أثار إغلاق قوات الأمن التونسية، الأربعاء، لقناة تلفزيونية خاصة مقربة من حزب النهضة، ومحاكمة صحفيين أمام القضاء العسكري، الكثير من الجدل والتباين حول تأثير ذلك على الحريات الإعلامية في ظل تدابير استثنائية تعيشها البلاد. وكان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أعلن فجأة، في 25 يوليو وعقب احتجاجات مناهضة للحكومة على مستوى البلاد، إقالة رئيس وزرائه وتوليه السلطات التنفيذية والقضائية وتجميد عمل البرلمان، ما أثار الانقسام في الشارع بين مؤيد ومعارض لهذه القرارات. وقال رئيس هيئة الاتصال السمعي البصري "الهايكا"، النوري اللجمي، لوكالة فرانس برس إنه "تم اليوم حجز معدّات بث قناة الزيتونة تبعا لقرار صادر عن الهيئة". وتابع "قناة الزيتونة تبث بطريقة غير قانونية منذ سنوات ولم تتحصل على إجازة بث، لأنها لم تحترم الضوابط القانونية". "قرار قانوني" ويؤيد رئيس الكتلة الديمقراطية في البرلمان المجمد، محمد عمار، لموقع "الحرة" قرار الإغلاق، وقال في حديث مع موقع "الحرة"، إن القناة "لم تستجب لكراسة الشروط الخاصة بالقنوات، ولأنها لا تعمل وفق القانون، وليس من الآن ولكن منذ 2015" . ويضيف "هناك قنوات في تونس عليها قرارات سابقة، لكن لم يتم تنفيذها لأنها تتمتع بالحماية السياسية وليست لديها الإجازة للبث، لكن منذ 2015 هذه القنوات عليها عقوبات تنفيذ بحجز معداتها وغلقها، وللأسف لاحظنا أن هناك قنوات محمية سياسيا وبالتا6لي لم تنفذ هذه القرارات". النائب في البرلمان المجمد عن حركة النهضة والذي استقال منها مؤخرا، سمير ديلو، يقول: "كان بالفعل هناك جدل قانوني بين الهايكا، وإدارة القناة ولكل أسانيده"، موضحا أن "قناة الزيتونة تقول إنها قدمت مطلبا ولكن لم يتم الرد عليها، وفي المقابل الهيئة تقول إنها قناة 'مارقة' ورفضت تسوية أوضاعها". ولكن الإشكال الحالي، من وجهة نظر ديلو، أن قرار الإغلاق تزامن مع إيقاف صحفي من هذه القناة وتمت محاكمته بالقضاء العسكري، الثلاثاء، وإيداعه السجن. وقال ديلو لموقع "الحرة" إن "التزامن بين إيقاف معارضي رئيس الجمهورية بسبب آرائهم وغلق القناة سبب صدمة واستنكاراً، حتى بين الذين كانوا ضد استمرار القناة في البث قبل تسوية أوضاعها مع الهايكا". ووصف هذا التزامن ب"المريب"، مضيفا أنه "يؤكد أن المسارعة في تطبيق قرار الإيقاف لم يأت بسبب الملف القانوني بشكل رئيسي ولكن رغبة في إسكات كل الأصوات التي تعارض رئيس الجمهورية". لكن يرد عمار بأنه " اليوم القرار كان واضحا، وبما أننا في تدبير استثنائية ويمكن بالفعل تنفيذ القانون نظرا لعدم وجود الحماية السياسية، فإن تطبيق القانون جاء عندما أتيحت الفرصة". يشير عمار أيضا إلى أن قناة الزيتونة، إن كانت الأولى في حجز معداتها، فلن تكون الأخيرة "هناك إذاعات مثل إذاعة القرآن الكريم وقناة حنبعل ونسمة والزيتونة صدر ضدها قرارات سابقة بأنها قنوات مارقة على القانون ولا تريد أن تدفع الضرائب ولا تسوية وضعيتها بالكامل داخل التراب التونسي، وكانت محمية من أحزاب سياسية". يضيف أن "هذه القنوات لا أحد يعلم مصادر تمويلها، أموال في الداخل كبيرة جدا تأتيها نقدا وليس عبر التحويلات عبر البنوك وبالتالي يتم التعرف على مصادر هذه الأموال، وبالتالي فهناك شكوك كبيرة حولها وتعتبر سيفا مسلطا لاستخدامها في حملات سياسية ولضرب خصومها السياسيين فقط لا غير". ويرى مدير تحرير موقع "لو جورنال دي ديمانش"، وباحث الدكتوراة في علوم الإعلام والاتصال، خضراوي منجي، في حديثه مع موقع "الحرة"، أن ما حدث مع قناة الزيتونة "قرار قانوني لا تثريب عليه، خاصة وأنه قد سبق لهيئة الاتصال السمعي والبصري أن وجهت تنبيها لقناة الزيتونة منذ 2015 وطلبت منها الغلق التلقائي المؤقت لتحصل على الاجازة التي تخول لها البث القانوني إلاّ أنها لم تلتزم به". محاكمات عسكرية لصحفيين وأوقفت، قوات الأمن التونسية، الأحد، مقدم البرامج في قناة الزيتونة، عامر عياد، والنائب في البرلمان المجمّد، عبد اللطيف العلوي، بعدما انتقدا خلال حلقة تلفزيونية الرئيس، قيس سعيّد، بشدة، فضلا عن إيقاف الصحفية، شذى الحاج مبارك، ومحاكمتها عسكريا. والثلاثاء، تم إطلاق سراح العلوي، من قبل القضاء، لكنه يبقى على ذمة التحقيق، في حين أودع كل من عياد ومبارك السجن. يقول عمار إنه "من المفترض أن حرية الإعلام تعني أن هناك سماحاً بانتقاد أي مؤسسة كانت في إطار الاحترام، لكن عندما يتحول النقد إلى سب وشتم ويصبح رئيس الجمهورية يتم تشبيهه ب 'ابن زانية' ويتم تشبيهه ب 'هتلر'، وهو ما فعله عامر عياد الذي قال كلاما جارحا جدا ضد الرئيس". وأضاف "أعتقد أنه في أي دولة في العالم لا يمكن السماح بمثل هذه الأفعال المشينة، لأنه بين النقد والشتم والسب فرق كبير جدا، وهو ما تعاقِب عليه القوانين". وتابع: "العلوي انتقد وتم التحقيق معه في قضايا تتعلق بحزب ائتلاف الكرامة الذي ينتمي إليه، ثم تم إخلاء سبيله، لكن عياد قام بشتم الرئيس، أما الحالة الأخيرة لفتاة صحفية، فهي متهمة بالتخابر مع جهات أجنبية ربما تقوض الأمن القومي، ومن الطبيعي الاحتفاظ بها في السجن لوجود أدلة على ذلك". لكن النائب ديلو، وهو أحد المحامين الذي ترافعوا عن عياد في الجلسة التي عقدت الثلاثاء، استنكر اتهامات عامر، قائلا: "يبدو أنه لم يطلع على الملف، لأن هذا غير صحيح بتاتا". وأوضح "ما حدث أن عامر عياد قرأ قصيدة للشاعر العراقي، أحمد مطر، والكلام في القصيدة ليس موجها للرئيس وإنما كلام على لسان رجال الشرطة موجه للشاعر نفسه، حيث أن القصيدة تتحدث عن أن رجال الشرطة يطرقون الباب ويقولون افتح الباب لنا يا ابن الزنى.. إن في بيتك حلما خائنا". وأشار إلى أن "الكلام موجه من رجال الشرطة لصاحب البيت الذين يطرقون الباب للقبض عليه بسبب تلبسه بحلم ضد الرئيس، أما بقية الكلام فهو كلام سياسي لكن ليس كلاما شخصيا ليس فيه تحريض". وأضاف "حتى لو فرضنا أن هذه الاتهامات صحيحة، فإنه في تونس لا يحال المدنيون للقضاء العسكري، حتى لو شتم أو أساء التعبير، فإن المرسوم 115 يعاقب على المخالفات التي تحدث في وسائل الإعلام وليس القضاء العسكري". ووصف قائمة الاتهامات بأنها "مرعبة"، حيث جاء من بينها "الاعتداء على أمن الدولة الداخلي المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي والدعوة إلى العصيان وارتكاب أمر وحشد ضد رئيس الدولة ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك". ومن بين الاتهامات أيضا "المس من كرامة الجيش الوطني وسمعته والقيام بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء والاحترام الواجب لهم وانتقاد أعمال القيادة العامة والمسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس من كرامتهم طبق الفصول 67 و68 و72 و121 و128 من المجلة الجزائية و91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية". يعلق عليها ديلو قائلا: "كل هذه الاتهامات من أجل مقدمة برنامج تلفزي، ولذا فالأمر لا يستقيم". ويرى منجي أن "السياق السياسي الذي تعرفه تونس حاليا يحافظ على نفس المنظومة التشريعية القائمة منذ ما قبل الثورة، وخاصة تهديدات مجلّة المرافعات والعقوبات العسكرية في فصلها 91، إذ يمكن محاكمة المدنيين والصحفيين أمام المحاكم العسكرية مثلهم مثل العسكريين المخالفين للقانون". لكن عمار يقول إن "الحرية موجودة، وهذا ما رأيناه من خلال الشعارات والحملات التي قامت بها بعض الأحزاب السياسية، وحملت لافتات ضد رئيس الجمهورية وضد سياساته، هذه وجهة نظر تدخل في إطار حرية الإعلام، لكن ليس من حرية الإعلام أن نقدح في كرامة المواطنين والأشخاص وسبهم بأبشع الألفاظ". وكان المحلل السياسي، الصغير الذكراوي، قد قال لموقع "الحرة"، سابقا، إنه في ظل "الإجراءات الاستثنائية يجوز فيها فرض بعض القيود على الحقوق والحريات باسم المصلحة العليا للدولة". "تهديد مباشر" ويرى ديلو أن قرار محاكمة الصحفيين عسكريا وحجز معدات قناة تلفزيونية "بدون أدنى شك .. تهديد مباشر، وليس الغرض منه إخافة أصحاب القناة، لأنها مستمرة في واقع الحال وتبث من الخارج، ولكن التخويف بهم حتى يدفع زملاءهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية". وأضاف "واقعيا، الرسالة الأقوى هي أن يبيت صحفي في السجن في ليلته الثانية بسبب مقدمة برنامج، كان من المفترض أن يتم توجيه استدعاء له ويحاكم أمام القضاء المدني العادي طبقا لقانون الصحافة وليس طبق مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية"، مضيفا أن "أعداد المدنيين الذين حوكموا عسكريا خلال الشهرين الماضيين أكثر مما تم في العشرين سنة الأخيرة". في المقابل يقول عامر: "كل الإعلاميين موجودين وكثير منهم ينتقد الرئيس مباشرة في إطار الاحترام.. يمكن نقد سياساته لكن لا يجب أن يتحول الأمر إلى السب والقدح في الشخص". وأكد أنه "لا خوف لا على الحريات ولا على المسار الديمقراطي في تونس والذي سيتواصل بكل حرية والشعب هو الذي سيقرر مصيره.. نحن نراقب عن كثب وندفع باتجاه الحفاظ على هذه الحريات". من جانبها، أعلنت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الأربعاء، "رفضها المطلق للمحاكمات العسكرية للمدنيين على خلفية آرائهم ومواقفهم ومنشوراتهم"، واعتبرت ذلك "انتكاسة لحرية التعبير وضربا للديمقراطية وحق الاختلاف". وحمّلت النقابة رئيس الجمهورية، في بيانها، مسؤولية أي انتكاسة لمسار الحقوق والحريات العامة والفردية، محذرة من "خطر العود إلى مربع التضييقات وتكميم الأفواه، وتدعوه إلى تفعيل تعهداته السابقة بضمان الحقوق والحريات". وبينما لا يعتبر منجي أن لقرار حجز معدات القناة تهديداً للحريات الصحفية، لكنه يؤكد أنه كصحفي مستمر في التعبير عن رأيه "بكلّ حرية ولا يمكنني الصمت، فالصمت يجعلنا نفقد كل شيء"، مضيفا أن "من ذاق طعم الحرية لا يمكنه التفريط فيها حتى بالموت".