قضيتان أساسيتان حكمتا الواقع السوداني منذ ما بعيد الاستقلال . بل وتأثرت بهما ملفات مهمة مثل السلام طوال هذه لفترة الطويلة من عمر السودان المستقل ما بعد مرحلة الاستعمار. هما اتجاه الاقتصاد وقضية علاقة الدين بالدولة . احتدم الصراع حول القضيتين بين تيارين متناقضين . فاليسار كان ضد كل ما لهه شبهة علاقة ببرنامج صندوق النقد الدولي من رفع الدعم والاقتصاد الحر نهاية بتعويم لعملة .وحيث أن الوضع الاقتصادي كان المحرك الأساسي لكل الثورات مع قضايا مثل الحريات والديمقراطية ، فإن قوة تأثير اليسار بانت في كبح كل توجه لغربنة الاقتصاد.وقد تجلى ذلك في استقالة أو إقالة وزراء مالية بعد الثورات مثل عوض عبد المجيد عقب انتفاضة ابريل المجيدة وإبراهيم البدوي عقب ثورة ديسمبر المجيدة.اليوم أدت توازنات الوضع الدولي والإقليمي وضغوط تراكمات السياسات الاقتصادية طوال سنوات ما بعد الاستقلال إلى اللجوء إلى العالم الخارجي والتماهي مع سياسات الصندوق دون الدخول في التفاصيل المعروفة للجميع.فأصبح الحديث عن الضغط على الحكومة لكبح سياسات التحرر من الدعم واعتماد أكثر من سعر للدولار من الماضي عقب تبني حكومة واسعة التمثيل لها. وصار ينطبق علينا المثل السوداني ( كتلوك ..ولا جوك جوك) . وهكذا ندخل في وضع جديد على السودانيين أحيل فيه التنظير إلى محكات الواقع الماثل. على النقيض كانت القضية الثانية . فمن يقف ضدها فكرياً وأيديولوجياً كانت قوى اليمين . فقد وقفوا بالمرصاد لكل محاولات فصل الدين عن الدولة . وشكلوا ضغوطاً وتطور تواجد جماعاته حتى بلغ ذرة سنامه مع استيلاء جماعات الإسلام السياسي على السلطة لثلاثة عقود . وجربوا كل ما بدا لهم لتأكيد صحة رؤاهم. ثورة ديسمبر في تقديري كانت نهاية التعويل على هذه الرؤية بعد معايشة الأمر على الطبيعة . وذهب التنظير أدراج الرياح ولم تجد تبريرات الحفاظ على بيضة الدين في ثني الثوار عن هدف إسقاط النظام الذي برر وجوده . وليس غريباً في أن تثور قضية فصل الدين عن الدولة بتأييد كبير من اليسار. وقد تكونت تحالفات لذلك من حركات برئاسة الحلو وعبد الواحد التي تشترط العلمانية للتوقيع على أي سلام .وما يزيد الخط قوة هو ضغط لغرب في هذا الاتجاه. ومن اللافت هنا التصريح الأمريكي بأنهم سيتعاملون مع قضية السلام دفعة واحد. وأنها تضغط من لم يوقعوا للتوقيع . ولكن من المتوقع تماماً ضغط الحكومة لقبول المبدأ ووضعه ضمن المبادئ فوق الدستورية. الأهم في القضيتين ورغم علو الصوت المؤيد أو المعارض في القضيتين ، فإن قضية الدعم قد وضعت كقرار مع مستوى من القبول لم يكن متاحاً من القبل . وذلك لتغير كبير في الشارع الثوري لا يلتفت للأيديولوجيا. وهذا بالضبط ما ارى أنه سيمرر قضية علاقة الدين عن الدولة في اتجاه الفصل . بذلك نكون قد تجاوزنا عقبتين كأداوتين استهلكا الكثير من الوقت الوطني أثرتا في كل الملفات حتى ملف السلام.