شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما سقط عمدا من خطاب ومبادرة حمدوك.. من يقرأه؟
نشر في الراكوبة يوم 26 - 06 - 2021

المراقب للمشهد السياسي بالبلاد لا يجد فاصلا واختلافا من حيث التوقيت والمضمون بين خطاب رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك الذي ألقاه في أعقاب القرارات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذها ، وبين مبادرته التي أطلقها خلال الايام الماضية ، اذ انه بعد مرور اسبوع فقط على إلقاء الخطاب قام بإطلاق المبادرة ، وبينما كان الخطاب توضيح وتعليل لما آلت إليه الأمور بالبلاد مع قليل تظلم من ما ساقه البعض من صفات لشخص رئيس الوزراء كالضعف في مقابلة ما حل بالبلاد من أزمات ، حسب ما اشار إليه سيادته في خطابه 00كانت المبادرة اقتراحات لمعالجة تأزم الأمور بالبلاد 0
هذا وبالرغم من وضوح ما ذهب اليه الخطاب وما طرحته المبادرة من أسس ومقترحات للخروج من أزمة البلاد وحماية وتحصين الانتقال حسب المبادرة ( الطريق إلى الأمام ) 00 فقد تفاوتت وجهات النظر في تفسير ما رمى إليه رئيس الوزراء خاصة من حيث التوقيت ومن حيث استخدام عبارات من شاكلة ( وصفنا بالضعف وسمعت كثيرا من الاتهامات ) ، حيث جاء في الفقرة الأولى من خطاب سيادته : ( أبدأ بالقول إنني أعي تماماً حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها بلادنا؛ أعرف أن هنالك من يحاول الإيحاء بأننا نعيش في برجٍ عاجي، وربما مردّ ذلك أنني لم اعتد على التحدث كثيراً أو الظهور في كل وقت، فمنهجي أن أترك للسياسات والقرارات أن تتحدث.
الخيار الواعي
وعن تبني البرنامج الإصلاحي الاقتصادي الذي ترفضه بعض مكونات الحرية والتغيير خاصة الحزب الشيوعي قال دكتور حمدوك: ( لقد شرحنا حقيقة الوضع الاقتصادي منذ اليوم الأول، وبأننا استلمنا خزينةً فارغة، وديوناً مهلكة وحالة حصار سياسي واقتصادي، فقد كان اقتصادنا يعاني من خللٍ هيكلي، لم نخفِ المعلومات عن الناس، ولا ينبغي، ولم نحاول أن نقدم للناس صورةً زاهيةً ووردية. وفى هذه الأثناء اجتاحت بلادنا والعالم جائحة كورونا التي تسببت في كسادٍ اقتصادي عالمي وانخفضت إيرادات الحكومة بنسبة 40%.
لم يكن أمامنا خيار غير تبنى برنامج للإصلاح الاقتصادي، فهو خيارنا الوحيد، الذي لم يفرضه علينا أحد أو تُصرُّ عليه جهة، ولسنا مرغمين على ذلك، لكنه الخيار الواعي الذي وجدنا أنه كفيل بإصلاح الوضع الاقتصادي، ونعلم قسوته وصعوبته، لكنه كان الدواء الوحيد لمثل ظروفنا وواقعنا.رغم كل هذا دعوني أقول أن هنالك ضوء في آخر النفق ..
وقال دكتور حمدوك في خطابه لقد كنت دائماً حريصاً على ترسيخ الدور المؤسسي في الدولة، وتثبيت دعائم المؤسسية بدلاً عن الانفراد بالقرار وشخصنة النجاحات. ما جاء من بعض قوى الثورة يدعوني إلى القول بأن رؤيتي فيما يتصل بالبرنامج الاقتصادي مرتبطة بخبرتي حول الإصلاح الاقتصادي الضروري بما يشبه ظروف بلادنا. الحل الواقعي لمشاكلنا الاقتصادية يتطلب ضمن أشياء أخرى مصالحة المؤسسات الدولية ولإجراء ما يمكن لإعفاء الديون ولعودة بلادنا للمجتمع الدولي، والاستفادة من الموارد المتاحة من هذه المؤسسات، فهذا حق لا يرتبط بأي ميزات أو أجندات غير واضحة، وقد سمعت كثيراً من الاتهامات والهجوم غير المبرر، أؤكد لكم أنه ليس لدينا أي مصلحة غير تحقيق تطلعات هذا الشعب العظيم.
لقد حاولت بقدر الإمكان أن أحفظ التوازن الصعب بين المكونات كافة، وقد تحملت اتهامات بالضعف وعدم القدرة على المواجهة، بينما كان مصير البلاد والشعب هو همِّي وبوصلتي في كل المواقف التي اتخذتها 0
أنا اليوم اجدد الدعوة لكل الشركاء لوضع هذا الأمر نصب أعينهم والعمل ككتلة واحدة خلف الشعار الأهم وهو: سلام السودان وأمنه أولاً، وذلك من أجل انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة لا تتضرر من جرائه البلاد، بل يفتح الطريق للرخاء والتنمية. وستتيح الانتخابات المقبلة للجميع الظرف المناسب للتنافس والتمترس خلف الشعارات المختلفة والمتضاربة أحياناً.)
رسائل خطيرة
وبينما توقف البعض في عبارة ضؤ في آخر النفق واختذل فيها كل الهدف من الخطاب ، كان للبعض رأي اخر حيث وصف
المهندس عمر البكري ابو حراز ماجاء في خطاب حمدوك بانه رسائل خطيرة حيث قال في مقال له : قال أحد الفلاسفة: (إذا لم تكن قلقاً ومنزعجاً فأنت لا تملك المعلومة) (If you are not confused you are misinformed).
بهذه المقدمة فأنا أشعر بالقلق بعد سماع خطاب د. حمدوك الثلاثاء الماضي حين استوقفتني كلماته: (لقد رأيتم ما آلت اليه الأمور في الأيام الماضية من أجواء تنذر بالفوضى، وإدخال البلاد في حالة من الهشاشة الأمنية وبلادنا مهددة بالدخول في حالة من التشظي والإنقسام، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.. تحول الأمر في بعض الحالات من تحركات للتعبير عن الرأي إلى أحداث سلب ونهب للممتلكات وترويع المواطنين في عدد من المناطق، واعتداءات مباشرة سبقتها حوادث قتل وتعدِ على عدد من الثوار، وهناك حالات عنف واعتداء على النساء بصورة غير معهودة.. يجب أن يبتعد الشباب عن كل ما يجرهم نحو العنف، التدهور الأمني الآن يعود بالأساس للتشظي الذي حدث بين مكونات الثورة والذي ترك فراغاً تسلل منه أعداؤها وأنصار النظام البائد.. السودان يواجه ظروفاً قاسية تهدد تماسكه ووحدته وينتشر فيها خطاب الكراهية وروح التفرقة القبلية.)
أخطر ما في حديث د. حمدوك تخوفه من تفشي النزاعات بين المجموعات السكانية وقيام حرب أهلية، وخطورة حديثه تأتي أيضاً عندما استدرك قائلاً: (هذا الخطر لن يهدد بلادنا فحسب بل سيجر كل الإقليم إلى حالة من عدم الإستقرار، فأي تهديد للإستقرار في بلد مثل السودان سيمثل حالة نوعية فريدة لم يسبق لها مثيل على مستوى العالم). انتهى..
خطورة هذا الحديث من الرجل التنفيذي الأول في البلاد تعيدنا إلى حكمة الفيلسوف في صدر هذا المقال، لأنه حديث يأتي من شخص يملك المعلومة الكاملة ببعديها الداخلي والخارجي. ما ذكره من أن ما سوف يحدث في السودان سيؤثر مباشرة على تهديد السلم والأمن الدوليين مما يحتم على المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن إحالة السودان كله تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في الماضي كان إقليم دارفور وحده تحت الفصل السابع مما استدعى التدخل الأممي العسكري بقوة عسكرية تفوق ال(25 ألف جندي) أممي وإشارة د. حمدوك واضحة جداً أن السودان كله- أكرر كله- سيكون تحت الفصل السابع الذي يسمح بالتدخل المباشر العاجل من قوات أممية كثيرة العدد والعتاد تضع السودان تحت الوصاية والسيطرة الدولية، وذلك في حالة حدوث التدهور الأمني الشامل والذي يراه د. حمدوك قريب الحدوث في ظل ما لم يذكره من معلومات وتحركات داخلية.
مالا ترون
ويمضي ابراهيم في تحليله قائلا: حديث د. حمدوك صادق من القلب خاصة عندما ذكر: (أُتهمت بالضعف وعدم المواجهة)، وكأنه يقول أنا لست ضعيفاً ولكني أرى ما لا ترون.
المسألة الآن أصبحت بالغة التعقيد والخطورة الأمر الذي استدعى رئيس البعثة الأممية الإدارية الأمنية تحت الفصل السادس مستر فولكر إلى عقد مؤتمر صحفي سبق خطاب د. حمدوك قال فيه: إنه يجب على الأحزاب السياسية في الحكومة والمعارضة والمكونات الإجتماعية الوصول إلى تطوير رؤية مشتركة حول القضايا المصيرية والدستورية بالبلاد، وأعلن عن مساعدته وتدخله لوضع خارطة طريق لتشكيل جيش وطني واحد يأتمر بأمر الدستور، ما يعني جيشاً قومياً واحداً لا يحكم لأن الدستور سيكون دستوراً لحكم مدني ديمقراطي، وتدخل فولكر بصورة مباشرة في نقد الحكم الإنتقالي الهجين- مدني-عسكري- معبراً عن قلقه في التأخير في تنفيذ الإتفاقيات، مثل عدم قيام المجلس التشريعي وعدم تنفيذ الترتيبات الأمنية وفشل المباحثات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال- عبد العزيز الحلو.
مما تقدم نلتقط إشارات واضحة في خطاب د. حمدوك:
أولاً: المكون المدني يتحمل جزءاً كبيراً من الهشاشة الأمنية وذلك بعد التصدع الكبير في حاضنة الثورة التاريخية، وذلك بخروج الحزب الشيوعي من قوى الحرية والتغيير وخروجه من تجمع المهنيين وتكوين جناح منفصل، ثم خروج حزب الأمة.. ما زاد التصدع إتفاقية جوبا أكتوبر 2020 والتي أدت إلى تكوين حكومة جديدة غير متجانسة، ثم تكوين حاضنة جديدة للثورة تحت مسمى مجلس الشركاء الذي ضم فصائل الكفاح المسلح، وبتكوين مجلس الشركاء فقدت حكومة د. حمدوك السند القوي بعد أن أصبحت الغالبية في مجلس الشركاء أكثر ميلاً نحو مكون الثورة العسكري.
عملياً الآن د. حمدوك في مجلس الوزراء الجديد يفقد السيطرة والتحكم على 75% من الوزراء الذين يدينون بالولاء التام لأحزابهم – الأمة والبعث- وفصائل الكفاح المسلح- العدل والمساواة، حركة تحرير السودان- مناوي- والحركة الشعبية قطاع النيل الأزرق-، حتى المجلس السيادي صار بتكوينه الجديد أكثر بعداً من شعارات ثوار ديسمبر 2018، وما الهجوم المستمر من غالبية الوزراء وأعضاء المجلس السيادي ومجلس الشركاء على لجنة تفكيك نظام الإنقاذ- رأس الرمح في تحقيق أهداف الثورة- إلا خير دليل على مفارقة مكونات الحكم الإنتقالي الجديد لشعارات وأهداف ثورة ديسمبر.
ثانياً: ركز د. حمدوك في خطابه على أن السودان قد تتحول الأوضاع فيه إلى حروبات أهلية بسبب الخطاب العنصري المتنامي هذه الأيام، وبداية شرارة الحروبات هذه بالمواجهات القبلية المسلحة في كردفان، دارفور، الشرق (كسلا وبورتسودان)، مضيفاً أن ما سيحدث يشكل تهديداً للسلم والأمن العالمي يعقبه فوراً تدخل عسكري أممي في كل السودان، وخطورة هذا الحديث أنه يأتي من المسؤول التنفيذي الأول في البلاد والذي يملك المعلومة بأبعادها الداخلية والخارجية.
ثالثاً: مما تقدم فإن الصورة قاتمة ومزعجة تتطلب العودة السريعة إلى وحدة وتماسك قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، تحديداً يجب على الحزب الشيوعي والتجمع الإتحادي والمؤتمر السوداني السمو فوق الخلافات المرحلية والعودة إلى مرحلة ما قبل الثورة ديسمبر 2018 حتى أبريل 2019، والتي قادت الثورة قبل تكوين قوى الحرية والتغيير في يناير 2019- بمعنى آخر إعادة تكوين الحاضنة التاريخية كداعم للمكون المدني برئاسة د. حمدوك .
رابعاً: تعود الحاضنة التاريخية إلى دعم د.حمدوك والترحيب والتعاون مع البعثة الأممية برئاسة الألماني فولكر، والتي تريد وتخطط لدعم التحول الديمقراطي والحكم المدني وإلى انتشال السودان من وهدته الاقتصادية، يجب على بعض فصائل الحاضنة التاريخية تعليق شعاراتهم الآيدلوجية القديمة فاقدة الصلاحية مثل: (لن يحكمنا البنك الدولي) لأن البنك الدولي الآن في قلب معركة المجتمع الدولي في دعم الحكم المدني ومناهضة أي حكم عسكري في السودان.. البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية بدأت فعلاً وبقوة في خطط انتشال السودان من مآلات التدهور الاقتصادي، بدأت في مراحل حذف الديون والإصلاح الجذري للاقتصاد بالرفع الكامل للدعم الشامل لكل المواطنين القادرين والمعسرين بصورة متساوية والإستعاضة عنه بالدعم المالي المباشر للفئات الضعيفة ودفعت (800 مليون دولار) لهذا الغرض في مشروع (ثمرات) الذي لم ينفذ بكفاءة عالية بسبب الضعف الإداري الداخلي.
خامساً: وأخيراً يجب على كل حادب على استقرار السودان خاصة حركات الكفاح المسلح بدء حملة إعلامية جادة وقوية لمحاربة وشجب أي خطاب أو توجه عنصري قبلي، وذلك في كل المنابر الإعلامية والجماهيرية، الإتفاق على شعار نبذ العنصرية والجهوية هو الترياق المضاد لتشظي السودان والحكم الأممي الذي يُضيّع كل جهود وشعارات ثورة التغيير.)
اشراط النضج
ويشير الكاتب المعروف الاستاذ عبد الله علي إبراهيم في مقال له طاف الاسافير ووسائل الإعلام إلى ما أسماه بامتلاك دكتور حمدوك لمسألته حيث قال : (كلمة السيد عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، للأمة أول أمس عن أزمة الفترة الانتقالية كانت مما يسميه الأمريكي امتلاك الواحد لمسألته (owning up to one's problem). وهي ضرب من شجاعة القيادة. لربما قال القائل إنها تأخرت. ولكن للأزمة أشراط في النضج حتى تسخو للحل. ومنها أن تَقنع أطرافها من خير الاستثمار فيها لصالحها بالذات دون غيرها بما يشبه مزاعم الفرقة الناجية. وزاد الأمر وبالاً أن هذه الأطراف من قبيل واحد هو البرجوازية الصغيرة المتعلمة التي لا يملأ عينها حتى تراب المحاصصة. فانفصلت من قوى الأمة الحية في ما كان يسميه أستاذنا عبد الخالق محجوب ب "التحرر من الجماهير". وراحت تستمني في غرضها. وهرجت. وهو هرج منقول من أفضل أزمانها وهو معارضة الإنقاذ.
ويشير عبد الله علي ابراهيم الى رسالة حمدوك حملت رسائل إلى كل الجهات؛
فخيّبت توقع الثورة المضادة في أن الثورة قد راحت في خبر كان. فالثورة في أزمة ولكنها أزمة مقدور عليها. فقد استثمرت الثورة المضادة في الأزمة بتكتيك جعل البلد غير قابل للحكم (ungovernable) لتُعرف الفترة الانتقالية كسندة سياسية لا محطة في لغة السكة حديد. فليس من صلاحية الحكم الانتقالي، حسب قولها، إجراء أي جراحة عميقة في جسد الوطن المرضوض قبل صرف الروشتة وهي الانتخابات. فالحكم الانتقالي في تعريفها المغرض هو صندوق أمانات تُودع فيه البلد كأمانة حتى يأتي سيدها. وهو هم الخالق الناظر. ولذا يذيع الفلول بغير وقار كسبهم الانتخابي في 1986 وثيقة إثبات بأنهم أصحاب تلك الأمانة ولو طال السفر. وهذا سفاه لا حلم بعده. فتعريف الحكم الانتقالي ومهامه ليس صنعة لهم إلا لمن تعود ألا أن يسمع لنفسه يلغ في امتياز ربوبيته السياسية. وخطاب حمدوك هو وصف لأزمة فترة انتقالية تعريفها عند من جاء بها. والفلول يمتنعون.
جماعة وفرادى
ويمضي ابراهيم في مقاله محللا لمبادرة رئيس الوزراء فيقول : ( أما رسالة حمدوك لقحت فهي إتكربو". فقد أفسدتم الفترة جماعة ورحتم تطلبون الحلول فرادى. فبدا منهم كأن كل جهة من قحت تتملص من انتحارهم الجماعي لتظهر كصاحبة "مصفوفة" شافية للحل. فاستغرب حتى ناس الثورة المضادة لبيانات تصدر من أطراف قحت تحتج على أداء أو آخر للحكومة، كأن تطالب بوجوب قيام المحكمة الدستورية مثلاً، وكأنها ليست في دولة هي راع فيها ومسؤلة عن رعيتها. إنها في الحكم بمكنة معارضة بلا بركة. يعوزها الفعل الذي في وسعها: معارضة في درك تتصارخ عوتها فوق الرؤوس. وبدت كالرجل الذي أضاع شيئاً في مكان معتم (نزاع الأطراف) وبدلاً من أن يفتش عنه حيث فقده راح يبحث عنه تحت عمود نور (مصفوفة).
أما رسالة حمدوك لما يسمى المكون العسكري للثورة (ولا اتفق أن للثورة مكوناً عسكرياً وهذا حديث آخر) فهو أنهم ربما الطرف "الأورط" في الأزمة الانتقالية لو حسبوها صاح. وخلافاً لما اتفق لهم من التبرؤ (وإدمان التبرؤ) من الأزمة وتحميلها لسيد الواحدة (المدنيون) فهم من وجب عليه انتهاز سانحة الفترة الانتقالية لإعادة ترتيب بيتهم بمسؤولية. فكلنا ورثنا من الإنقاذ عبئاً ثقيلا ولكن العسكريين من ورثوا عبئاً ثقيلاً مسلحاً ينذر الخلاف بينهم بالخطر. ورثتم جيشاً ثانياً هو الدعم السريع بقيادة لا يجرى عليها ما يجرى على القيادات مثلها بالنقل أو الاستيداع أو الإحالة للمعاش. وورثتم من الإنقاذ جيوشاً لحركات مسلحة لم تملك الإنقاذ الحكمة في التسوية معها لعقدين من الزمان. والبقية أخبار في صحف الصباح.
طرف المحنة
ويضيف ابراهيم قائلا:(ورسالة حمدوك للحركات المسلحة أنها أيضاً طرف في المحنة فلا تزعم أنها جاءت بالحل. وأكبر أزماتها أنها جاءت إلى حكم انتقالي بعد ثورة يصعب عليها نسبة نفسها إليها إلا غلابا كقولهم "قنطرناها ليكم". بل هي ثورة طعنت بمدنيتها وسلميتها في مشروع الحركات المسلح الذي ألجأها إلى ركاكات جئنا بها كثيراً من قبل. وساقهم تعذر فهم الثورة إلى اصطناع دور لهم بعد اتفاق السلام وهو دور الزول الكويس (Mr. Nice). فمنهم من طلب الصلح الوطني مغازلة للكيزان. وهو صلح لم نره منهم وقد عادوا (إلا قليلا) في كتل عديدة متنازعة متكارهة. لم يجمعهم تعلقهم بوطنهم الصغير في الخير والزمالة. وراح بعضهم يطعن في أصول للثورة مثل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين حتى بدا لي أنه كان يحارب نظاماً لم يحسن فهمه ناهيك عن حربه.)
دكتاتورا عادلا
ويشير الكاتب عبد الله علي ابراهيم الى ان في مبادرة رئيس الوزراء ايضا رسالة إلى تجمع المهنيين فيقول موضحا في مقاله : (أما الرسالة إلى طائفة المهنيين وأهل الرأي منهم فأن يجدوا لاحتواء الأزمة بالفكر لا بالبلاغات. وأكبر مظاهر هذه البلاغات "يا حمدوك يا حمدوك" التي يذيلونها بها. فخطاب الفكر لا يتجه لحاكم بل لتنمية الوعي بالقضية المثارة بين جمهور لخلق الكتلة الحاسمة للتغيير. فمثل هذه البلاغات تفترض في حمدوك، رئيس الوزراء في نظام انتقالي ديمقراطي، أنه البشير أو نميري أو عبود يفعل ما يريد والجمال ماشيات. فمع مطلب هذه الفئة بالديمقراطية إلا أنها في قرارتها تطلب ديكتاتوراً (عادلاً لو وجد ) 0
ويقول ابراهيم في مقاله :(أذا غفرت لحمدوك مآخذ لي كثيرة عليه فلأنه ما يزال قابضاً على جمر المسؤولية التي قلدناه لها ولم يحسن أكثرنا إليه فيها. وهذه فروسية سودانية. البشيل فوق الدبر ما بميل. وأنتم تريسون وتتيسون. هذه خصلة فيكم. ومنتهى نصح بعضهم له أن استقيل يا ثقيل. ما أسهل عليه أن يفعل ذلك. ما كلفة ذلك؟ فإن تركنا فنحن الخاسرون. قال المتنبي:
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ 0 )
حلم السودان
وخاتمة مقال الاستاذ عبد الله علي ابراهيم تستدعي استدعاء ما جاء في اول وآخر رسالة مفتوحة كتبتها حرم رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك بعفو خاطر لكنه خاطر قلق وحزين ، بعيد دقائق من ابلاغها بنجاة زوجها من حادثة اغتيال حيث كان ذلك في التاسع من مارس من العام 2020 م حيث قالت دكتور منى عبد الله في رسالتها المفتوحة والتى اختارت عنوانها ((لا شيء يضعف العزيمة..)): عرفتموه كرئيس لوزراء الفترة الانتقالية وعرفته زوجاً، وصديقاً ورفيق الدرب وشريك العمر، حلوه ومره قرابة الثلاثين عاماً وأتمنى أن تطول ، أكثر وصف ينطبق عليه أنه رجل مبدئي تحكمه مبادئ عالية في كل خطوة يخطوها لا يتنازل عن مبادئه مهما كان الثمن وحتى لو كان خصمه نذلٌ ووضيع، ولأجل مبادئه يقدم على أشياء يجبن أكثر الناس شجاعة عنها.
وتقول دكتور منى : (تردد كثيراً عندما عرض عليه تولي منصب رئيس الوزراء للفترة الانتقالية بل ورفض، ولكنه قبل بعد جهد جهيد لأن هناك من دفع عمره ثمناً للحرية ودفنت آماله الخضراء معه تحت التراب... فمن هو حتى يرفض أن يسهم ولو بقدر قليل ، أتى إلى السودان يحمل حلم السودان الموحد والمشروع الوطني الذي يضم الكل تحت لوائه وأشهد الله أنه لم يفقد الأمل أو ييأس من تحقيق هذا الحلم رقم قسوة الواقع.عمل كلما في وسعه لتحقيق هذا الحلم. لا يطمع في أي مكسب شخصي على الإطلاق والله علي ما أقول شهيد.تمتد
ساعات عمله اليومية من السادسة صباحا حيث يقرأ ملفات الأمس ويجهز عمل اليوم قبل الذهاب إلى المكتب والانخراط في الاجتماعات الطويلة، ويمتد يوم عمله حتى السادسة أو السابعة مساءً في الأيام العادية، وكثيراً ما يستمر حتى الثانية صباحاً أو ما بعدها عندما يكون هناك طارئ.
ليس لديه وقته الخاص أو ساعات الراحة الخاصة به ناهيك عن تلك العطلة التي كنا نعرفها في السابق باسم عطلة نهاية الأسبوع ، فالأسبوع والشهر والأيام كلها الآن أصبحت كالحلقة المفرغة التي ليس لها نقطة بداية أو نقطة نهاية ورغم ذلك لم أسمعه يتذمر من إرهاق أو تعب أو يشكو من احباط، حتى عندما تتعقد الأمور وتصل بنا إلى محطات قاتمة، تلك المحطات التي دائما ما تقذف بي إلى بئر من الإحباط والتشاؤم أقول له " هو نحن الجابرنا على المر ده شنو؟ " يقول لي: أكيد فيه تفسير أو أكيد فيه حل.أكيد يمكن المعالجة خلينا ننجز ما جئنا من أجله رغم العوائق والعراقيل التي يتفنن النظام البائد في خلقها ...خلينا ننجز حتى لو شكك البعض في قدراتنا على فعل ذلك ..ده عهد أنا قطعته لا أستطيع النكوص عنه".
عبدالله ليس لديه أي طموحات شخصية في مستقبل سياسي من أي نوع بعد نهاية الفترة الانتقالية لم يكن لديه قبلها ولا أثنائها ولن يكون بعدها، لديه الآن واجب وسيسلم الأمانة للحكومة المنتخبة ديمقراطيا (نتمنى) قبل أن يمضي ولولا خوفي من ان اتهم بالتخاذل والخوف لرجوت ان تقصر فترة تولي عبد الله رئاسة الفترة الانتقالية لأقصى حد ممكن.
ليس هناك ما يبهر
وتمضي دكتور منى قائلة:(ليس هناك ما يبهر أو يدفع للتمسك بالسلطة. نحسبها باليوم وبالساعة نتمنى أن يركض الزمن بنا ونغمض أعيننا ونفتحها ونحن فيما بعد الفترة الانتقالية، ننعم بأوقاتنا الخاصة معاً، يلبس البوبو أو القميص نص- الكم وقتمايحب 00ألبس ما أحب وامشي حافيه عندما أحب. نناكف أحلام، نسمع عباس تلودي مع قهوة الصباح يوم الأحد و نلتقي أصدقائنا وأحبابنا وقت ما نحب ، نقرأ أشعار البطانة وطرائف الواتساب والفيس بوك وكتب التراث وتاريخ السودان ونسمع اشعار ود بادي.)
وتختم بقولها : ( ولكن هناك نداء الواجب 00 عرفتموه كرئيس لوزراء الفترة الانتقالية وعرفته زوجا، وصديقا ورفيق الدرب وشريك العمر حلوه ومره قرابة الثلاثين عام واتمني ان تطول. ولكن إذا دعا الداعي فروحه ليست أغلى من أرواح الشهداء، وكل مسرات الدنيا ..ودمه ودمي ودم أولادنا فداء للوطن واستقراره).
المواكب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.