كما شمس استوائية شديدة الحضور لا يُمكن أن تتجاوزها الأعين، كما أبنوسة خارجة لتوِّها من مناخات أفريقيا البكر، يكسوا بشرتها سواد كامل الإشراق والبهاء وتحمل من أرض أجدادها ملامحها المُعتدَّة بجذورها الراسخة وابتسامتها المضيئة، وفي قسماتها تلحظ كل شموخ كنداكات كوش وكأنَّها سليلة ملوك العالم القديم. ما اختلطت إلَّا بالمُفردة والقصيدة والحُلم، وما تشرَّبت إلَّا الإبداع كيفما كان. وكشهاب حطَّ من علِ ذات تنصيب رئاسي، احتلَّت أماندا صفحات الأخبار وشاشات التلفزة وسكنت قلوب الناس وانتقلت بالشِعر لمراقي شاهقة في أمريكا والّتي ما عهدنا تحفل بالشِعر كثيرا.. (أنا هنا لأبقى، كما الإعصار كل عام تجدني،، أنا لست برقاً يومض لمرَّة واحدة و يتلاشى بعدها) بهذه الجملة المملؤة بالثقة المُفعمة بالعزيمة ختمت أماندا حديثها مع ميشيل أوباما والمنشور في مجلَّة تايم (المجلَّة الأمريكية الأشهر) الصادرة في 15 فبراير. وهي تتربَّع على غلاف ذات العدد. أماندا شاعرة أمريكية من مواليد العام 1998 في كاليفورنيا، أي هي ذات اثنين وعشرين ربيعاً حينما اعتلت المنبر في احتفالية تنصيب جو بايدن رئيساً لتُلقي قصيدتها {التل الَّذي علينا أن نتسلَّق} أمام الملايين لتزرع نفسها نخلة في التاريخ. من هي أماندا قورمان وكيف وصلت لكل هذا؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه مع ترجمة لجزء من القصيدة المذكورة. في العام 2014 حازت أماندا على جائزة أفضل الشعراء الشباب لمدينة لوس أنجلوس، في العام 2015 أصدرت أماندا مجموعة شعرية بعنوان مثير للإهتمام ويمكن ترجمته اختصاراً {للجوعى} (The one for whom food isn't enough) العام 2017 شهد ميلاد مسابقة أفضل شاعر شاب على مستوى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكانت فتاتنا هي أوَّل من يفوز بالجائزة في دورتها الأولى. كل هذا العطاء الشعري المُميَّز والمُبكِّر مقروناً بسيرة ذاتية كناشطة في مجال الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية، جعل من تسميتها شاعرة لاحتفالية التنصيب الرئاسي يسيراً، ويُقرأ اختيارها مع الظرف السياسي الملتهب والاحتقان العرقي المُتفجِّر الذي خلّفته سياسات دونالد ترمب الخرقاء وما صاحب انتقال السلطة من أحداث جسام معلومة..حتى قصيدة التنصيب اللافتة كُتبت بُعيد الانتخابات وهي دعوة تتسق ورسالة الرئيس الجديد للوحدة والنظر للمستقبل،، وهي أي القصيدة تفتح نوافذ الأمل للفجر والضوء الآتي وتصلُح لكثير من الدول التي تناضل لأجل ديموقراطية مستدامة وناضجة ناظرة للأمام. إلقاء الشِعر في مناسبات التنصيب ليس بالأمر المعتاد ولا هو بالعُرف المُلزِم، بل هي سادس مرَّة،، ابتدر الفكرة الرئيس الإسطوري جون كينيدي، ولعلَّه استوحاها من أزمنة عربية قديمة كان الشِعر والسلطان يتلازمان. ثم عاد الشعراء لمنصَّات التنصيب مع بيل كلنتون في المرَّتين وفعلها أيضاً باراك أوباما مرَّتين، وهاهي فتاتنا السهم الأفريقي تُهيْمِن بامتياز على احتفالية بايدن. يلاحظ أنَّهم جميعاً من الديموقراطيين ولم يفعلها أحد من الجمهوريين! لم لا؟ لعلَّ هذا يصير مبحثاً آخر في المستقبل. أماندا ومع كل إنتاجها الشعري والإنساني تجدها تواصل حياتها الدراسية في نبوغ مُذهل فهاهي تتخرَّج من هارفارد بدرجة البكالريوس في علم الاجتماع وتنْتوي إصدار ثلاثة كتب تُنشر قُبيل نهاية هذا العام، منها كتاب للأطفال بعنوان التغيير يُغنّي {Change sings}. كتابة الأغاني كانت بدايات تفتُّق حقول الإبداع عند أماندا قورمان حيث سطرت أولى محاولاتها في الشِعر الغنائي وهي في الخامسة من عمرها! بل وواحدة من تمنِّيات طفولتها أن تُصبح كاتبة أغاني، فيا لها من رحلة مع الإبداع والكتابة المتنوعة. هي الموهبة الخارقة والمنحة الإلهية بلا شك، وهي أيضاً قوّة دافعة لشبابنا للسعي بهمَّة نحو القمم في الهوايات والإبداع وتنوع العطاء، أن اجتهدوا في تحقيق الأحلام الكُبرى. تُعزِي أماندا بعض من أسباب نجاحاتها في الكتابة أيضًا للثغة لازمتها منذ المهد فهي لم تكن تملك المقدرة على نطق الراء، فقد كانت راؤها ياءً، وما تغلَّبت على هذا إلّا مؤخَّراً، تقول في حوارها مع أوباما أنّها لفترة حسِبت هذا نقطة ضعف، إلى أن أدركت العكس، فبحثها عن وسيلة بديلة للتعبير، جعل منها الكاتبة الَّتي نرى وأيضاً جعل منها أكثر وعياً لتعقيدات الصوت وامتلاكه مما جعل منها مؤدية جيدة للشِعر. ولأن الشئ بالشئ يُذكر حريُ بنا التنويه أن الرئيس جو بايدن نفسه دائماً يردد وبفخر عن مرحلة في حياته عانى فيها من التلعثم وصعوبات في النطق. فارجع البصر كرَّتين أيها القارئ العزيز. لا يوجد ما يوقف قاطرة العزيمة والرغبة الصادقة في بلوغ الغايات. أماندا أيضاً توأم، وأختها غابرييلا ناشطة وتعمل في صناعة السينما، وما بين الأسرة والحياة العامة نجد بطلتنا تواصل الحياة العامرة بالإنتاج والفعل الإيجابي في قضايا التمييز العرقي وحقوق المرأة، ولها اجتهادات منشورة في عالم الأزياء، وكذا تجدها حيناً في فعالية للأمم المتحدة مع الناشطة -بدرجة نوبل- ملالا يوسف وهي صبية أخرى أضافت للإنسانية الكثير. والمكان هنا لايسع تفصيل هذا،، وكذا ورد مؤخَّرا على لسان هيلاري كلنتون أنَّ أماندا وعدتها أنَّها ستكون على قائمة المُرشَّحين لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية في 2036، فتأمَّل هذا الطموح وكل تلك العوالم من الدهشة وهي تخطو بثبات نحو المجد. هذا بعض من قصة بنت اسمها أماندا قورمان وهي من أعظم الأمثلة المُلهِمة للشباب بنيناً أو بنات وتجربة ناصعة في كيفية توظيف طاقات أزمنة العنفوان الفتية وفوْرة الصِبا، وأنَّ لا سقف للأحلام ولا منتهى لِما يمكن أن تكون، ولازال المستقبل أمامها لمشاريع حتَّماً في طور التشكيل ومفاجآت تصل حد الإبهار يوقن كثيرون أنَّها لا بدَّ آتية.. الشاعر والفنّان الأستاذ سيدأحمد بلال مزج بين شاعريته الرَّفيعة والمترجِم المهني داخله، لينقل مقتطفات قصيرة من قصيدة أماندا في التنصيب مع وعد منه بنقل كامل القصيدة لقارئ اللغة العربية في المستقبل القريب. {التل الَّذي علينا أن نتسلَّق} حينما يأتي الوقت سنسأل أنفسنا أين يمكن ان نعثر على ضوء في هذا الظل الذي لا نهاية له. الفقد الذي نحمله بحراً يجب علينا أن نخوضه. لقد تحملنا بشجاعة فائقة وجودنا في بطن الوحش وتعلمنا أن الهدوء لا يكون دائماً سلاما، وأعراف ومفاهيم ماهو عدل ليست دائما عدالة، ومع ذلك فإنَّ الفجر لنا * * * وعلى نحو ما، أمسكنا بطوق النجاة وصرنا شهوداً على أُمَّة لم تنكسر وأنَّما لم تكتمل بعد نحن ورثة بلاد وأزمنة حيث يمكن لفتاة نحيفة سوداء تنحدر من سلالة أرقَّاء وتتولى تربيتها أم منفردة أن تحلم بأن تصير رئيساً للجمهورية فتجد نفسها تلقي شعراً في تنصيب أحدهم وبالفعل نحن أبعد من أن نكون الصيغة النهائية المصقولة وأبعد من أن نكون الأوائل لكن هذا لا يعني أننا نسعى لإقامة اتِّحاد مثالي فنحن نسعى لتشكيل اتِّحاد له هدف * * * حينما يأتي الوقت سنخرج من الظل متوهجين وغير خائفين وسيطل الفجر الجديد يانعاً ونحن نحرره وسيكون هناك ضوء على الدوام فقط لو أنَّ بنا من الجسارة ما يكفي لنراه فقط لو أنَّ بنا من الجسارة ما يكفي لنكونه