مفهوم كيف يُفكر الشموليين والعسكر .. فهم لا يؤمنون بالديمُقراطية تفكيراً و مُمارسة .. لكن ما بال من يدّعون الديمُقراطية ويُنادون بها وبمُمارستها نظاماً للحُكم ومدخلاً للسُلطة ، في أنهم يضلون الطريق نحوها لصالح ذات العقلية الشمولية الإحتكارية الديكتاتورية ، والتي توظف شعارات الديمُقراطية لصالح سُلطة مُطلقة وقبضة لا تُتيح مُمارسة ديمُقراطية سليمة وصحيحة ، وتعمل لإلتهام السُلطة والإنفراد بالقرار داخل التنظيمات والكيانات السياسية والحركات وكامل هياكل السُلطة نفسها ، وخلق حلقات ضيقة لا تُساهم في تمدد الديمُقراطية وإنتشارها وجعلها سُلوك لكامل الدولة و بنيانها السياسي .. وهذا ما يُعرف بالعقلية الإقصائية .. وهي التي تعمل للإنفراد بالسُلطة والقرار وإبعاد الآخرين أصحاب المصلحة الحقيقية في عملية المُمارسة الديمُقراطية سواء في منظومة العمل السياسي أو داخل هياكل السُلطة .. فعلي سبيل المثال مارست الأحزاب والقوي السياسية بلا إستثناء عملية الإقصاء هذه ، و يظهر هذا جلياً في وجود قلة قليلة ظلت لا تُراوح مكانها داخل هذه الأحزاب والكيانات والأجسام السياسية ، ولم تنحصر العقلية الإقصائية داخل الكيانات السياسية و التنظيمات وإنما إمتدّ تأثيرها حتي في مكونات السُلطة ومن يديرونها .. فحزب كالمؤتمر الوطني رغماً عن إنه يُفترض حزب سياسي يؤمن بمادئ الديمُقراطية في الإنتخاب و تدوال السُلطة ديمُقراطياً إلا أنه ظل يُقصي الآخرين طوال فترة حُكمه التي جاءت بالإنقلاب العسكري .. و في كامل المشهد رأينا أن العقلية الإقصائية تحكمّت في كُل تاريخ السودان السياسي بطغيان العُنصرية والجهوية و القبلية والدين كأساس للوصول للسُلطة وممارستها ، ولعل كُل الحروب التي حدثت داخلياً كانت بسبب طُغيان تلك العقلية ، و إمتدّ تأثيرها داخل الحركات المُسلحة التي ترفع شعارات الديمُقراطية لكن في الأصل تتحكم فيها ذات العقلية الإقصائية ، فشهدنا الإقصاء القبلي والجهوي والصراع وفق هذا المفهوم ، وأيضاً كُل ظواهر الإنقسامات داخل الكيانات السياسية والأجسام التنظيمية و الحركات المُسلحة كانت بشكل مُباشر لسبب تفشي هذه العقلية الإقصائية ووجودها وتحكُمها .. في مرحلة ما بعد الثورة وعلي الرُغم من كم التضحيات التي بُذلت والجهود الجماعية لكل الشعب السوداني وقواه السياسية والمدنية ، إلا أن المُحصلة إنتهت إلي تغول وتمترُس وتسيد أعداد قليلة من التنظيمات السياسية بل والأفراد علي كامل السُلطة ، والنتيجة هي إبعاد وإبتعاد أصحاب النصيب الأكبر في التغيير والثورة ، فلم تكتمل هياكل السُلطة ولم يتم تكوين المجلس التشريعي و أصبح التقرير في شأن البلد يتم من أصحاب المصلحة من وجودهم وإستمرارهم في السُلطة أو بالقرب منها ومن مُنطلق طموحهم ومصلحتهم الشخصية ، لن نتقدم في إتجاه الدولة الديمُقراطية وبنائها إذا أستمرت هذه العقلية الإقصائية ولم نُجابهها جميعاً في كُل مواقع الدولة والسُلطة ونتخلص منها .. التخلص منها أولاً يتم بالإعتراف بوجودها ، ثم كشف أصحابها و هزيمتهم ديمقراطياً بكل أشكال السُلوك الديمُقراطي وأدواته ، فكرياً وتنظيمياً وسياسياً ، يجب أن يسود الوعي بحق الجميع في ممارسة حقوهم السياسية ونيلها ، ليس هنالك مُبررات تجعل قلة قليلة هي من تسود وتقرر .. ليس هنالك مُبرر لممارسة سياسة عدم الشفافية و إحتكار القرار وعدم تشاركية صُنعه ، ليس هنالك مُبرر لتقدم متواضعي القُدرات والمقدرات للمواقع القيادية بينما أصحاب المقدرات الحقيقية والمُخلصين لقضايا الوطن والشعب خارج المشهد السياسي ومواقع السُلطة .. التقدم نحو التغيير والنهوض بهذا الوطن يتطلب مواصلة النضال المُستمر لأجل هذا الهدف ! ..