تبنى مجلس الأمن الدولي، ظهر الأربعاء، بيانا رئاسيا يحث مصر وإثيوبيا والسودان على استئناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن سد النهضة. ويشجّع البيان الدول الثلاث على التفاوض ووضع اللمسات الأخيرة على نص اتفاق مقبول لجميع الأطراف بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، ضمن إطار زمني معقول. وهذا هو أول ما أصدره المجلس بشأن السد، ولكن كيف تم التوصل إلى هذا البيان ذي اللهجة المخففة جدا؟ مر البيان بالعديد من المراحل وجرى حذف العديد من مفرداته أو تغييرها حتى تقبل به جميع الأطراف، وكانت الصيغة التي صدر بها أمس هي رابع نسخة تقدم لمجلس الأمن. وقد كانت المفاوضات مطولة وصعبة على ما يبدو حيث اقترحت تونس في البداية قرارًا بشأن السد، وعند عدم قدرة أعضاء المجلس على الاتفاق على هذا القرار، قررت المتابعة من أجل استصدار بيان رئاسي. وكان مجلس الأمن ناقش الخلاف لأول مرة في 29 يونيو/حزيران 2020، بالتزامن مع ملء إثيوبيا لسد النهضة لأول مرة. وعندما قررت أديس أبابا التحرك إلى الأمام، مع الملء الثاني للسد، حظي النزاع مرة أخرى باهتمام دولي. وعقب اجتماع طلبته مصر والسودان، تبنت جامعة الدول العربية قرارًا دعا مجلس الأمن لمناقشة النزاع، وطالب إثيوبيا بالامتناع عن ملء السد إلى أن تتوصل أولاً إلى اتفاق مع البلدان المتضررة. وقد رفضت الخارجية الإثيوبية قرار جامعة الدول العربية "بالكامل". وعند هذه النقطة تحركت تونس انطلاقا من كونها عضوا في الجامعة العربية، وعضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي. أثارت تونس القضية داخل مجلس الأمن، ووزعت لأول مرة مشروعا بشأن سد النهضة في 2 يوليو/تموز، وطالبت بعقد اجتماع حول الملف وهو ما تم في 8 يوليو/تموز/الماضي. ويبدو أنه لم يكن هناك دعم كافٍ للنص. في 5 أغسطس/آب قدمت تونس مسودة بيان رئاسي حول سد النهضة، وتم وضعها تحت الصمت حتى 16 أغسطس/آب، وهو الموعد النهائي الذي تم تمديده لاحقًا حتى 17 أغسطس/آب بعد أن كسرت كينيا الصمت. لاحقا، وزعت تونس مسودة ثانية منقحة، ووضعت أيضا في حالة الصمت في نفس اليوم. ومع ذلك، كسرت كينيا الصمت بشأن المسودة مرة أخرى. وعادت تونس لتوزع نسخة منقحة ثالثة في 2 سبتمبر/كانون الأول، مع قراءة كاملة في 3 سبتمبر/أيلول، وقدمت التعليقات بحلول يوم 7 من ذات الشهر، ووزعت نسخة رابعة منقحة يوم الاثنين 13 سبتمبر/أيلول الجاري. وهذه المرة، أصبح ممكنا الاتفاق على مشروع البيان من خلال التسوية والتقليص الكبير لمحتوى النص. وبدا لافتا في النص الجديد أن المجلس "يؤكد" أن "البيان لا يحدد أي مبادئ أو سابقة في أي منطقة أخرى لمنازعات المياه عابرة للحدود". وهذه اللغة تهدف إلى معالجة مخاوف العديد من أعضاء المجلس من أن اعتماد بيان حول سد النهضة يمكن أن يخلف سابقة، حيث سيتم استدعاء المجلس للتدخل في نزاعات المياه العابرة للحدود في جميع أنحاء العالم. وخلال اجتماع المجلس في 8 يوليو/تموز، أشار العديد من الأعضاء إلى أن هذه الخلافات يتم حلها بشكل أفضل على المستوى الإقليمي ومن خلال الحوار بين الأطراف المعنية. الطابع الإقليمي وقد دعت كينيا الأطراف إلى "إعادة الالتزام بالتفاوض بحسن نية في إطار العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي" وأعربت عن ثقتها الكاملة في "أن أشقاءنا وإخواننا المصريين والإثيوبيين والسودانيين سيجعلون مبدأ الحلول الأفريقية للتحديات الأفريقية حقيقة واقعة". وكذلك دعت النيجر "جميع الأطراف إلى إعطاء الأولوية للتوصل إلى حل إقليمي وأفريقي لقضية سد النهضة". وذكرت الهند أنه "ينبغي حل النزاعات عبر الحدود على المياه بشكل مثالي من خلال آليات يتفق عليها أصحاب المصلحة الأساسيون، مع مراعاة الحقوق والمسائل المتعلقة بالتفاصيل التقنية، والاستخدام التاريخي والجوانب الاجتماعية والاقتصادية". وفي النسخة النهائية، أزيل نص يطلب من الأمين العام تقديم تقرير عن النزاع لمجلس الأمن في غضون 6 شهور. وبإزالة هذا النص، لم يعد سد النهضة على جدول أعمال المجلس خلال الفترة المقبلة. وبشكل عام تم تخفيف لهجة البيان بشكل واضح. وبعد صدور البيان، عاد ممثل الهند ليؤكد من جديد أن مشاكل المياه ليس من اختصاص مجلس الأمن، وأن هذا البيان لا يشكل سابقة تؤسس لتعامل المجلس مع هذه الملفات.