ربما أكثر ما أزعج النظام البائد برئاسة المخلوع عمر البشير، هو توجيه المحكمة الجنائية تهماً للعديد من القادة الحكوميين على رأسهم البشير بإنتهاكات مروعة في ولاية دارفور ، الأمر الذي جعلهم يسارعون بتنظيم حملات تعبوية بالداخل لاستمالة عاطفة الرأي العام الداخلي، وإتصالات مع العديد من الدول العربية والإفريقية والأجنبية ، كما عقدوا العديد من الندوات في هذا الإطار وصوروا أن القضية تمس كرامة البلاد وليس رموز النظام . والمعروف أن النظام البائد قام بالعديد من التجاوزات في خضم صراعه مع الحركات التي تمردت عليه منذ العام 2003م ، حيث استعان بعدد من المليشيات للقيام بأعمال وحشية ضد سكان بعض المناطق في دارفور ،حيث قاموا بعمليات قتل وإغتصاب وحرق للقرى مما تسبب في موجات كبيرة من نزوح مواطني تلك المناطق المنكوبة، وحصرت المحكمة الجنائية التجاوزات التي حدثت في حق عرقيات بدارفور، شملت إرتكاب جرائم إبادة جماعية ضد بعض القبائل. تحدٍ ساذج وحاول الرئيس المخلوع أن يتحدى قرارات المحكمة الجنائية التي أمرت بإعتقاله ومحاكمته، فقام بزيارات غير معلنة لبعض الدول الإفريقية والعربية بعد تفاهمات وضمانات بعدم تسليمه للمحكمة الجنائية ، وصور إعلام النظام تلك المغامرات الساذجة بأنها إنتصار للإرادة الوطنية وهزيمة للمحكمة الجنائية . مطالبات محلية ودولية وعلى الصعيد المحلي، دعت العديد من القطاعات الشعبية المتمثلة في لجان المقاومة بضرورة تسليم البشير للمحكمة الجنائية ، وكان عدد من شباب الثورة في أوقات سابقة نظموا وقفات إحتجاجية بالعاصمة الخرطوم، تطالب بتسيلم الرئيس المعزول عمر البشير، إلى المحكمة الجنائية الدولية. ورفع المشاركون لافتات مكتوب عليها: "علشان ضحايا الحروب (..)، لاهاي بس"، و"عشان ضحايا الهجوم الكيماوي (..)، لاهاي بس"، إلى جانب الأعلام الوطنية كما أشارت الحرية والتغيير على لسان القيادي إبراهيم الشيخ في حديث سابق، إلى أنهم في الحرية والتغيير لا يمانعون في تسليم البشير للمحكمة الجنائية وان هناك توافقاً على ذلك إذا نجا البشير من المحاكمات بالداخل جراء الجرائم التي إرتكبها، سينال عقابه في المحكمة الجنائية بالخارج. كما طالبت العديد من المنظمات الدولية بتسليم البشير وبقية المتهمين الذين وجهت إليهم المحكمة تهم الإنتهاكات في دارفور، وكانت العفو الدولية قد جددت مطالبها عقب سقوط نظام البشير وقالت مديرة برنامج القرن الإفريقي والبحيرات العظمى بالمنظمة جوان نيانيوكي، تعقيباً على الأنباء التي تفيد بأن الرئيس المخلوع عمر البشير محتجز في سجن كوبر بالخرطوم " متهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية، مطالبة بتسليمه فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية لإتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ويجب ألا تتم المحاكمة في قضيته على عجل عبر نظام السودان القانوني المتسم بالقصور، ويجب تحقيق العدالة على حد قولها. وأشارت نيانيوكي إلى أن" المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية ليست مهمة فحسب بالنسبة لضحايا الجرائم الفظيعة التي أدت إلى إدانته، بل يجب أن تشكل خطوة أولى لضمان تحقيق العدالة وإجراء المساءلة في البلاد، ويجب أن يتخذ السودان خطوات عاجلة لإعادة بناء نظامه القضائي، ولكن في الوقت ذاته، فإن الطريقة الوحيدة لضحايا جرائمه المزعومة لإحراز تقدم نحو تحقيق العدالة هي إذا واجه البشير محاكمة عادلة أمام المحكمة الجنائية الدولية. وحذرت منظمة العفو الدولية الدول من عرقلة تحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، التي أتهم بها البشير، عبر منحه حق اللجوء. الجنائية في الخرطوم واستقبل وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين بمكتبه صباح أمس، وفد المحكمة الجنائية الدولية برئاسة فاكيسو موشوشوكو، حيث نقل الوفد تحايا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية معرباً عن سعادته بالتعاون مع حكومة الفترة الإنتقالية لتحقيق العدالة لضحايا الحرب في دارفور. وفي إطار سعي المحكمة للقيام بمهامها على الوجه الأكمل، تم الإتفاق على توقيع مذكرة تفاهم مستقبلاً بين السودان والمحكمة بغرض توضيح شكل التعاون وتسهيل مهام الوفود وتذليل كافة الصعوبات التي يمكن أن تواجههم. من جانبه، ثمن وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، جهود وفد المحكمة الجنائية، وأكد استعداد وزارة الخارجية للعمل على تسهيل مهام الوفد وفقاً لبنود مذكرة التفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة. ما وراء الزيارة ؟ يرى المراقبون أن زيارة وفد المحكمة الجنائية للخرطوم يحمل في طياته خلافاً لمحتوى الدبلوماسي الذي صدر من الجهات الرسمية وأنه كان بغرض حث الحكومة لبحث تسليم المتهمين في جرائم الحرب للمحكمة الجنائية في ظل الاستقطابات وتزايد نفوذ النظام البائد على المشهد السياسي ، وبروز الخطاب المتعاطف من جهات محسوبة على النظام الحاكم إزاء رموز النظام السابق بغرض التمهيد لإطلاق سراحهم بحجة تحقيق العدالة بعد التخلص من لجنة إزالة التمكين وهو أمر في حالة حدوثه يعني ضمنياً استحالة تسليمهم للمحاكمة الدولية . فهل تنجح المحكمة الجنائية من إقناع الحكومة من تسليم بعض المتهمين لها سيما في ظل التحولات التي حدثت بصعود الرئيس الأمريكي الجديد المنحاز للتحول الديمقراطي والتصدي لتجاوزات حقوق الإنسان بالرغم من أن الولاياتالمتحدة لا تدعم المحكمة الدولية ولا تعترف بها لكن ليس من المنتظر أن تعارض تسليم أي من المتهمين في تلك الفظائع ضد الإنسانية ، كما أن وصول بعثة (اليونتاميس) المعنية بتحقيق العبور الآمن للتجرية الديمقراطية في السودان حتى الوصول لصناديق الانتخابات، سيكون له تأثير في دفع مساعي المحكمة الجنائية بتسليم المتهمين. إذن من تنتظره القيود أولاً ؟ الإجابة ما زالت في رحم الغيب لكن يبدو أنها لن تكون بعيدة بالنظر إلى التحولات التي أشرنا إليها رغم تلك العوائق الظرفية الكثيرة .