التحديات والملفات التي تواجه الحكومة الانتقالية كثيرة وكبيرة، منها، بل وعلى رأسها ملف السلام بتسوياته وتعويضاته، ومنها ملف الاصلاح الاقتصادي بما يضمن توفر السلع والخدمات الأساسية بالسعر المناسب لكافة شرائح المجتمع، ومنها ملف توفير الأمن للناس في بيوتهم وأسواقهم ومدارسهم. ولا شك في أن هناك العديد من الملفات والتحديات التي لا تقل أهمية، كمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة ومحاكمة الفلول، ولكن في اعتقادي أن الملف الاقتصادي والملف الأمني متلازمان ولهما الأولوية القصوى لدى المواطن. ونحن نقرأ في الذكر الحكيم قول الحق (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فيزداد يقيننا بأهمية هاتين المفردتين في بناء الفرد والأسرة والمجتمع. عليه، فإن المواطن العادي المصدوم بإخفاقات الأداء الحكومي، لم يعد يحلم إلا بشيئين إثنين لا ثالث لهما. الأول: الحد الأدنى من الطعام ليبقى على قيد الحياة في بلد يزخر بما لا يكاد يحصى من الموارد المائية والزراعية والمعدنية! ومع ذلك يعاني معظم سكانه من المسغبة والحرمان! الشئ الثاني: بسط الأمن بما يضمن السلامة الشخصية للمواطن في دخوله وخروجه، فبالرغم من دخول أرتال لا حصر لها من القوات النظامية وغير النظامية إلى الخرطوم بعد توقيع إتفاق سلام جوبا، إلا أنها لم تنجح في إنهاء جرائم النهب والقتل وعصابات (تسعة طويلة) في معظم أحياء العاصمة. وأيضاً الوضع الأمني ليس بأفضل حالاً في المدن الأخرى في شرق البلاد وغربها، كما في حي الميرغنية في بورتسودان، حيث شكى المواطنون في هذا الحي (سودان نيوز: 28/8/2021) من استمرار أعمال النهب وتكسير ابواب المنازل على أساس إثني، وأوضحوا أن مجموعات قوامها عشرات الأشخاص تأتي يومياً في وضح النهار وتستهدف منازل إثنية معينة خلت من السكان بسبب أحداث العنف. ودارفور ايضاً ليست بمعزل عن هذه السيولة الأمنية بل هي في الواقع أسوأ حالاً من غيرها من أقاليم البلاد، فأحداث العنف والقتل هنا لم تنقطع على مدى الفترة الماضية، ويمارسها الجميع: فالقوات النظامية تقتل، والدعم السريع يقتل وجيوش الحركات المسلحة تقتل، والعصابات المسلحة المنتشرة في الإقليم تقتل وتنهب، وعلى سبيل المثال أوردت وكالات الأنباء في 28/8/2021 خبراً مفاده أن مسلحين على ظهور الجمال قتلوا شخصين بمنطقة جابر التابعة لوحدة فتو برنو بشمال دارفور ونهبوا مواشي المواطنين. ولا ننسى آخر أحداث العنف هنا والتي كان مسرحها جامعة زالنجي (31/8/2021) عندما فتحت قوات الأمن النار على مئات الطلاب العزل المشاركين في مسيرة مطلبية فقتلت طالبين وأصابت العشرات بالرصاص! كنا نسمع كثيراً أنّ الحل لمشكلة التفلتات الأمنية سيكون ممكناً بعد تكوين القوات المشتركة من الجيش والأمن والدعم السريع والحركات المسلحة التي ستعمل معاً لبسط الأمن وهيبة الدولة في المدن والارياف. والآن تم تدشين هذه القوات رسمياً (1/9/2021) والتي ستجد نفسها أمام أوضاع أمنية متردية حتى داخل العاصمة القومية. بل إن بعض الأحياء الطرفية تدهورت أمنياً حتى أصبح الداخل فيها (مفقود) والخارج منها (مولود). نأمل أن تكون هذه القوات على قدر المسؤولية والجهوزية التامة والتعاون والتنسيق فيما بينها والعمل بروح الفريق الواحد وعدم الركون الى الفصائل التي أتت منها. مطالب الشعب ليست من رابع المستحيلات حتى تعجز الجهات الحكومية عن تلبيتها، وهي في الأساس ليست مطالب، وإنما هي حقوق عززتها ثورة ديسمبر المجيدة، وتتمحور هذه الحقوق حول كرامة الإنسان وحرمة الإنسان في دمه وماله وعرضه. تكوين القوات المشتركة يجب أن يمثِّل بداية النهاية للتلفتات الأمنية، تنتهي معها وإلى الأبد ظاهرة اقتحام عصابات اللصوص لبيوت المواطنين ونهبها تحت تهديد السلاح. انتشار القوات المشتركة في شوارع المدن يجب أن يبعث برسائل تطمين للجميع مفادها( دع القيادة لنا واستمتع بالرحلة). ورد في ""مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعافىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوت يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها"" التحية،، [email protected] com