ، وما إيرادي لها إلاَّ نوع من التذكير ليس إلاَّ.
أولاً: الثوابت
1 وحدة الأصول العقدية
2 وحدة مصادر التلقي والمرجعية الشرعية، أي الاتفاق إجمالاً على مصادر الأحكام من قرآن وسنة وإجماع وقياس، مع الأخذ بعين الاعتبار أن من الآيات القرآنية ما هو قطعي في معانيه ودلالاته ومنها ما هو ظني، ومن السنة ما هو قطعي دلالة وثبوتاً ومنها ما هو ظني، وكذلك الإجماع([5]) منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني، فالقطعي مما سبق ما قُطِع فيه بعدم وجود المخالف، والظني ما لم يُقطع فيه بوجود المخالف. فليعلم أن القطعي من الثوابت التي يجب لزومها ويحرم الخروج عنها، والظني مما يتسع فيه الأمر للخلاف وهو في دائرة المتغيرات الاجتهادية التي تراعى فيها المصالح وتحقيقها، والمفاسد ودفعها أو تقليلها.
3 حاكمية الشريعة (سيادة الشرع وسلطة الأمة) قال تعالى )فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً( [النساء :65] وقال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً( [النساء:59] وقال تعالى )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً( [الأحزاب:36] )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( [الحجرات:1] ونعني بذلك أن المرجعية العليا والحجة القاطعة والسيادة المطلقة في التشريع إنما هي للشرع والشارع وليست للأمة، وأن السلطة في كيفية تطبيق وتقنين الشريعة تكون للأمة ممثلة بأهل الحل والعقد فيها، فهذه السلطة مقيدة بسيادة الشرع فليس للأمة أن تسن أو تشرع قوانين تخالف ما نص عليه الشارع، فإن فعلت ذلك كان هذا الفعل مرفوضاً غير مقبول، كما لو اتفقت على تولية المرأة منصب الولاية العامة، أو تولية كافر أو مرتد لهذا المنصب. ومن هنا تلقت الأمة أحكام الشارع بتسليم مطلق، ولم تعارضها بأقوال الأئمة والفقهاء، بل عارضت أقوالهم بها، ونصوص الفقهاء في ذلك كثيرة. (كل يؤخذ من قوله ويرد إلاَّ قول صاحب هذا القبر) (وإذا صح الحديث فهو مذهبي)
وتحكيم الشريعة وإقامة دولة الإسلام هو مقصود الشارع من استخلاف الإنسان، كما أنه نيابة عن النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، وهو هدف كل العاملين في الحقل الدعوي بالضرورة.
4 أن الشرع هو المعصوم الوحيد؛ وأما الاجتهادات البشرية فهي عرضة للخطأ والغلط والقصور، ولذا وجدنا من سلف الأمة من قال (إذا خالف قولي قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط).
ويقول الإمام مالك: كل يؤخذ من قوله ويرد إلاَّ صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
5 لزوم منهج أهل السنة والجماعة:
إن لزوم هذا المنهج هو ما يجعل العاملين في المجال الدعوي الإسلامي ضمن إطار أهل السنة، فكما لا يخفى على أحد أن لفظ ومصطلح الجماعة الوارد في نصوص الشرع يراد بها أحد أمرين:
أ أنها بمعنى المنهج. ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم {وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. وهي الجماعة}([6]) وفُسِّرت في الرواية {قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي}([7])
وهي بهذا المعنى لا يحدها زمان ولا مكان، إذ أن أهل السنة والجماعة هم كل من أقر إجمالاً بالإسلام عقيدة وشريعة وتبرأ إجمالاً من كل ما يخالفه من أديان محرفة ومذاهب وضعية، وأقر إجمالاً بالسنة وتبرأ إجمالاً من كل ما يخالفها من فِرق الضلالة. وبهذا المعنى لا يحد أهل السنة مكان ولا زمان، كونها جملة من الاعتقادات تنطبق على كل من اعتنقها. فمخالفة جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة انحراف وضلال وابتداع في الدين وقد نُهينا عن ذلك كله لأن الجماعة هي الحق كما جاء في بعض الروايات، وقد قال عبد الله بن مسعود t {الجماعة أن تكون على الحق وإن كنت وحدك}.
ب أنها بمعنى الكيان؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم {من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه}([8]) وهي بهذا المعنى تطلق على الأمة كلها مجتمعة على إمامها الأعظم إن وجد .
6 الأصل في فهم نصوص الشرع أن يكون على فهم السلف. وقد جاء في بعض الروايات عنه صلى الله عليه وسلم {وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة} قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي}([9]) فهذه الرواية تبين أن الفرقة الناجية وهي التي على الحق كما في روايات أخرى هي التي تسير وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام y، الذي كان عصرهم خير القرون، ثم كان عصر من بعدهم كذلك لسيرهم سيرة من قبلهم. وعليه فأقرب فهم لنصوص الشرع هي أفهام هؤلاء السلف، التي جاءت نصوص الوحي بلسانهم، ومخاطبة إياهم، فعند تعارض المفاهيم والمعاني المحتملة للنص الشرعي وعند الفتن واختلاط الأمور فإن الأقرب صواباً والأكثر دقة وموافقة لمقصود الشارع هو ما فهمه هؤلاء السلف، ولذلك كان قولهم وفهمهم حجة ورافعاً للخلاف. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم فهم بعض صحابته لهذه النصوص حجة ورافعاً للخلاف، بل صرح بضرورة الاقتداء بهم في أفعالهم وأفهامهم لتلك النصوص فقال {فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة}([10]) وقد حذر سبحانه وتعالى من مخالفة فهم السلف لنصوص الوحي، وبين أن هذه المخالفة نوع من المشاقة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم فقال )وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً( [النساء:115] ولهذا كانت أقوال السلف في الدين والعلم والعمل خير من أقوال المتأخرين.
7 مشروعية الاجتماع على الخير والتعاقد عليه، والنصوص الواردة في ذلك كثيرة منها )كنتم خير أمة أخرجت للناس( )ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير( )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض( غير أن هذا الاجتماع مشروط بجملة من الشروط التي من شأنها أن تضبط مساره، وتحقق الغاية من قيامة، ومنها:
أ أن لا يكون اجتماعاً على أصل كلي بدعي يخالف أصول أهل السنة والجماعة.
ب أن لا يقصد به منازعة أهل الحق أو مواجهة الجماعات الإسلامية العاملة في الميدان
ج ألاَّ يُعقد على مثل هذه التجمعات ولاء يؤثر على الولاء العام لجماعة المسلمين. ولا مانع بالضرورة من وجود ولاء خاص فيما بين المتعاقدين شريطة ما ذكرنا.
د أن لا تكون هذه التجمعات على حساب الأخوة العامة للمسلمين.
8 قصر وصف جماعة المسلمين أو مصطلح أهل السنة والجماعة على تجمع دعوي بعينه غلو، يُنكر على مدعيه.
9 مصادرة شرعية التجمعات الدعوية لجماعة ما تحت أي مبرر تفريط منكر.
10 التعدد المقبول تعدد التنوع والتخصص المؤدي إلى التكامل، لا تعدد التضاد والتنازع. فالأول مطلوب والثاني مرفوض، وإذا ما نظرنا إلى بعض حِكم الله تعالى من إرادته تعدد الرايات العاملة في مجال العمل الإسلامي فإننا سنجد أن هذا التعدد والتنوع قد ساهم بفضل الله وبرحمته في قيام هذه الجماعات بكثير من الواجبات الكفائية المُضاعة، والتي لولا وجود هذا التعدد والتنوع لما أُقِيمت هذه الواجبات، إذا أن الله سبحانه وتعالى قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق وهو ظاهر في قوله صلى الله عليه وسلم {اعملوا فكل ميسر لما خلق له}([11])
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التعدد والتنوع بهذا المفهوم التكامل يهدف على المدى البعيد إلى توحيد الأمة والراية وخطوة في الطريق إلى جماعة المسلمين بمعناها الشامل، المنهج والكيان والدعوة والدولة .
11 الولاء والبراء يكون على الإسلام، لا على التجمعات الدعوية.
12 التوحد في القضايا العامة والمصيرية ضد أعداء الإسلام والمسلمين.
والتفريق بين مرحلة القوة والتمكين ومرحلة الضعف والمدافعة، وإذا كان سيدنا علي رضي الله عنه قد قبل من الخوارج مشاركتهم له في جيشه وحربهم معه وهم من هم فمن باب أولى أن تتوحد الجماعات وهي المتفقة في الأصول في قضايا الأمة المصيرية.
13 عدم القدح في الأشخاص والجماعات العاملة للإسلام.
14 محل الاجتهاد كل ما لم يرد فيه دليل قاطع أو نص ظاهر الرجحان.
15 لا يأثم المجتهد ولا يُنكر عليه وإن أخطأ. فأما كونه لا إثم عليه فدليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم {إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر}([12]) إذ جعل للمجتهد المخطئ أجراً وهذا ينفي تأثيمه إذ لو كان آثما لما استحق الأجر. وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى (لا إثم على المجتهد وإن أخطأ).
وأما كونه لا يُنكر عليه فلأن الله تعالى ورسوله لم يُنكِرا عليه، فمن باب أولى أن لا ينكر عليه البشر، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن الإنكار على المجتهد المخطئ سيؤدي إلى إحجام المجتهدين عن الاجتهاد، خشية الوقوع في الخطاء، وما ينتج عنه من تخطئة وتشنيع، وهذا التشنيع أو الإحجام سيؤدي إلى إغلاق باب الاجتهاد، وهو ما يخالف مقصود الشارع فكثير من المسائل إنما ذكرها الله تعالى بعموميات داعياً المجتهدين إلى إعمال اجتهاداتهم فيها.
16 لا إنكار في مسائل الخلاف:
وهذه قاعدة عظيمة نص عليها كثير من الفقهاء منهم الإمام ابن تيمية في كتابه الحسبة في الإسلام. غير أن هذه القاعدة لا تعني بالضرورة عدم بيان ضعف القول المرجوح والانتصار للأرجح، كما لا تعني عدم تعليم الناس وإرشادهم إلى الصواب، فغاية ما تدل عليه هو عدم الإنكار، والمقصود بالإنكار هنا الخلاف المؤدي إلى نزاع وفرقة. أمَّا مجرد البيان الذي لا يؤدي إلى مفسدة فلا مانع منه بل هو مطلوب شرعاً. كما لا يجوز التشبث بفعل أو قول ظهر الدليل على خلافه.
ومن هنا فالواجب إحياء السنن وتعليمها وممارستها وإفتاء الناس بها، ولا يجوز ترك ذلك بحجة أنها من الخلافيات، ولا إنكار في مسائل الخلاف.
17 درجة الإنكار يجب أن تكون على قدر المخالفة، ومن أهل العلم المعتبرين:
كما أن الإنكار والنقد ينبغي أن يكون متوجهاً للفكرة والرأي لا لقائليها ومتبنيها، ذلك أن الشارع قد أوجب صون الشريعة عما ليس منها، كما حفظ للعلماء والمجتهدين مقامهم ومكانتهم، وبتعرضنا للفكرة لا لقائلها نجمع بين الأمرين، إذ نكون بذلك قد حافظنا على الشريعة وحملتها فلا يدخل فيها ما ليس منها، ولم نتعرض لحملتها بأشخاصهم بنقد أو نحوه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.