استخدمت قوات الأمن السودانية قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، لتفريق متظاهرين تمكنوا من الوصول إلى محيط القصر الجمهوري في الخرطوم. وكانت مظاهرات خرجت في مدن سودانية عدة، للمطالبة بإبعاد العسكريين عن السلطة، في الذكرى الثالثة للثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، والتي تتزامن مع انقسامات سياسية حادة في البلاد. وقالت مصادر طبية للجزيرة مباشر إن سودانيًا قتل خلال مظاهرات، اليوم الأحد، وسقط أكثر من 100 مصاب جراء استخدام قوات الأمن السودانية العنف ضد المتظاهرين. ومساء اليوم، بدأت قوات الأمن تفريق المتظاهرين في محيط القصر الجمهوري عقب نزول عشرات آلاف السودانيين إلى الشوارع للمطالبة بحكم مدني ديمقراطي في الخرطوم بالتزامن مع الذكرى الثالثة للإطاحة بحكم عمر البشير. وأفاد شهود عيان بأن قوات الشرطة انسحبت مع تقدم المتظاهرين إلى محيط القصر الرئاسي، مقر قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان. وتسلق متظاهرون نافورة مياه منصوبة أمام البوابة الجنوبية للقصر الرئاسي ولوحوا بأعلام السودان وعلامة النصر. وأطلقت قوات الأمن غازات مسيلة للدموع وقنابل الصوت بكثافة على المتظاهرين في محيط القصر الجمهوري بعد ثلاث سنوات من "الثورة" التي أطاحت بحكم عمر البشير. وعصرا، تجمعت حشود كبيرة من المتظاهرين في محيط القصر الجمهوري وحاولت قوات الأمن تفريقها بإطلاق كثيف لقنابل الغاز إلا أنها لم تتمكن أول الأمر. وظل الكر والفر مستمرا في محيط القصر بين المتظاهرين وقوات الأمن، حتى مساء الأحد، إذ استخدمت قوات الأمن القوة لتفريق المتظاهرين في محيط القصر الجمهوري. وقال تجمع المهنيين السودانيين (قائد الحراك الاحتجاجي)، عبر صفحته على فيسبوك "لاحت بشائر النصر. الثائرات والثوار يعبرون الحواجز ويقتحمون محيط القصر الجمهوري". وأضاف "ندعو جميع الثوار للالتحاق بالتجمع في محيط القصر، وإغلاق كل الطرق المؤدية للقصر بالمتاريس". وتابع "على القوات النظامية التزام جانب شعبها وردع أي محاولة لضرب التجمع السلمي. لا عاصم اليوم إلا الانصياع لإرادة وعزم الثورة الظافرة، وإعلان تسليم السلطة كاملة لقوى الثورة". وفي وقت سابق بعد الظهر، استخدمت قوات الأمن كذلك القنابل المسيلة للدموع في محاولة لإبعاد متظاهرين عن القصر الجمهوري بالتزامن مع تمكن بعض الشباب من تسلق أسواره. وكسر المتظاهرون الحواجز الأمنية وعبروا جسري "النيل الأبيض" الرابط بين الخرطوم ومدينة أم درمان غربي العاصمة، و"المنشية" الرابط بين الخرطوم ومدينة شرق النيل، للوصول إلى وسط الخرطوم. وقال شهود من رويترز إنه على الرغم من إغلاق قوات الأمن للجسور فوق نهر النيل التي تؤدي إلى العاصمة، تمكن المحتجون من عبور جسر يربط مدينة أم درمان بوسط الخرطوم لكنهم واجهوا الغاز المسيل للدموع. وكان المحتجون يهتفون ضد قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان مرددين "الشعب يريد إسقاط البرهان"، بحسب صحفيي فرانس برس. وتمكن آلاف المتظاهرين في منطقة أم درمان (غرب العاصمة) من عبور أحد الجسور بعد أن فشلت قوات الأمن المتمركزة هناك في السيطرة عليهم، بحسب ما قال لفرانس برس شاهد العيان محمد حامد. ومنذ ساعات الصباح الأولى، أغلقت قوات الجيش والشرطة الجسور الرئيسية التي تربط وسط الخرطوم بمنطقتي أم درمان (غرب العاصمة) وبحري (شمال) لمنع المتظاهرين من الوصول إلى مقر القيادة العامة للجيش. وشاهد أحد صحفيي فرانس برس قوات من الجيش تضع كتلا أسمنتية على عدد من الجسور التي تربط وسط الخرطومبأم درمان وبحري، كما تمركزت بجانب الجسور سيارات نصبت على بعضها مدافع رشاشة، وبجانبها جنود مسلحون. وأغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط المدينة بسيارات مسلحة وأسلاك شائكة وحواجز أسمنتية، وأغلق شارع المطار، أهم شوارع المدينة، بسيارات عسكرية مسلحة. وخلت شوارع وسط الخرطوم من المارة والسيارات باستثناء حركة محدودة وأقفلت المحلات التجارية أبوابها وانتشر جنود من شرطة مكافحة الشغب عند التقاطعات الرئيسية وهم يحملون قاذفات القنابل المسيلة للدموع. وفي جنوبالخرطوم رفع المتظاهرون لافتات تدعو إلى "حصار قصر" البرهان وهتفوا "الشعب أقوى والردة مستحيلة" وكذلك رددوا "الشعب أقوى والتراجع مستحيل". ومساء السبت، حذر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بيان من أن الثورة السودانية تواجه انتكاسة كبرى وأن "التمترس" السياسي من جميع الأطراف يهدد وحدة البلاد واستقرارها. ومساء السبت، وفي الساعات الأولى من صباح الأحد، قال شهود إن حافلات محملة بالناس وصلت من ولايات أخرى بعضها من شمال كردفان ومن الجزيرة للمشاركة في الاحتجاجات في الخرطوم. ودعت لجان المقاومة بالأحياء السكنية وتجمع المهنيين السودانيين (تحالف نقابي) وتحالف الحرية والتغيير، الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، إلى مظاهرة في وسط الخرطوم تتجه نحو القصر الرئاسي للمطالبة بتنحي الجيش عن السلطة وتسليمها الى المدنيين بمناسبة الذكرى الثالثة ل"الثورة" على البشير.
ويتظاهر المحتجون رفضا للاتفاق السياسي الموقع بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وللمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي. وهذا الاتفاق يتضمن 14 بندا، أبرزها عودة حمدوك لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية)، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي. ورحبت دول ومنظمات إقليمية ودولية بهذا الاتفاق، بينما رفضته قوى سياسية ومدنية سودانية، معتبرة إياه "محاولة لشرعنة الانقلاب". وقاد البرهان ما يصفه سودانيون ب"انقلاب" 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتبع ذلك سلسلة من الاحتجاجات قوبلت بقمع قوات الأمن للمتظاهرين، أوقع 45 قتيلا ومئات الجرحى، وتريد المنظمات التي أشعلت الانتفاضة ضد البشير أن تعيد تعبئة 45 مليون سوداني يعيشون في ظل تضخم بلغ 300%، ولكن هذه المرة ضد العسكريين. واستمرت الاحتجاجات المناهضة للانقلاب حتى بعد إعادة رئيس الوزراء إلى منصبه، الشهر الماضي، ويطالب المحتجون بعدم تدخل الجيش على الإطلاق في الحكومة خلال مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة. وعشية هذه المظاهرات، حذر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي عزله البرهان وأقال حكومته -قبل أن يعيده الى منصبه الشهر الماضي ولكن من دون حكومته- من "انزلاق البلاد نحو الهاوية". ومساء السبت، قال حمدوك في كلمة وجهها إلى السودانيين "نواجه اليوم تراجعًا كبيرًا في مسيرة ثورتنا يهدد أمن البلاد ووحدتها واستقرارها، وينذر ببداية الانزلاق نحو هاوية لا تبقي لنا وطنًا ولا ثورة"، معتبرا أن "الاتفاق السياسي هو أكثر الطرق فعالية وأقلها تكلفة للعودة إلى مسار التحول المدني الديمقراطي". وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، وبعد أن ضاعف البشير المعزول دوليًا سعر الخبز ثلاث مرات، خرج السودانيون إلى الشوارع يطالبون بإسقاط النظام ما اضطر الجيش إلى عزله بعدها بأربعة أشهر. واختار السودانيون ذلك اليوم لأنه في التاريخ نفسه من العام 1955 إذ حصل السودان على استقلاله بعد أن كان يخضع لحكم ثنائي بريطاني مصري. ويشهد السودان، منذ 21 أغسطس 2019، فترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات في يوليو 2023، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة في 2020 اتفاقا لإحلال السلام.