كنا نود أن نتنفس هواء حرية وسلام وعدالة .. في فترة إنتقالية غير مشوبة بخماير العكننة … رحبنا وملأت قلوبنا الغبطة بعودة حاملي السلاح الى عقر ديارهم للمشاركة في البناء والتعمير … لم تشغلنا على كم مقعد في نظام الحكم قد إستحوذ هذا إو ذاك … بل ارتاح ضميرنا بإسكات السلاح … وعودة اللاجئين والمهجرين قسرا لدورهم وأرضهم … دون أن تقلق مضاجعهم أزيز الطائرات الحربية وإنتهاك الحقوق بمختلف انواعها ومستوياتها … ليشاهدوا هم وأطفالهم طائرات تحمل الزاد والكتاب بدلا عن القاذفات الحارقات للبشر والشجر … في ظل نظام حكم إنتقالي ، جاء بعد أن مهرت ثورته بالدماء والمهج والأوراح … جاءوا من كل حدب وصوب ، أبناء للوطن دون تمييز للمشاركة بالفكر والرأي والمعرفة بهدف تسخيير المعارف والخبرات والعلاقات الدولية بالخروج بالوطن من أزماته المزمنة ، ثله من المؤهلين والسياسيين والمثقفاتية وجدوا كل الدعم والمساندة الشعبية الوطنية … أملا في إنتشال البلاد من التشرذم والتشظي والانقسام في عنصرية وقبلية وجهوية بغيضة … إلا أن الأداء كان ومازال ضعيفا وواهنا لا يرقى لمستوى تطلع الشعب وطموحه … نعم جسم الوطن مثخن بالجراحات … نعم … التركة كانت مثقلة … إلا أن الأمل كان أكبر … المواطن توشح بالصبر ، وتسربل بالرجاء … املا في الخروج من الانفاق المظلمة التي أوصلته إليها أنظمة الحكم السابقة لا إستثناء فيها لنظام ديمقراطي أو شمولي ، أيدولوجي أو حزبي، لأن إهتمامهم كان ينصب دوما على ظل الفيل ، لا على الفيل نفسه ، كانت تشغلهم قضايا إنصرافية لا قضايا إستراتيجية ، قضايا تؤسس لمستقبل ينقل الوطن ، السودان الى مصاف الدول الأكثر تقدما ، لم يسخر فيه التنوع لخدمة التراث والثقافة والمعارف والإبداع ، بل إستغل في غير مكانه ، إستغل في التصنيف الانساني فتولدت روح العنصرية و القبلية ، والجهوية التي أودت بالبلاد الى مهالك النظر بدونية لبعضنا البعض ، فإنشغلوا بسفاسف الأمور وتركوا عظام الأمور من تنمية وإعمار وتعليم وبناء إنسان مؤهل للمنافسة العالمية ومشاركا في صناعة المستقبل . نحن لا نشق الجيوب ولا نلطم الخدود بعد عامين خلا من عمر الثورة ، بل نقف في لحظة تأمل مستحقة ومشروعة ، وقفة لنتأمل بعين فاحصة وعقل منفتح لما حققناه ولما لم نحققه ، ما فقدناه وما كسبناه ، الشعب الآن أكثر وعيا ، ليس بالقطيع الذي يساق ، شعب صاحب قول وفعل ، القوى السياسية عليها أن تدرك أن (شر الغسيل) لا مكانة له ولن يكسب أي طرف من الأطراف تعاطفا أو دعما شعبيا ، المساجلات السالبة بين من يمثلون أمة وشعب تقلل من مقدار الشعب ذاته في نظر الآخرين ، وتشكك القادرين على تقديم المساعدة والعون في إطار التعاون الدولي إلى ضعف وهوان قادة المرحلة ، والكل يعلم عن اي مرحلة نتحدث وعن أي تحديات تواجه أمتنا وبلادنا في كل منحى من مناحي حياتنا السياسية والاقتصادية والإنسانية . التراشق بين سياسيينا الذي نتابعه هذه الأيام ، ينحدر بنا الى درك أسفل لا نعرف عمقه السحيق وغراره المظلم ، كل الظروف والمآلات تستوجب إيقاف آلات التشكيك والتحديات وقرع الطبول التي لا تطرب سامع ولا مشاهد بل تدمي قلوب الحادبين على مصلحة السودان وتدمع عيون اصحاب الوجع من كل إهل السودان الذين ضحوا بأبنائهم لتغيير نظام سياسي لم يحقق لهم ما يتطلعون إليه في قلب إنظمة إقليمية تسارعت خطاها في تنمية جامحة واستقرار جاذب للأنظار والاستثمار. إن أجنحة الحكم في الفترة الإنتقالية ، عليها واجب تحتمه الظروف والمآلات التي أوصلنا إليها التخبط السياسي في الفترة الماضية ، عليهم الجلوس سويا في مائدة التفاكر والتشاور وتحديد الواجبات والمسؤوليات كل حسب مقامه الدستوري ، الشق العسكري، عليه الحفاظ على أمن البلاد داخليا وعلى الحدود والمحافظة على وحدة البلاد وترابها، أما الشق المدني ، أن يقدم مشروعا واضحا لرفع المعاناة عن هذا الشعب الذي ضاقت به الحياة وسبلها لا أن يصبح سوط عذاب وأن يرفع عن كاهل هذا الشعبت ثقل الحياة والمعاش . إن لم يكن ذلك كذلك ، ستؤول البلاد الى مستنقع التقسيم الى وحدات بحجة الفيدرالية تيمنا بالولايات المتحدة او الكونفدرالية ببريطانيا العظمى أو الحكم الذاتي ككتالونيا ، لكن قطعا وليس تشاؤما (لا ح نلم في لحم ولا ثريد). الوقت مازال مبكرا في تلافي الخطر الداهم وقطع الطريق إمام المغامرين ، وسد الثغور أمام الاطماع الدولية والإقليمية … وخيارنا فليتقدم للإمامة ، إستوا يرحمكم الله … [email protected]