مع تفاقم الضغوط الخارجية والداخلية على قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، يرجح محللون أن يتوصل الفرقاء في الخرطوم إلى تسوية وشيكة تنهي الأزمة وتجنب البلاد فوضى لا يمكن التكهن بتداعياتها. الخرطوم- يواصل وسطاء دوليون ومحليون مساعيهم لتقريب وجهات النظر بين رئيس الحكومة المعزول عبدالله حمدوك وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان لتجاوز الأزمة في السودان، فيما تضغط الولاياتالمتحدة لعودة الحكم المدني واستكمال مسار الانتقال الديمقراطي. وجدد مبعوث الولاياتالمتحدة الخاص لمنطقة القرن الأفريقي الثلاثاء دعوة واشنطن لقائد الجيش السوداني لإعادة الحكومة وإطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين في إطار الانقلاب العسكري. وقال جيفري فيلتمان للصحافيين إن كلا الجانبين المدني والعسكري أظهرا ضبطا للنفس في الاحتجاجات السبت الماضي، مما كان مؤشرا على أن الجانبين يدركان أنهما بحاجة إلى العمل معا لإيجاد طريقة للعودة إلى مرحلة انتقالية تشمل كلا من العسكريين والمدنيين. ويأتي ذلك في وقت أعلن مبعوث الأممالمتحدة في الخرطوم فولكر بيرتيس الاثنين أنه من المتوقع أن تحقق جهود الوساطة المحلية والدولية الرامية لحل الأزمة السياسية في البلاد المرجو منها خلال الأيام المقبلة. ويدور الخلاف الآن بشأن تركيبة الحكومة السودانية، إذ يشترط حمدوك عودة حكومته إلى مباشرة مهامها وفق ما جاء في الوثيقة الدستورية، بينما يقترح البرهان، الذي يواجه ضغوطا متفاقمة، حكومة تكنوقراط بعيدا عن المحاصصة السياسية. وأكّد حمدوك أن إطلاق سراح الوزراء المعتقلين وعودة حكومته لمباشرة عملها يشكّلان "مدخلا لحلّ الأزمة" الناجمة عن الانقلاب في السودان.وقالت وزارة الإعلام في الحكومة السودانية المقالة، في بيان على صفحتها في فيسبوك الاثنين، إنّ حمدوك التقى في منزله سفراء دول ما يُسمّى "الترويكا" التي تضمّ الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، وتمسّكَ بشرعيّة حكومته والمؤسّسات الانتقاليّة، معتبرا أنّ "إطلاق سراح الوزراء ومزاولة مجلس الوزراء، بكامل عضويّته، لأعماله، هو مدخل لحلّ الأزمة". وفي الخامس والعشرين من أكتوبر ألقت قوّة عسكريّة القبض على حمدوك وكثير من وزرائه قبل أن يعلن البرهان الأسبوع الماضي حلّ مؤسّسات الحكم الانتقالي التي شُكّلت بالشراكة بين الجيش والمدنيّين عقب إسقاط عمر البشير في 2019 إثر انتفاضة استمرّت خمسة أشهر. وأعيد حمدوك إلى منزله في اليوم التالي للانقلاب، لكنّه وضع قيد الإقامة الجبرية. وشدّد حمدوك على أنّه "لن يكون طرفا في أيّ ترتيبات وفقا للقرارات الانقلابيّة الصادرة في الخامس والعشرين من أكتوبر"، قائلا إنّه "يجب إعادة الوضع إلى ما كان عليه" قبل هذا التاريخ. ووضعت القوى الداعمة للديمقراطية هذا المطلب كشرط مسبق لأي حوار. ويشهد السودان منذ أكثر من أسبوع احتجاجات وتظاهرات رفضا لما يعتبره المعارضون "انقلابا عسكريا"، جراء إعلان الجيش حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء الولاة واعتقال وزراء ومسؤولين وقيادات حزبية في البلاد. وقبلها، كان السودان يعيش منذ الحادي والعشرين من أغسطس 2019 فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.ويؤكد البرهان أنه أطاح بالحكومة لتجنب حرب أهلية بعد أن أجج سياسيون مدنيون العداء للقوات المسلحة. ويقول إنه لا يزال ملتزما بالتحول الديمقراطي بما في ذلك الانتخابات بحلول عام 2023 لكنه يفضل حكومة تستبعد السياسيين الحزبيين. واستفاد البرهان من الخلافات بين الأطراف المدنية وغموض مواقفها، فهناك من يميل إلى الانتظار لمعرفة نتائج ما جرى، وهناك من يعتقد أن موقعه مع المؤسسة العسكرية يضمن له مزايا أكبر خاصة بعد أن خبر رغبة المكون المدني الشريك في الحكومة السابقة في السيطرة على السلطة. وتشكل المعارضة الشعبية الكبيرة أكبر تحد للبرهان منذ إطاحته بالحكومة السودانية الاثنين الماضي واعتقاله ساسة بارزين. ولمواجهة هذه الضغوط، اقترح البرهان تكوين حكومة تكنوقراط برئاسة حمدوك ووعد بعدم التدخل في تركيبتها، إلا أن حمدوك اشترط إطلاق سراح المعتقلين والعودة إلى اتفاق تقاسم السلطة الذي كان قائما قبل الانقلاب. وكان ضغط المدنيين لتولي قيادة المرحلة الانتقالية من الجيش في الأشهر المقبلة، وهي مسألة لم يتفق عليها الجانبان، من بين مصادر التوتر العديدة بينهما. ويعول الجيش السوداني على نجاح الوساطة التي تقودها رموز سياسية من أطراف متباينة يقودها الصحافي محجوب محمد صالح، ومدير جامعة الأحفاد للبناء بأم درمان قاسم بدري، ورجل الأعمال أنيس حجار، في الضغط على حمدوك للقبول بتولي المنصب مجددا، بمشاركة أوسع للمكونات المدنية والشباب في هياكل الفترة المقبلة. وقالت مصادر سودانية مطلعة ل"العرب" إن الوساطة التي تتولاها سبع شخصيات عامة تتضمن تشكيل مجلس الدفاع العام برئاسة البرهان، وتعيين حمدوك رئيسا للحكومة مع وزراء تكنوقراط، إلى جانب تشكيل المجلس التشريعي بنسبة تمثيل تصل إلى 40 في المئة من الشباب، وتشكيل مجلس شيوخ ليكون بديلا لمجلس السيادة ويتكون من 100 شخصية سياسية ومدنية وعسكرية. وأضافت المصادر ذاتها أن الأمور تتجه للتوصل إلى تسوية سياسية بما يضمن إرضاء المكون العسكري عبر إبعاد القوى الحزبية من العمل التنفيذي، والاستجابة لمطالب الشباب بتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الإجراءات الاستثنائية المتبعة والإفراج عن المحبوسين وتشكيل حكومة بعيدة تماما عن أي توجهات للمكون العسكري. وأدى الانقلاب إلى تجميد المانحين مساعدات تشتد الحاجة إليها في بلد يعاني أكثر من نصف سكانه من الفقر وأدت المصاعب فيه إلى تأجيج الاضطرابات والحروب الأهلية. وجمدت الولاياتالمتحدة مساعدات قدرها 700 مليون دولار، كما أوقف البنك الدولي، الذي منح السودان حق الحصول على تمويل بقيمة ملياري دولار في مارس، مدفوعاته. كما قرّر الاتّحاد الأفريقي تعليق عضويّة الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتّجاه العودة إلى مؤسّسات الحكم الانتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيّون.