إذا سلمنا جدلاً، أن ما تمّ في الأسبوع الثاني من شهر أبريل 2019 كان انصياعاً من المؤسسة العسكرية لإرادة الشعب، فإن ذلك ظاهرياً. علينا أن نعلم أنّ هناك انقلاب ليس تقليدي يجري في السودان وتتسارع خطواته النهائية هذه الأيام. أمّا أولى خطواته فقد بدأت بالفعل منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019. وهو انقلاب ممرحل وليس تقليدياً، حيث أنه ليس هناك مارشات عسكرية وليس هناك بيان أول! هي خطوات تتمثل في إملاء إرادة اللجنة الأمنية لنظام البشير البائد على المكون المدني في الحكومة باضطراد، وانتهاز كل فرصة لإضعافه وتحميله مسؤولية التدهور المعيشي والانفلات الأمني. ويخطط المكون العسكري لفرض سيطرته الكاملة عبر مواصلة تحكمه في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإدارته لشركات ومؤسسات اقتصادية عملاقة مؤثرة في عصب الاقتصاد السوداني، بل وإدارته لملفات خارجية، منها التطبيع مع إسرائيل، والزيارات لدول مثل الامارات والسعودية ومصر وقطر وتركيا وحتى إيطاليا، بدون التنسيق مع المكون المدني ووزارة الخارجية. نشتم رائحة طبخة تآمر تدخل فيها عناصر خارجية بدأت تفوح. ففي يوم الاثنين 30 أغسطس 2021، في زيارة غير معلنة، رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل وصل الخرطوم والتقى بمسؤولين في الأجهزة الأمنية والعسكرية. وأيضاً في يوم الأربعاء 15 سبتمبر 2021، في زيارة غير معلنة، رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل وصل الخرطوم حاملاً معه رسالة من عبد الفتاح السيسي إلى عبد الفتاح البرهان. مع العلم بأن قائد المحاولة الانقلابية المكشوفة عاد من رحلة علاجية في مصر قبل أيام قلائل من يوم الثلاثاء 21سبتمبر 2021، الذي أُعلن فيه عن احباط محاولته الانقلابية في الخرطوم. وفي إشارة قوية لتدخل خارجي تآمري، في تصريح نُشر يوم الثلاثاء 21سبتمبر 2021، أدان الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية التحرك الذي حدث في السودان في ذلك اليوم، وأضاف "نحن ندين أي تدخل (خارجي) يهدف إلى بث التضليل الاعلامي وتقويض إرادة الشعب السوداني! وعندما تشير الحكومة الأمريكية صراحة إلى تدخل خارجي، يجب أخذ تلك الإشارة بجدية. من قرائن الأحوال، يتضح أن هناك مخطط كبير يجرى بتنسيق داخلي وخارجي، فيه ملامح تجربة عبد الفتاح السيسي ولكن بسيناريو مختلف حيث أن المكون العسكري لا يمكنه الصعود للسلطة من فوق نهوض جماهيري شامل، فالصعود الجماهيري سيكون ضده في المقام الأول. لكن فقط من الوارد التنسيق مع تحركات الناظر ترك وبعض الإدارات الأهلية -هناك أنباء عن حشد بعضها في الخرطوم للقاء المكون العسكري- والناظر أطلق دعوة سافرة للمكون العسكري باستلام السلطة وتكوين حكومة كفاءات. نلفت الانتباه إلى أن المحوّر الخارجي المُقرّب للمكون العسكري هو محوّر مصر والسعودية والأمارات، ولكن هذا المحوّر شرطه الأساسي لتأييد انقلاب المكوّن العسكري هو التخلص من كل ما يمت للإخوان المسلمين بصلة. لذلك لا نستبعد أن الذين تحركوا لعمل انقلاب مكشوف يوم الثلاثاء 21سبتمبر 2021، همّ إسلامويين تمّ استدراجهم وإعطاؤهم الضوء الأخضر بهدف إقصاءهم لاحقاً وإعطاء إشارة للمحوّر الخارجي بأن ملف الإخوان المسلمين داخل المؤسسة العسكرية تمّ احتواؤه! لنتدبر أمرنا ونمنع الارتداد الكامل. كاتب هذه السطور يؤمن بجدوى التحالفات المبنية حول مهام محدودة تتطلب الإنجاز، خاصةً في حالة التحالفات التاكتيكية الواسعة. بمعنى أن التحالف يمكن أن يقوم حول قضية محددة، مثلاً انجاز قانون نقابات ديمقراطي، حيث يمكن أن تتحالف قوى سياسية متنوعة ومتباينة حتى يتمّ انجاز ذلك الهدف بإجازة القانون المتفق عليه. ومثال آخر هو قيام تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير والذي أنجز هدفه الرئيس بإزاحة رأس النظام البائد وبعد ذلك تعثر في انجاز المهام الأخرى التابعة. الآن هناك فرصة للالتفاف الجماهيري حول هدف واحد اسمه "الدفاع عن الديمقراطية ومنع الارتداد". الآن يجب على كل القوى المؤمنة بالديمقراطية سبيلاً للحكم، أن تتحد حول مهمة "الدفاع عن الديمقراطية ومنع الارتداد" وتتواثق على انجاز المهام التالية: * كيفية تعيين الحكومة ووزراءها يكون فقط بما تمّ الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية * تؤول رئاسة المجلس السيادي للمكون المدني في الموعد الذي تم الاتفاق عليه * تصفية كل القوانين المقيدة للحريات * العصيان المدني الشامل وتتريس الشوارع في حالة تغول المكون العسكري على أيً من البنود الثلاثة المذكورة أعلاه. هناك ضرورة قصوى للتوقيع على هكذا ميثاق قصير ومحدد المهام ويكون بمثابة عهد من القوى الموقعة عليه. بجانب القوى التي جمعها ميثاق قوى إعلان الحرية والتغيير، يجب أن يكون هناك مسعى ليكون من ضمن الموقعين على عهد "الدفاع عن الديمقراطية ومنع الارتداد"، الحركة الشعبية شمال قيادة الحلو، وحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد، وممثلين للجان المقاومة. [email protected]