قبل عدة أشهر تعطلت سيارة من ماركة تويوتا موديل إسكويا في طريقها إلى الجماهيرية الليبية العظمى، كانت على متنها قرابة العشرون سوداني وسودانية بينهم أكثر من خمسة أطفال، بعد تعطل سيارتهم تقطعت بهم السبل في عمق الصحراء على بعد أكثر من 400 كيلو متر جنوب مدينة الكفرة الليبية بالقرب من جبل عوينات على الحدود السودانية، حيث هلك العطش والجوع جميع من في السيارة وذوهم لم يخبروا السلطات السودانية أو الليبية من إن فقدت بهم الإتصال قرابة النصف عام وإن أخبروا السلطات السودانية لم تضع البلاغ موضع الإهتمام كما هو معروفة لدينا آلاف البلاغات للمفقودين في بلادي، وعند مرور دوريات حرس حدود الليبية التي تتبع لأمن وإستخبارات مدينة الكفرة الليبية عند تمشيطهم للمنطقة الحدودية عثرت بالصدفة في اليوم الثامن من شهر فبراير الجاري على سيارة إستيشن بيضاء ماركة تويوتا موديل إسكويا متعطلة وبجوارها عدد ثمانية جثث بشرية متناثرة حول السيارة بعضها دفنتها كثبان الرمل ومعهم أمتعتهم الشخصية أمضى فريق التمشيط يومين حفر وطواف بمحيط المنطقة التي وجد بها السيارة، وعثرت على وصية كتبتها الطفلة المتوفية "مزنة سيف الدين" تقشعر لها الأبدان والأرواح إذ بهي توصي كل من يجد الرسالة أن يعمل له ماء سبيل في ذات المكان التي أهلكتهم فيها العطش وأن يتصل بأخيه محمد ويخبره بأنها لم تصل إلى والدتها في ليبيا، حيث جاءت نص الوصية كالتالي: "إلى من يجد هذه الورقة ، هذا رقم أخي محمد سيف الدين 00218927086866، أستودعكم الله وسامحوني أني لم أوصل أمي اليكم، بابا وناصر بحبكم، ادعو لينا بالرحمة وأهدونا قرآن ،واعملو لينا سبيل موية هنا". حيث كانت هذه الوصية أشفق منها حمل الأرض، الجبال والسماوات ليرقى أعلى منها المخلوقات. وفي لحظة العثور على السيارة إتصل فريق تمشيط الحدود الليبية بإسعافات طوارئ دائرة مدينة الكفرة وقاموا بنقل الجثامين والأمتعة إلى مدينة الكفرة، وبعد أقل من يومين أوصلوا الجثامين الثمانية إلى مستشفى عطية الكاسح بمدينة الكفرة، حيث تم هناك التعرف على هوياتهم وأخبروا ذويهم وأكملوا إجراءات الجنائية وتم موارة الجثامين الطاهرة الثرى بمدينتهم الطاهرة، وباشرت سلطات مدينة الكفرة بتحريك دورية من فريق الإسعاف والطوارئ لبحث وإنقاذ للمفقودين في الثاني عشر من الشهر الجاري برفقة كل من النيابة العامة وكتيبة سبل السلام الليبية، حيث عثرت هذه الدورية على ثمانية جثث أخرى أربعة منها لأطفال والأربعة الأخريات تعود لأمهاتهم. حيث وجدن ملقاة في ركام الصحراء وكل أم تحتضن طفلها وهن متوفيات في مشهد مألم يقشعر لها الأبدان، على بعد مسافة 420 كليو متر جنوب مدينة الكفرة. وتبقى خمسة اشخاص حتى هذه اللحظة لم يعرف مصيرهم رغم عزيمة السلطات الليبية البحث عنهم إلا أن الظروف البيئية هذه الأيام في الصحراء أجبرت فريق البحث والإنقاذ الليبية العودة إلى مدينة الكفرة مساء اليوم السادس عشر من شهر فبراير وهم يحملون معهم ثمانية جثث التي عثروا عيها خلال عملية بحثهم عن بقية الأشخاص المفقودين من هذه السيارة والتي إستغرقت ثلاثة أيام ممتالية حيث تمت أعمال الحفر بجوانب السيارة المتعطلة ومن ثم إنتقل فريق البحث إلى تمشيط المنطقة الصحراوية المحيطة بالموقع ليومين متتاليين رغم صعوبة الأحوال الجوية نتيجة العواصف الرملية التي بدورها أدت إلى صعوبة الرؤية مما أجبر الفريق إلى العودة، كما ذكرت سلفًا وعلى حسب البيانات المتوفرة لدى فريق طوارئ أمن الكفرة مازالت هنالك خمسة أشخاص مفقودين ومصيرهم مجهولة من ركاب السيارة المنكوبة التي تعطلت في الصحراء الكبرى. ورغم كل الجهود التي بذلتها السلطات الليبية من أجل إنقاذ المواطنيين السودانيين المفقودين في الصحراء إلا أن حكومتنا في الخرطوم وفي الولاية الشمالية وشمال دارفور لم تهزه الفاجعه ولم توقظ لها ضمير للبحث عن رعاياها المفقودين في الصحراء، ولا حتى خرجت هذه الحكومة ببيان تنعي فيها الضحايا المنكوبين ومشاطرة العائلات المنكوبة وذويهم الأحزان. وصدق الإمام الشافعي رحمه الله حينما قال: "قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم فى الناس أموات"