سايمون دينق تداولت مواقع اخبارية عديدة يوم الأحد الماضي خبرا مفاده ان وزير الري المصري محمد عبدالعاطي عرض المشروعات المائية التي نفذتها بلاده في جنوب السودان على نظيره "مناوا بيتر" الذي يزور مصر هذه الايام، وبكل تأكيد خبر كهذا ما كان سيجد ادني اهتمام بين النشطاء الجنوبيين في الوضع الطبيعي، او لو كان اللقاء جمع بين الوزير "مناوا" مع اي من نظرائه الاخرين في دول حوض النيل غير الوزير المصري!.. ومبعث القلق هنا بالتحديد هو سكوت الخبر عن المقابل الذي نفذت مصر تلك المشروعات المزعومة من اجله، وهي لا ينطبق عليها وصف (المساعدات)، فالخبر لم يقل ذلك ايضاً. من المهم التذكير بان الذاكرة الجماعية لدى عموم الجنوبيين تحفظ جيدا قضية (مستنقعات جونقلي المائية)، وتعي المخاطر البيئية والاقتصادية المترتبة عليها في حال المساس بها أكثر من اي وقت مضى.. وهذا يعني ان اغلب الجنوبيين يعرفون (المقابل) الذي تريده مصر نظير مشروعاتها الوهمية في البلاد .. المسألة لا تحتاج الي عبقرية..! تعتقد مصر ان البديل الذي سيعوض بعض خسائرها المائية بعد قيام سد النهضة الاثيوبي هو النيل الابيض، ولذلك هي تحاول ان تستغل علاقاتها مع بعض النخب في الدولة كي تبسط سيطرتها على مياه النيل.. وفي مخيلتها احلام (قناة جونقلي) التي توقف العمل فيها منذ ثلاثة عقود مضت. قد يسأل سائل وهل (مستنقعات جونقلي المائية) في وضعها الحالي عديمة الفائدة لدولة جنوب السودان..؟.. الاجابة بسيطة للغاية وهي عندما يتعلق الامر بمياه النيل فدائما ما تكون معايير الفائدة هي المعايير المصرية.. ومن يخرج عليها تحل به اللعنات وينقلب نهاره إلى ليل دامس الظلام كما يحصل الان مع الجارة اثيوبيا، ومن يطيع، يصبح حاله مثل السودان الذي سمحت له مصر باقامة سدود علي النيل بسعات تخزينية صفرية (لا تسمن ولا تغنى من جوع) .. مع العلم انه حتى المسموح به للسودان محرم على جنوب السودان، وسبق لمصر أن عرقلت قيام سد (فولا) في النيل لتوليد الكهرباء والذي خططت له الشركة النرويجية "نورفاند" بمنطقة نمولي الحدودية. حتى الان لم تتوفر لدينا المعلومات ولا نعلم الكثير وراء تلك الزيارات الغامضة والمتبادلة بين وزيري الري في البلدين ولكن..! من المستبعد ان يكون الغرض هو التباحث عن حلول لازمة سد النهضة حسب ما هو معلن في وسائل الاعلام، لان جنوب السودان ليس لديه ما يقدمه في هذه القضية بالتحديد .. ونخشي ان تكون "الكارثة" هي ما تعد لها مصر من خلف الكواليس عن طريق "دس السُم في دسم العلاقات القائمة بين البلدين".. اتمنى ان يكون الوزير "مناوا بيتر" مدرك للحِيّل المصرية وتلك العواقب الكارثية التي ستحل ببلادنا اذا ما سلمنا مفاتيح مستنقعاتنا المائية للدولة مصرية، فهذه أم الكوارث بعينها.! لقد ظلت حكومة جنوب السودان منذ استقلال البلاد في 9 يوليو 2011م وحتي الآن بدون راي واضح وصريح حول مياه النيل، وهذا السكوت وان كان مبررا في الفترة الماضية ولكنه ما عاد يخدم غرض في ظل الصراع الاقليمي المحتدم حول المياه، لقد آن الآون كي تضع الحكومة سياستها المائية وفق مصالحها العليا كما يفعل آخرون من حولنا، وأهم خطوة في سبيل هذه السياسة الجديدة ان تعلن عدم اعترافها بما يسمى ب"اتفاقية إلانتفاع الكامل بالمياه الضائعة في حوض النيل" التي وقعتها حكومتي مصر والسودان في 1959م، وهي الاتفاقية التي تاسست على ضوئها (قناة جونقلي الجائرة) بغرض توفير حوالي 18 مليار متر مكعب يٌقسم مناصفة بين مصر والسودان، والفاتحة على جنوب السودان! نعود للمشروعات المصرية المزعومة.. فبحسب ما اورته الخبر .. اقتباس: (إنشاء 6 آبار جوفية بنطاق مدينة جوبا، وتركيب وحدة رفع لنقل مياه الأنهار للتجمعات السكانية القريبة من المجاري المائية بمدينة واو، بالإضافة لمساهمة وزارة الري المصرية في إعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية لمشروع سد "واو" المتعدد الأغراض) .. انتهي الاقتباس .. المصدر موقع (RT) هذه المشروعات المتواضعة في مقدور اي رجل أعمال مبتدئ القيام بها في البلاد بأقل تكلفة ومجهود، وبدون اي ضجة اعلامية كما يفعل الوزير المصري هذه الايام وهي لا تساوي شيئا اذا كان المقابل هو (قناة جونقلي). الشيء الاخير .. وبما انني جاهل في علوم المياه والسدود ولكن لا احد بوسعه اقناعي بجدوى قيام سد ذي منفعة اقتصادية في مكان اخر غير النيل الابيض، وهذا يعني ان أمر قيام (سد واو) المزعوم مجرد متاجرة بالكلام في الهواء الطلق فقط ليس الا.. ولحساسية الموضوع الوزير "مناوا بيتر" مطالب بمجرد عودته من مصر الظهور عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ليوضح للراي العام الجنوبي كل الحقائق والخفايا المتعلقة بهذه الزيارات المشكوك في امرها وما تريده مصر من بلادنا العزيزة ألقاكم جوبا/ صحيفة الموقف