أخفقت المسكنات السياسية التي اتبعتها الحكومة السودانية في التعامل مع المشكلات المتفاقمة في شرق البلاد وأصبحت تمثل أزمة كبيرة قد تتحول إلى أزمة إقليمية توتر علاقتها بدول مجاورة، لأن المنطقة تتماس مع ثلاث دول هي مصر وإريتريا وإثيوبيا. وأعلن مجلس قبلي في شرقي السودان السبت إغلاق موانئ بالبحر الأحمر والطريق القومي بين مدينة بورتسودان في الشرق والعاصمة الخرطوم لليوم الثاني بمشاركة تنظيمات سياسية ومجتمعية لدفع الحكومة للاستجابة لمطالبهم. وتنكأ أزمة الشرق جرحا إقليميا جديدا أمام الحكومة التي لا تزال تبحث عن صيغة لإطفاء الحرائق في الجنوب عقب تجميد الحوار مع جناح الجبهة الشعبية الذي يرأسه عبدالعزيز الحلو، وفي الغرب بعد إظهار الأممالمتحدة غضبها أخيرا مما يجري في دارفور، الأمر الذي يستفيد منه فلول النظام السابق لتشتيت انتباه الحكومة. وتشمل مطالب أهالي الشرق حل الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك، وإلغاء مسارهم في اتفاق السلام الموقع في جوبا منذ نحو عام والذي تسبب في تهميش الشرق، وفتح منبر تفاوضي جديد حول قضاياه، ومنح الإقليم موارده وإنشاء مشروعات تنموية والحصول على نسبة مشاركة جيدة في السلطة المركزية. قضية الشرق أصبحت مجالا خصبا للمزايدات السياسية بين قوى داخل الحكومة والشق العسكري في مجلس السيادة وفلول النظام السابق وقد تتجه التطورات للمزيد من التصعيد الأيام المقبلة بما يشمل وقف الرحلات الجوية إلى مطار بورتسودان ومنع شركات التعدين من العمل إلى حين الاستجابة للمطالب. وتم تكوين لجنة برئاسة عضو المجلس السيادي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي للتواصل مع مجلس البجا وعموديات الشرق المستقلة وإيجاد حل للمشكلات قبل خروجها عن السيطرة. وقال المحلل السياسي المهتم بشؤون شرق السودان عبدالقادر باكاش إن معركة القوى السياسية في الشرق مع السلطة الانتقالية ليست إقليمية، لكن من المهم لدول الجوار متابعة الموقف قبل انفلاته، لأن وجود صراع مسلح في هذه المنطقة سوف يشكل تهديداً عليها ويجبرها على التدخل. وأضاف في تصريح ل"العرب" أن الحديث عن استدعاء أطراف إقليمية في الوقت الحالي غير منطقي فلا يوجد تمرد فعلي على الدولة يستوجب ذلك، وكل ما هناك اعتراضات بأشكال مختلفة احتجاجاً على عدم حسم بعض القضايا العالقة التي لها تأييد شعبي. وأوضح أن الصراع في شرق السودان تحت السيطرة، وثمة أفق للحل شريطة توافر الرغبة السياسية لدى جميع الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات وتصحيح ما حواه اتفاق سلام جوبا من عيوب بين الحكومة والجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية مختلفة. ونفذ أنصار ناظر قبيلة الهدندوة، رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة بشرق السودان تهديدهم الجمعة بإغلاق عدد من النقاط على الطريق القومي، شملت ثلاث نقاط في ولاية البحر الأحمر واثنين في ولاية كسلا وثلاث في ولاية القضارف، ما يشل حركة التنقل مع دول الجوار. ويستهدف تنفيذ إغلاق جزئي حركة الشحن والبضائع بين الموانئ والخرطوم وبقية أنحاء البلاد وقد يمتد إلى مرافق أخرى في حال لم تستجب الحكومة لمطالب الشرق، ما يعني تكدس الشاحنات على امتداد الطريق الممتد لنحو 800 كلم، وشل جزء كبير من حركة التنقل في شرق البلاد. وأشار الخبير المصري في الشؤون الأفريقية العميد خالد فهمي في تصريح ل"العرب" إلى أن موقع شرق السودان يجعل أطرافا خارجية عديدة لها مصلحة في المتابعة واختراق تلك المنطقة، وهو ما يتطلب جهدا كبيرا من قبل الحكومة لمنع توظيف الصراع الداخلي لصالح أهداف إقليمية. وازدادت الأزمة سخونة مع إعلان لجان المقاومة في ولاية البحر الأحمر إمهال الحكومة السودانية 24 ساعة لحسم إغلاق الطريق وعودة الحياة إلى طبيعتها، وفي حال عدم الاستجابة ستقوم اللجان المؤيدة للثورة السودانية بالحسم بنفسها نيابة عن الحكومة بعد أن وصفت إغلاق الطرق ب"العملية الاجرامية". وقالت لجان المقاومة في بيان لها "ظللنا طوال عامين نتحاشى الصدام المباشر مع نظار القبائل لاعتبارات تتعلق بطبيعة المكونات المحلية على أمل أن تتخذ الحكومة موقفا حاسما تجاه تفلتات الأعيان الذين هم حصان طروادة لفلول النظام البائد لضرب الاستقرار والتمهيد لإعادة حكم المؤتمر الوطني الذي لازال ينخر في عظم ولاية البحر الأحمر بلا هوادة لكن طفح الكيل". وتعتبر لجان المقاومة المحسوبة على قوى الثورة أن ما يقوم به الناظر ترك وأعوانه يتم لصالح فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير وينطوي على ابتزاز مهين ويهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار وضرب النسيج الاجتماعي في الشرق وتعطيل عمل لجنة إزالة التمكين، خوفا من فتح تحقيق في ملفات فساد عديدة في شرق السودان. وتتعلق هذه الملفات بصندوق إعمار الشرق والأراضي والمعادن وعائدات الموانئ، وما يوصف بالوظائف الوهمية، وشركات الملاحة والصادرات والتخليص الجمركي وأموال الاستثمارات والبنوك. وأكد المجلس الأعلى للإدارة الأهلية في شرق السودان المناوئ لمجلس البجا في بيان له الجمعة رفضه لعملية إغلاق الطرق في شرق السودان، ومعتبرا الخطوة جريمة بحق الشعب السوداني للنيل من الثورة وعودة الشمولية والاستبداد، ما يضع الشرق فوق بركان ساخن من التوترات. وأعلن المجلس وقف أيّ تفاوض مع الحكومة واتهمها ب"التلاعب بقضية الشرق وتوظيف الرافضين للوفاق لخدمة أجندتها في صراعها الداخلي". ويرى متابعون أن قضية الشرق أصبحت مجالا خصبا للمزايدات السياسية بين قوى داخل الحكومة والشق العسكري في مجلس السيادة وفلول النظام السابق، وكل طرف يحاول توظيفها بالطريقة التي تحقق مصالحه، ما يهيّئ الأجواء لدخول أطراف إقليمية على خط الأزمة.