تعضيداً للحراك الحالي لنقابة أساتذة جامعة الخرطوم من أجل رفع بعض المظالم عنهم عبر تحسين مُستَحَق لأوضاعهم المعيشية ، كنت أنوي المساهمة بكتابة تفصيلية للفت نظر المجتمع إلى ما فيه فِئة أساتذة الجامعات المعاشيين ، من ظُلمٍ وسوءِ تقديرٍ لما قدَّموه في سنوات خدمتهم الطويلة ، وما يكتنف ذلك من ضَعفِ تَلَمُّسٍ مؤسف لحاجاتهم الصحية والمعيشية الأساسية وهم في أعمار متقدمة ، وما ظلوا يعانونه عبر سنوات طويلة من غَمْطِ حقوقٍ غير منطقي في عدم التمييز بين درجاتهم و بالتالي عدم الإرتكاز في حسابات المعاش علي ما كان من إختلافات في المرتبات وبالتالي ما كان يتم فعلياً وشهرياً من خصومات لحساب المعاشات ، بعد أن قدموا للوطن وللمجتمع أَعمارهم ، وعصارة جهودهم ، وخبراتهم العلمية والعملية ، المباشرة وغير المباشرة ، في مرافق الدولة الخدمية والإنتاجية منذ ما قبل إستقلال السودان وحتى يوم الناس هذا . وكانوا طوال تاريخ السودان المعاصر يتصدون للظلم متقدمين الصفوف عند الصدام وعافين متوارين عند المغنم ، غير منتظرين لشكر أو متطلعين لمناصب .. نعم كنت أنوي ذلك لكني أحجمت عندما تذكَّرت أن الدكتور حمدوك عندما كان رئيساً لمجلس وزراء الثورة، ورغم خبرته الدولية وتجاربه الحياتية الواسعة في دنيا المنظمات والحقوق ، لم يَتَفَهَّم منطق المعاشيين الذين رفعوا له عدة مذكرات موثقة عن ظلاماتهم ومقترحاتهم ، ولم يحركه تعدد مذكرات تنظيمهم وإتحادهم ، وحتى لم يعط بالاً إنسانياً لوقفاتهم الإحتجاجية تحت وهج الشمس ، متكئيين علي عصيِّهم أو متحاملين علي أجساد وهن عظمها ، إلى ان طار غير مأسوف عليه تاركاً الجمل بما حمل !! عندها قلت لنفسي ما فيش فائدة !!! فكيف لي إذا كتبت أن أتوقع خيراً أو تفهماً من متمرد فارض نفسه وزيراً للمالية بقوة السلاح وبالعضد الجنجويدي ، أو أنتظر إلتفاتة من إنقلابي خائن للعهد وللثورة ، وسافك لدماء الثوريين !!! إنه وضع قبيح بكل المقاييس !!! لكن الحق يُقال إن ظلم المعاشيين يمثل دون شك جزءاً ضئيلاً من مأساة وطنية شاملة ومن ظلم مجتمعي أكبر ، يفاقمه ويعطِّل علاجه ما فيه الوطن حالياً من شتات فكري وسياسي وتنظيمي ، وما يحيطه من ضبابية رؤى ، وما يهيمن علي أجوائه من حمقى مذعورين من العسكريين الإنقاذيين ، ومن الجنجويد المُسْتَوْرَدِين ، ومن المتمردين السابقين خونة العهد والثورة .. لكن حتماً وبإذن الله كل ذلك إلى زوال .. فالشعب أقوى والردة مستحيلة ، ولن تضيع حقوق وطنية أو ذاتية وراءها مطالب . و لك الله يا وطني . [email protected]