نورالدين مدني *لم تشهد الصحافة السودانية منذ تأسيسها تدخلاً سافراً وعلنياً في أدائها التحريري إلا عهد الإنقاذالذي تفنن القائمون بأمره في إبتداع الوسائل المباشرة وغير المباشرة لإحكام قبضتهم على الصحافة. *من بين الإبتكارات المباشرة التي إبتدعها جهاز الأمن السوداني مركز الخدمات الصحفية SMC الذي أصبح يصنع الأخبار والتقارير والتحقيقات والإستطلاعات الصحافية "المفبركة" ويعمل على نشرها وسط الصحف" .. وغالبها موجهة ضد النشاط السياسي المعارض. *إبتدر جهاز الأمن أيضاً أسلوب الرقابة القبلية التي كانت تتم أمام سمع وبصر رؤساء التحرير بصورة سافرة' يقوم فيها منسوبوهم بقراءة صفحات الصحيفة قبل إرسالها للمطبعة' بعد أن يحجبوا الأخبار والأعمدة والتحقيقات و… وكل ما يعتبرونه مخالفاً لخطوطهم الحمراء. *إمتد هذا التدخل السافر لما يمكن أن نطلق عليه "المعاقبة البعدية" الذي تتم بموجبها مصادرة كميات الصحيفة التي نشر فيها في عدد سابق بعض الأخبار أو الأعمدة أو التحقيقات التي يعتبرونها خارجة عن خطهم العام' بعد طباعتها . *هذا عدا التوجيهات الهاتفية المباشرة لرؤساء التحرير بالنشر وعدم النشر وما يتبع ذلك من عقوبات لاحقة للصحف التي لا تتعاون بنشر او عدم نشر هذه التعليمات والموجهات. *كل هذا لم يكفهم وأصبحنا نسمع عجباً لم نسمع به في تأريخ الصحافة السودانية' وأين ؟ .. في المجلس الوطني الذي من المفترض ان يكون برلمان الشعب لكنه أصبح في عهدهم برلمان الحزب الحاكم بلا منازع. *تعالوا نقرأ معاً بعض ماجاء في التقرير الصحفي الذي أعده عثمان عوض السيد ونشر ب"السوداني" في ذلك الوقت تحت عنوان"الصحفيون في مرمى نيران البرلمان" بعد أن وضع نواب المؤتمر الوطني الصحفيين مع الحركات المسلحة في خندق واحد واعتبروهم "العدو الأول للدولة" وهم يقصدون "الحكومة" طبعاً لأن الصحفيون – حسب زعمهم – يقومون بما عجزت عنه المعارضة والحركات المسلحة. *ممثل المؤتمر الوطني في المجلس في ذلك الوقت فضل المولى الهجا فضل المولى قال في جلسة الإستماع لبيان وزير الإعلام أحمد بلال الذي أصبح مؤتمرياً أكثر من المؤتمريين "الأصل" قال فضل المولى : إن الإعلام أصبح العدو الأول لبرنامج التنمية والنهضة والإستقرار في السودان ووصف الصحافة ب"الهدامة" !!. * طالب بعض نواب المؤتمر الوطني بضبط مواقع التواصل الإجتماعي وتنشيط عمليات الرقابة الإلكترونية' لأن هذه المواقع تمثل في رأيهم الخطر الأكبر على الدولة .. وهكذا أسفر نواب الحزب الحاكم في عهد الإنقاذ – الذين كانوايمرحون وحدهم ويتعاركون حول العربات والمخصصات والإمتيازات والحصانات – عن وجههم الحقيقي وهم يبادرون كما عودونا دائماً بتحريض الحكومة لخنق الحريات وتكميم الأفواه وتوزيع الإتهامات الظالمة على كل الاخرين بمن فيهم الطلبة والطالبات. * الصحافة ليست وحدها المستهدفة و إنما كل أهل السودان .. لأن الصحافة هي "رئة الشعب" الذي يريدون خنقه أكثر' وكأنه لايكفيه الإختناقات المعيشية والإختلالات الخدمية الضروريه في حياته اليومية التي لاتعنيهم ولا تشغل بالهم. *كتبت هذا إبان حكم الإنقاذ وللأسف مازال حال بعض الصحف تحت قبضة سدنة الإنقاذ وكتابها الذين لايخفون عداءهم لثورة ديسمبر الشعبية ويسعون مع سادتهم لاسترداد السلطة التي أطاح بها الشعب مغضوباً عليهم وعلى سياساتهم الفاشلة. [email protected]