مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكييف المآلات الاقتصادية/ الاجتماعية والسياسية لثورة ديسمبر المجيدة وأليات الحلول (3-10)
نشر في الراكوبة يوم 25 - 09 - 2021


2-2 الانقلاب بالتجزئة الأول
إنَّ الانقلاب بالتجزئة الأول الذي شرعت في ممارسته لجنة البرهان الأمنية، قد كان باستخدام قحت الناعمة عنوةً فيه. وقد حدث ذلك أبَّان صياغة الوثيقة الدستورية، وذلك حينما صِيغَتْ وثيقتان إحداهما مع كل قوى الحرية والتغيير بكامل إجماعهم عليها، والأخرى حاكتها قحت الناعمة مع العسكر بمعزل عن إجماع كل قوى الحرية والتغيير. وحينما سُلِّمت الوثيقة المُجمع عليها بواسطة كل قوى الحرية والتغيير للمكون العسكري للدراسة، تمَّ تغييبها بطريقة دراماتيكية بواسطة لجنة البرهان الأمنية وقحت الناعمة، وجِئَ بالوثيقة الأخرى التي وافقت عليها قحت الناعمة منفردة مع العسكر، وتمَّ تسويقها تحت مشهد "باركوها يا جماعة" دون أن يطرف لقحت الناعمة عين في السؤال عن سبب تغييب الوثيقة الأولي، والأتيان بوثيقة أُخرى مغايرة. (وعلى أيِّ حال هذا أمر سنتركه للمجلس التشريعي يوم يخرج من السرداب، ليعرف كيف وقعت قحت الناعمة في أحضان العسكر، ولماذا شاركتهم في انحراف الثورة عن أهدافها، وشرعت في تزوير التاريخ بتغيير وثيقتنا الدستورية).

ومن عجبٍ حتى المراقبين من الاتحاد الأفريقي والدول العربية والغربية قد اشتركوا في "مسرحية باركوها يا جماعة" تلك، وذلك بعدم تحديد المسئولية الأخلاقية والقانونية عن ضياع الوثيقة الأولي (وعدم إعادة طباعتها حتى) وقبول الوثيقة البديلة حتى من غير نقاش خلا موقف اليسار السوداني الجذري الذي انسحب عن مسألة المصادقة عليها. ثم انبرى متعهدو الأخلاق والنفاق من غلمان بورجوازية الدولة ووكلاء الليبراليين الجدد يمدحون الوثيقة البديلة تماماً كمن صاغها في الخفاء أو اطلع عليها مسبقاً، ويُعيبون على من عارضها الموقف النشاذ بزعمهم (د. محمد الحسن ولد لبات: 2020).

على أيِّ حال في 18 أغسطس 2019 تم التوقيع على الوثيقة الدستورية المزوَّرة، والتي جاءت كلها في صالح المكون العسكري بكامل علم قحت الناعمة والموافقة عليها ومباركتها والدفاع عنها، والتي من أهم بنودها:

1/ تبلغ مدة الفترة الانتقالية 39 شهرا اعتباراً من توقيع الإعلان الدستوري، على أن تجرى انتخابات في نهايتها.
2/ تعطى الأولوية في الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية لإرساء السلام بين الفصائل السودانية في المناطق التي تشهد نزاعات.
3/ تُكلَّف الحكومة الانتقالية العمل على إعداد إصلاحات قضائية واقتصادية ووضع أسس سياسة خارجية متوازنة.
4/ يتألف المجلس السيادي من 11 عضواً هم ستة مدنيين وخمسة عسكريين. وستتولى شخصية عسكرية رئاسته في الأشهر ال 21 الأولى على أن تخلفها شخصية مدنية للأشهر ال 18 المتبقية.
5/ يشرف المجلس على تشكيل إدارة مدنية انتقالية قوامها حكومة ومجلس تشريعي.
6/ يسمي تحالفُ قوى الحرية والتغيير رئيسَ الحكومة على أن يصادق المجلسُ السيادي على تعيينه.
7/ تتألف الحكومة من 20 وزيراً على الأكثر يختارهم رئيس الوزراء من بين مرشحين يقترحهم التحالف، باستثناء حقيبتي الدفاع والداخلية اللتين يختار وزيريهما الأعضاء العسكريون في المجلس السيادي.
9/ يتم تشكيل المجلس التشريعي في غضون 90 يوما من توقيع الاتفاق على أن تخصص نسبة 67 في المئة من مقاعده لتحالف قوى الحرية والتغيير، أما النسبة المتبقية فستكون متاحة للأحزاب الأخرى غير المرتبطة بالبشير.
10/ تكون القوات المسلحة ومثلها قوات الدعم السريع جزءاً من المؤسسة العسكرية وستكون بإمرة قائد القوات المسلحة.
11/ تنظم القوانين والأنظمة الراعية لعمل القوات المسلحة وقوات الدعم السريع العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة التنفيذية.
12/ يكون جهاز المخابرات العامة هيئة تنظيمية مهمتها جمع المعلومات وتحليلها وتقديم تقارير بشأنها إلى السلطات المعنية، ويكون جهاز الاستخبارات خاضعاً للسلطة التنفيذية وللمجلس السيادي.
13/ يكفل الإعلان حق كل مواطن بالحرية والأمن ويحظر التوقيفات العشوائية.
14/ يكفل الإعلان حق كل مواطن بحرية المعتقد والتعبير ونشر المعلومات والوصول إلى الصحافة.
15/ يعتبر الإعلانُ الوصولَ إلى شبكة الإنترنت حقاً ما لم يتعارض مع النظام العام والأمن والآداب العامة.
16/ يكفل الحق بالتجمعات السلمية، ويمنح كل فرد الحق في تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية و/أو الانضمام إليها (الحرة 17 أغسطس 2019).
وبالرغم من أنَّ بنود هذه الاتفاقية مخالفة للوثيقة الأولى المغيَّبة، فإنَّ جلَّ بنودها هي نفسها قد خالفها المكون العسكري بانحياز مدنييِّ المجلس السيادي البيِّن (ترغيباً وترهيباً) لرغبات المكوِّن العسكري وما انفكَّ يفعل، بما يشي بأنَّ هناك انقلاب بالتجزئة يجري في الخفاء.
فمثلاً: بعد تحديد ال 39 شهراً لكل الفترة الانتقالية وتمديد حوارات السلام في جوبا فوق الستة أشهر المذكورة في الوثيقة الدستورية بنحو عامٍ ونيف (وهو أمرٌ مخالف للوثيقة الدستورية المزوَّرة)؛ يجري الآن مناقشة خرق الوثيقة الدستورية للمرة الثانية بتمديد آخر للفترة الانتقالية بعد تشكيل ما يُعرف بمجلس الشركاء (مما يجعل التمديد – لا السلام – هو المقصود من قِبَل لجنة البرهان الأمنية)، انتزاع ملف السلام بواسطة المكون العسكري وهو من صميم عمل الحكومة المدنية دون مسوغ دستوري أو قانوني، جاءت كل الإصلاحات القانونية والاقتصادية لصالح عناصر النظام المتساقط، جعل الجيش وقوات الدمع السريع خارج سلطة رئيس الحكومة وتبعيتها لقائد المؤسسة العسكرية معيق لقرارات السلم والحرب التي تراها الدولة المدنية ومكرِّس للانقلابات على الدولة المدنية، أبطأت الحكومة في تكوين المحكمة الدستورية لأنَّها هي المناط بها تأييد القرارات النهائية بجرائم القتل ومحاكمة أفراد النظام السابق وترؤس حكومة الفترة الانتقالية، تعيين وزير الدفاع ووزير الداخلية من مهام مجلس الوزراء وليس من اختصاصات المكون العسكري، لم يتم تشكيل المجلس التشريعي حتى الآن للخوف من إعادة صياغة الوثيقة الدستورية، مازالت قوات الدعم السريع بقيادة منفصلة وميزانية منفصلة رغم تسمية تبعيتها للمؤسسة العسكرية وهي مثال للمسكوت عنه.
على أيَّةِ حال، سأتناول هنا عدد من المخالفات للوثيقة المزوَّرة بواسطة قحت الناعمة ولجنة البرهان الأمنية كُلاَّ على حدة، لأنَّها تشكِّل مع مباركة قحت الناعمة لها والدفاع عنها، لحظة فارقة وحالة انقلابية مكتملة الأركان على "النموذج السوداني المدني/العسكري الفريد" الذي لطالما مدحه دولة الرئيس د. عبد الله حمدوك. وفي الحقيقة عدم الانتباه لهذه الحالة الانقلابية البيِّنة الملامح قد جعلت مدنييِّ الفترة الانتقالية من أفراد قحت الناعمة أكثر عسكرية من المكون العسكري، الأمر الذي يجعل الفترة الانتقالية برمتها على المِحك في مقبل الأيام إذا لم يتم تغيرهم (وإذا لم يتم تغييرهم فاعلموا أنَّ كل ما جاء بعاليه صحيح).
2-3 الانقلاب بالتجزئة الثاني
كان الانقلاب بالتجزئة الثاني لِلَجنة البرهان الأمنية في يوم 03 /02 /2020، يوم أنْ ذهب الجنرال البرهان سراً ليلتقي برئيس وزراء اسرائيل في العاصمة اليوغندية عنتيبي بدون تفويض من مؤسسة الدولة (ثلثي مجلس الوزراء ومجلس السيادة مجتمعين)، وبدون علم رئيس الوزراء، وبدون مراعاة للأمن القومي والاستراتيجي للسودان؛ وهو بعد رئيس المجلس السيادي، ورئيس مجلس الأمن والدفاع.
وهذا الوضع يؤكد فيما يؤكد بعد توقيع قحت الناعمة على فض الاعتصام، أنَّ الجنرال يتجاوز مهامه التشريفية في المجلس السيادي، ويتجاوز المؤسسية في إطار منظومة الدولة التي أقرتها الوثيقة الدستورية المزوَّرة وكذلك في إطار منظومة الأمن والدفاع، وبتجاوزه للرئيس الفعلي للحكومة، وتلقيه للأوامر مباشرة من الأمريكان أو عبر عرب الخليج الذين يطوقونه ويطوقون قحت الناعمة بالرِّشَى السخية.
هذا الواقع قد أغضب الرئيس حمدوك، مما حدا به القول للأمريكان والخليجيين أنَّ مسألة التطبيع مع اسرائيل مسألة سنتركها للمجلس التشريعي. الأمر الذي جعل السفاح البرهان يشرع في تجاوز المجلس التشريعي بتكوين مجلس شركاء السلام الغير شرعي هو الآخر (كما سيجئ في الانقلاب الثالث أدناه)؛ فقط ليقطع الطريق على قرارات حمدوك وليقطع الطريق على قيام المجلس التشريعي بقيام مجلس الشركاء الزنيم.
ومن يظن أنَّ هناك تناقم في اتخاذ القرارات بين المكون العسكري والمكون المدني في السلطة الانتقالية، فهو واهم. ومن يظن أنَّ جُلَّ المكون المدني يعمل لصالح الحكومة المدنية فهو واهمٌ أيضاً؛ فالأمر أعقد مما نتصور بكثير.
2-4 الانقلاب بالتجزئة الثالث
الانقلاب بالتجزئة الثالث للسفاح البرهان على الحكومة المدنية انقلاب مركب، وذلك لكونه كان قائماً على استيلاء ملف السلام من مجلس الوزراء بالباطل ودون وجه حق ودون موافقة المجلس التشريعي (ثلاثا مجلس الوزراء + السيادي)، ولكونه انبنى على باطله هذا تكوين مجلس شركاء السلام الذي أنكره حمدوك؛ وما بُنِيَ على باطل فهو باطل.
لقد كان الغرض من استيلاء ملف السلام من حمدوك، هو تطويل محادثات السلام لأطول فترة ممكنة كما جاء بعاليه. كما أنَّ قيام مجلس شركاء السلام كان المنوط به تمديد الفترة الانتقالية بعد أن تعبت جوبا من استضافة المناقشات العبثية المفتوحة، وبالأساس لقطع الطريق على قيام المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وقيام حكومة مدنية مكتملة الأركان.
وانبرى بطبيعة الأحوال أصحاب المصلحة من التطويل وتعطيل المجلس التشريعي، كأمثال سارق ذهب السودان السفاح حميدتي ومتعهدي النفاق من أفراد قحت الناعمة والحركات المسلحة المرتشية، في التطبيل لمجلس شركاء السلام على حساب أهمية المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية بالرغم من عدم اعتراف حمدوك به.
والآن نكرر بأنَّ مجلس شركاء السلام سيصبح قاعاً صفصفاً متى ما قام المجلس التشريعي، وسيتبعه كل ما قام به السفاح البرهان من جحفلة قواتنا المسلحة لقتال إثيوبيا والأرواح التي قُتلت أو أيِّ توقيعات وانفاق للمال العام خارج مؤسسة الدولة، وسنشرع في محاكمته (راجع مقالنا منفيستو ثورة ديسمبر المجيدة للربع الأول من 2021).
2-5 الانقلاب بالتجزئة الرابع
الانقلاب الرابع للسفاح البرهان على مؤسسة الدولة المدنية هو اجتراح الحرب على إثيوبيا من دون التئام مجلس الوزراء ومجلس السيادة والتصويت على قرار الحرب بثلثى الأعضاء. بل الأخطر من ذلك أنَّ رئيس وزراء السودان آخر من يعلم، وفوق ذلك حينما أعلن البرهان الحرب على إثيوبيا كان رئيس مجلس وزراء السودان في زيارة رسمية لدولة إثيوبيا. الأمر الذي يعني أنَّ الانقلاب بالتجزئة قد وصل مرحلة اللامبالاة برئيس مجلس الوزراء كرئيس للدولة السودانية، وبقراراته، وبأمنه الشخصي، وبأمن الوفد المرافق له؛ وهذا من جانب البرهان.

أما الخطر المطلق على الدولة المدنية بما يؤكد أنَّ الانقلاب على المدنية على وشك الاكتمال، يتبدَّى حينما يخرج أحد أعضاء مجلس السيادة "المدنيين" كمحمد سليمان الخليفة مدافعاً عن سلوك البرهان المخل بالمؤسسية والمنفرد بقرارات السلطة ومُبرِّراً له، وهو بعد مدني أُتِيَ به ليمكِّن للسلوك المدني والثقافة المدنية لا أن يصير عسكرياً أكثر من العسكر أنفسهم (راجع مقالنا: لعناية الأخ محمد الفكي: نختلف مع تبريرك لجرم الجنرال بإعلان الحرب على إثيوبيا جوهرياً وفنياً/مؤسسياً وأخلاقياً، 16 / 01/ 2021).

والآن بعد إحاطة حمدوك إحاطة كاملة بواسطة قوى قحت الناعمة المتماهية مع العسكر على حساب الدولة المدنية، وبالليبراليين الجدد وممثليهم من مؤسسات التمويل الدولية فإنَّ الثورة ودولتها المدنية يصبحان على المِحك.
2-5 الانقلاب بالتجزئة الخامس
من الملاحظ أنَّه كلما اقتربت فترة تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، اختلق المكون العسكري حدثاً يُعطِّل به تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، وكما هو معلوم فإنَّ نوفمبر 2021 هو موعد رئاسة المدنيين لمجلس السيادة. والناظر أيضاً لاختلاقات هذا المكوِّن العسكري السفيه الذي يُعطِّل بها تسليم السيادة للمدنيين، هي في الحقيقة ميزانة كاملة وإنفاق مالي وانفلات أمني وأخطر من ذلك خسائر في الأرواح. وسوف يظل هذا المكون العسكري الإخوانوي يفعل ذلك ليُعرقل أيَّ سانحة من شأنها أن تجعل الحكومة المدنية حكومة مكتملة الأركان، وقادرة على مراجعة كل قوانين وقرارات مجلس السيادة تحت قيادة المكون العسكري؛ كتلك التي تصب في محاكمة عناصر النظام السابق وقتلة شهداء الاعتصام محاكمة ناجزة ونافذة؛ ولابد من عرقلة وصول المكوِّن المدني للسيادي ومنعه من صياغة دستور وقوانين انتخاب وغيرها تحرم وصول الإخوانويين للسلطة وتحرمهم من ممارسة السياسة في السودان، كما يحدث الآن في تونس والجزائر ومصر.

والآن بيننا وبين نوفمبر 2021 شهراً واحداً هو شهر إكتوبر. وفي هذا الأثناء بدأ المكوِّن العسكري السفيه والقَتِل يُهيئ الساحات منذ فترة للاختلاق القادم، وذلك في شكل انفلات أمني واستباحة لأعراض الناس وأموالهم بواسطة نظاميين تابعين للمكون العسكري، وفي نفس الوقت ينسب عجز الحكومة على معالجة الإنفلات الأمني الذي اقترفته أيديهم النظامية لعجز مجلس الوزراء عن القيام بمهامه في حفظ الأمن.

ولم يكتفِ المكوِّن العسكري بذلك، بل راح يُنسق مع إحدى المسارات (مسار الشرق) التي اختلقها خصيصاً لذلك في مفاوضات جوبا لعرقلة تسليم السلطة للمدنيين في نوفمبر، وأملى عليها قولها: "أنَّها لن تفتح الطرقات والمطارات وخط الأنابيب والموانئ للصادر والوارد إلاَّ إذا حُلَّتْ الحكومة الانتقالية وأُلغيَت لجنة تفكيك التمكين لنظام يونيو 1989، وتفاوض معهم السَّفَّاحان البرهان وحميدتي، لا رئيس وزراء السودان دولة الرئيس حمدوك".
على أيِّ حال، هذه الذرائع لا تشبه إنسان الشرق، ولكن تشبه الإخوانويين وشركائهم السَّفَّاحين من أمثال البرهان والتشادي الذي يسكن قصر رئاسة السودان هو وأُسرته.
وإمعاناً في الخسة والغدر بالثورة ومدنييها، ولتنفيذ مخطط البرهان الجهنمي، أقال السفاح بالأمس القريب أكثر من 32 ضابطاً من كوادر الجيش الوسيطة الدَّاعمة للثوار (كيف تقيل ملازمين ونقباء ورواد ومقدمين وعقداء وأنت قد اجترحت حرباً على دولة جارة؛ بمن تقاتلها إذا فُرضت عليك الحرب يا أخزاك الله)، ثمَّ أوزع لكوادر جيش وسيطة أُخرى في سلاح المدرعات بقيادة بكراوي (والانتقام منه لأجل عيون السفاح حميدتي) لعمل انقلاب مهمته تصفية أكبر عدد من صغار الضباط المنظور مساندتهم للثورة والثوار في سلاح المدرعات؛ وكل ذلك ليضمن نجاح الانقضاض في نوفمبر على المدنية بالكامل؛ ولكن هيهات وهيهات.
يراهن البرهان والفلول وإلى حدٍ ما حميدتي (أرجو أن تنتبهوا لاستراتيجية هذا التشادي المتطفل على اقتصاد السودان، فهو دائماً مع المنتصر وصاحب الغلبة. كان مع البشير ضد الحركات، ولما أدرك سقوطه مال نحو الثورة، ولما بدأت لجنة البشير الأمنية بقيادة السفاح البرهان في سرقة الثورة مال نحو اللجنة الأمنية وذبح الثوار بدم بارد ليثبت ولاءه لها، والآن لما عرف أن الثوار من الممكن أن ينقضوا على البرهان في أيِّ لحظة بعد انقلاب بكراوي ورفع التمام للشهيد عبد السلام وصحبه، بدأ يُغيِّر البوصلة. والمهم عنده دائماً هو استمرار تهريب اليورانيوم والماس ومكعبات الذهب إلى الخارج تحت كل الأوضاع. ولذلك هو دائم التكيُّف كما يوصيه مستشاروه) على موت الثورة بالعراقيل التي يحدثونها للحكومة المدنية وخنقهم لاقتصادها، وعلى عدم إكتراث العالم للانقلابات في أفريقيا.
ولكن نسي الفلول والبرهان والسفاح التشادي حميدتي أنَّ الأربعة انقلابات التي شهدتها أفريقيا هذا العام كلها فاشلة حتى الآن. وإذا كان العالم قليل الإكتراث بانقلابات أفريقيا، إلاَّ أنَّه اهتمَّ كما لم يفعل من قبل بمسرحية انقلاب بكراوي ورفقائه في السودان (فأدانتها أمريكا ودول الترويكا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن).
ونقولها لكم نحن الثوار بالفمِ الملئان: لن تعودوا إلى السلطة مرة ثانية بإذن الله الواحد الأحد، وخيرٌ لكم أن ترعووا وتسألوا أنفسكم: هل رجع العَبُوديُّون إلى السلطة، هل رجع إليها النميْريُّون؟ لن تعودوا إن شاء الله وفي أجسادنا قلوبٌ تنبض.
يُتبع …
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.