للشعوب والأمم مفاخر وطنية راسخة في الوجدان ، لا تمحوها عثرات الزمن ولا تجرفها مؤامرات الخائنين ، وللسودان اكتوبر الأخضر الذي له وقع في النفوس طيب ، وذكرى حيّة نابضة بروح الثورة الخالدة في القلوب ، مع مجيئه ترفع اعلام النصر وترفرف بيارق العزم الأكيد ، ويتجدد العهد القديم على السير في درب الشهيد ويرتق الميثاق الثوري المجيد ، من كل عام تكون هذه الذكرى بمثابة المفرّق والمميز بين الثائر الحقيقي الذي يقدم روحه على كفيه رخيصة في سبيل الذود عن الأرض والعرض ، وبين ذلك الشائه المتشبه بالثورة والمكتسي بثوبها نفاقاً ، وازدراءً للدماء الطاهرة المندلقة على ارصفة ميادين الاحياء والمدن والأرياف ، ثورة أكتوبر واحد وعشرين كانت إعصاراً عنيفاً هز اركان الزيف ، وبذل الكرامة الحافظة لوجه البلاد المشرق في المحافل الدولية والعرصات الاقليمية، الحادي والعشرون من هذا الشهر الأخضر لن يكون يوماً للهتاف الصرف، بل درساً بليغاً للمستغلين لقوة السلاح من أجل الاحتفاظ بكرسي سلطة الشعب، وخطبة عصماء يتلو مضامينها جيل البطولات ويكتب مقالتها ابطال التضحيات. فاليوم هو يوم النساء والرجال المتعاهدات والمتعاهدين والمتواثقات والمتواثقين ، على أن لا يحلم المغامرون مجرد حلم بان يجثموا على صدر هذا الشعب الأبي الكريم غصباً عن ارادته ، وقطع الطريق أمام أولئك القادة غير البررة بالمؤسسة العسكرية حتى لا ينحروا سلطة الشعب، المؤسسة الواجب عليها صون الوطن ومؤسساته من تغول المتغولين وهجوم الانتهازيين، فالمجد للوطنيين الصادقين الحريصين على وحدة التراب ، والخزي والعار للمتآمرين الناشدين لعون الاعداء المناصرين للهبوط الناعم، الموطّد لدعامات اعمدة قصرهم المائل والآيل للسقوط الحتمي ، إنّه يوم الفرقان الفارز للغث من الأكوام والمخلفات غير ذات الجدوى ، عن الدر الثمين الواضع للحدود الفاصلة بين المتكالبين من طلاب الجاه على حساب مصير البلد، وبين المقسمين قسماً غليظاً على أن يسدوا كل الثغرات المؤدية لدخول البراغيث والسوس الفاتك بعظم الأمة، فقد نخر هذا السوس اللئيم في فقرات عمود الظهر زماناً ، والآن قد آن الأوان لكي يتجرع السم الزعاف المقذوف من افواه الثوار الأحرار، المكملين لمشوار الإباء والسؤدد والكرامة والشموخ ، وأن يزال السرطان من خلايا الوطن الجريح، بواسطة حمم الهتاف الكيميائي الملتهب والخارج من حناجر الشباب الأوفياء. المليونيات الشعبية التلقائية غير المسنودة بحائط القصر السلطاني ، ليست ملك لحزب سياسي أو جماعة مسلحة ولا للتجمعات المهنية ، إنّها جموع جماهيرية متنوعه الانتماء الثقافي والمجتمعي توحدت تحت شعار (حب الوطن) ، لملمت شملها هذه الأرض الحبيبة الكريمة الطيبة الرؤوم، التي ما بخلت للساكن الأصيل ولا للوافد الدخيل بالسقف الظليل والعش الأمين والفرش الوثير ، هي تجمعات وطنية كارهة للنفاق والشقاق السياسي الذي ضرب تماسك نسيج المجتمع ، وهي تكتلات سكانية صبرت على جور بنيها المتواطئين مع القوى الأقليمية والدولية ، ظلت تثبت للناس اجمعين أنها على قلب إمرأة واحدة وعقل رجل أوحد ، لا تترك للمياه المسمومة الوافدة من غرف المؤامرات الخارجية لأن تتخلل تماسكها ووحدتها ، فهذه السحب الداكنة المتراكمة لهذه الجموع الصادقة لها شرف الانتماء المقدس لجذرها القديم العريق الذي يعود لعشرات القرون ، ومن ظن أن بمقدوره فت عضد هذه المجتمعات فليسأل مجمد علي وولده اسماعيل ، وليستخبر هكس ورفيقه غردون . المتسلحون باكتوبر لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، أما المتسلحون بالسلاح الوافد من ليبيا واليمن فالخوف يملأ جنبات قلوبهمة، لأن السلاح المادي لن يقاتل حتى تمسك بزناده اليد المحروسة بقوة الروح المؤمنة بقضيتها لا الأرواح الشريرة التي عبدت الدرهم والدولار والريال والشيك السياحي ، فكان لنا في اكتوبر المثال والقدوة الحسنة في أن روح الثورة لن تهزمها خطرفات فوهات الاسلحة الخرقاء الصدئة القادمة من وراء البحار، ويكفي الجموع الهادرة منطوق القاعدة الأخلاقية الكبرى التى وضع لبنتها الأولى (الجيل الراكب راس) – (الطلق الناري لا يقتل … الذي يقتل صمت الناس) ، اذا صمتت هتافات الجماهير ضاعت قضاياهم تحت اقدام المهرولين نحو الكرسي دون وازع خلق ولا رادع دين ، فقعقعة السلاح الاكتوبري هي الزئير الداوي من الحناجر وليس الرصاص الغادر المنطلق من بنادق الخونة .
وليذكر التاريخ ابطالاً لنا عبدالفضيل وصحبه ، غرسوا النواة الطاهرة ونفوسهم فاضت حماساً كالبحار الزاخرة ، من اجلنا ارتادوا المنون ومن أجل هذا اليوم كانوا يعملون ، غنوا لهم يا اخوتي ولتحيا ذكرى الثائرين . [email protected]