تعقيدات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تزال تدفع بالكثيرين للبحث عن واقع أفضل هرباً من تفاقم المعاناة والأزمات المتلاحقة، وأملاً في الحصول على وضع يحترم ويراعي إنسانيتهم، ضاربين بمخاطر الهجرة عرض البحر وميممين نحو سواحل الموت، فلا يمر يوم أو اثنين إلا وتتناقل الأنباء فقدان العشرات غرقاً أو بسبب العطش وارتفاع درجات الحرارة بإحدى الصحارى. كان آخر هذه المآسي حادثة غرق (130) شخصاً بينهم سودانيون لقوا مصرعهم جراء غرق مركب بلاستيكي بالبحر الأبيض المتوسط بسبب الأمواج الهادرة التي يتراوح ارتفاعها ما بين (6–7) أمتار. ورغم وصول سفن الإنقاذ التي استنجدوا بها لانتشال الغرقى، إلا أن الأمواج استعصت عليها وحالت بينها وبين الغرقى، فجميع الركاب الذين كانوا على متن القارب قد تعرضوا للغرق ولم ينجُ منهم أحد بسبب تلك الأمواج الهادرة والأرياح العاتية. ويسلك غالبية المهاجرين إلى أوروبا طريق البحر المتوسط والذي يعد أخطر طرق الهجرة في العالم كما وصفته مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، إذ أعلنت المنظمة أن عدد المهاجرين الذين قضوا غرقاً في البحر المتوسط خلال الشهرين الماضيين تجاوز (850) شخصاً. وبهذه الأرقام، حسب معطيات الأممالمتحدة يكون عدد المهاجرين الذين ماتوا غرقاً أثناء محاولة عبورهم السرية إلى سواحل أوروبا قد بلغ (1500) قتيل منذ العام الماضي. وترى الناشطة الحقوقية بحملة الحق في الحياة ويني عمر في تصريح ل (مداميك)، أن حياة السودانيين والسودانيات أهدرت لسنوات طويلة. وقالت إن الحرمان المستمر من أساسيات الحياة، العنف الاقتصادي، شروط الحياة لا يستطيع الناس التحكم فيها والتي تفتقر لأساسيات الوصول للخدمات الصحية والتعليم الجيد والسكن اللائق ووسائل النقل اليسيرة، حالة الإفقار المستمرة هذه، والاستغلال واللاعدالة الاجتماعية، حولت الحياة إلى نضال يومي. ونبهت ويني إلى تاريخ إهمال الدولة السودانية لواجباتها تجاه مواطنيها ومواطناتها، وتاريخ النزاعات التي تواصلت، مما دفع الناس للاتجاه للبحر هروباً إلى جنة متخيلة في شمال المتوسط، أو عبر الصحارى بحثاً عن حياة كريمة وآمنة، فدفعوا بأنفسهم لمجهول غير مأمون العواقب. هذه الحادثة الأليمة التي فقد إثرها شباب ورجال ونساء حياتهم هي رسالة أيضاً أن الوضع لم يتغير وأن الناس بدأوا يفقدون الأمل ويبحثون عن حلول بعيداً عن بلدهم، وهذا هو حال السودانيين لزمن، حيث يشكلون قطاعاً مقدراً من اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين في مناطق كثيرة حول العالم. وأضافت ويني أن إهدار الحق في الحياة، واستمرار العنف الهيكلي، التدهور الاقتصادي المستمر، وإصرار الحكومة على تجريب المُجرب سيؤدي لإهدار حياة مزيد من الناس، ولاستمرار المظالم والفوارق الطبقية مما سيدفع بمزيد من الناس نحو الخيارات المُميتة هذه، بحثاً عن الحياة الكريمة التي حرمتهم منها بلدهم وخيارات حكوماتهم. وتخوفت مفوضية الأممالمتحدة السامية لشؤون اللاجئين من الأعداد المتزايدة للاجئين والمهاجرين الذين يفقدون أرواحهم في البحر، ودعت إلى تحرك دولي عاجل لتعزيز جهود الإنقاذ في البحر من قبل الأطراف المعنية والقادرة بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والسفن التجارية في البحر المتوسط. ويقول مراقبون إن الاتفاق العالمي للهجرة يمثل فرصة تاريخية لتحسين التعاون الدولي في مجال الهجرة، وتعزيز مساهمة المهاجرين والهجرة في التنمية المستدامة هناك أكثر من 258 مليون مهاجر في العالم اليوم، وتوفر الهجرة فرصاً ومزايا هائلة للمهاجرين والمجتمعات المضيفة والمجتمعات الأصلية والدول. ومع ذلك، عندما تتم بشكل سيئ يمكن أن تخلق تحديات كبيرة. ومن هذه التحديات البنى التحتية الاجتماعية الهائلة مع وصول غير متوقع لأعداد كبيرة من الناس وموت المهاجرين الذين يقومون برحلات خطرة. وفي السياق، وافقت الدول الأعضاء في الأممالمتحدة على تبني الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية وهو غير ملزم قانوناً، ويرتكز على تقاسم المسؤولية، وعدم التمييز، وحقوق الإنسان، ويسلم بأن هناك حاجة إلى نهج تعاوني لتحسين المنافع العامة للهجرة، مع معالجة المخاطر والتحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمعات في بلدان المنشأ والعبور والمقصد. مداميك